الموسوعة الفقهية

المبحثُ الثالثُ: الوصيَّةُ للأجنبيِّ


تَصِحُّ الوصيَّةُ للأجنبيِّ في حُدودِ الثلُثِ، ولا تَجوزُ بما زاد على الثلُثِ إلَّا أنْ يُجيزَه الورَثةُ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنَفيَّةِ ، والمالكيَّةِ ، والشَّافعيَّةِ ، والحنابلةِ ، وهو قولُ أكثرِ أهلِ العِلمِ ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
1- عن عامرِ بنِ سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ، عن أبيهِ رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَعودُني عامَ حَجَّةِ الوداعِ مِن وجَعٍ اشتدَّ بي، فقلتُ: إنِّي قد بلَغَ بي منَ الوَجعِ وأنا ذو مالٍ، ولا يَرِثُني إلَّا ابنةٌ؛ أفأتصدَّقُ بثُلُثَيِ مالي؟ قال: لا. فقلتُ: بالشَّطرِ؟ فقال: لا، ثمَّ قال: الثُّلُثُ، والثلُثُ كبيرٌ -أو كثيرٌ-؛ إنَّك أنْ تَذَرَ ورَثتَك أغنياءَ خيرٌ مِن أنْ تَذَرَهم عالةً يَتكفَّفونَ الناسَ... ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
قولُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((الثلُثُ والثلثُ كبيرٌ -أو كثيرٌ-)) دَليلٌ على عدَمِ جوازِ الوصيَّةِ بأكثرَ من الثلُثِ
2- عن عِمرانَ بنِ حُصينٍ رضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رجُلًا أعتَقَ سِتَّةَ مَملوكينَ له عندَ مَوتِه، لم يكُنْ له مالٌ غيرَهم، فدَعا بهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فجزَّأهم أثلاثًا، ثمَّ أقرَعَ بينَهم، فأعتَقَ اثنيْنِ وأرَقَّ أربعةً، وقال له قولًا شديدًا ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أقرَّ العِتقَ في ثُلثِه لغَيرِ قَرابتِه
ثانيًا: لأنَّها عطيَّةٌ؛ فجازَتْ لغيرِ قَرابتِه، كالعطيَّةِ في الحياةِ
ثالثًا: لأنَّ الحقَّ للورَثةِ، فإذا أجازوا بما زاد على الثلُثِ فقد رَضُوا بإسقاطِ حَقِّهم؛ فيَصِحُّ

انظر أيضا:

  1. (1) المقصودُ بالأجنبيِّ هو البعيدُ غيرُ القريبِ للموصِي.
  2. (2) ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (28/126)، ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (8/481)، ((الفتاوى الهندية)) (6/90).
  3. (3) ((الكافي)) لابن قُدامة (2/1026)، ((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (8/333)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (9/540).
  4. (4) ((روضة الطالبين)) للنووي (6/109)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/21).
  5. (5) ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/442، 456)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (4/329)، ((مطالب أولي النهى)) للرُّحَيْباني (4/449، 450).
  6. (6) قال ابنُ قُدامةَ: (فإنْ أوصى لغَيرِهم وترَكَهم [أي: الأقاربَ، صحَّت وَصيَّتُه، في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم: سالمٌ، وسُليمانُ بنُ يَسارٍ، وعطاءٌ، ومالكٌ، والثَّوريُّ، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وأصحابُ الرأْيِ). ((المغني)) (6/140).
  7. (7) قال القُرطبيُّ: (اتَّفقوا أنَّه إذا أوصى بأكثرَ مِن ثُلثِه لأجنبيٍّ جاز بإجازتِهم). ((تفسير القرطبي)) (2/265). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (لو أَوصى لوارثٍ أو لأجنبيٍّ بزائدٍ على الثلُثِ، فأجاز الورثةُ الوَصيَّةَ بعدَ موتِ الموصِي؛ صحَّتِ الإجازةُ بلا نزاعٍ). ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) (4/117).
  8. (8) أخرجه البخاري (1295) واللفظُ له، ومسلم (1628).
  9. (9) ((المنتقى)) للباجي (6/156)، ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (4/43).
  10. (10) أخرجه مسلم (1668).
  11. (11) ((المغني)) لابن قُدامة (6/140).
  12. (12) ((المغني)) لابن قُدامة (6/140).
  13. (13) ((الاختيار لتعليل المختار)) للمَوْصِلي (5/63).