الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّالِثُ: عِدَّةُ المُطَلَّقةِ ذاتِ الحَيضِ إذا انقطَعَ حَيضُها للرَّضاعِ


تعتَدُّ المرأةُ بالأقراءِ إذا ارتفَعَ حَيضُها بسَبَبِ الرَّضاعِ، ولو طالت المُدَّةُ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ الطَّلاق: 4.
وَجهُ الدَّلالةِ:
نَصَّت الآيةُ على أنَّ التي تعتَدُّ ثلاثةَ أشهُرٍ هي التي لم تَحِضْ أو يَئِسَت؛ فدَلَّ هذا على أنَّ غَيرَهنَّ يَعتَدِدْنَ بالأقراءِ، ومِنهنَّ التي انقطَعَ حَيضُها بسبَبِ الرَّضاعِ [158]     يُنظر: ((شرح مسند الشافعي)) للقزويني (4/18)، ((الوسيط في المَذهَب)) للغزالي (6/122)، ((منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين)) للسعدي (ص: 219).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: القاضي عبدُ الوهَّابِ [159]     قال القاضي عبد الوهاب: (أجمعوا أنَّ التَّأخيرَ بالرَّضاعِ لا يُسَوِّغُ لها الاعتدادَ بغيرِ الحَيضِ). ((المعونة)) (ص: 921). ، والعمرانيُّ [160]     قال العمراني بعد أن ذكَرَ قِصَّةَ عُثمانَ وعليٍّ في توريثِ امرأةِ حِبَّان منه: لانقِطاعِ حَيضِها بسَبَبِ الرَّضاعةِ: (لا مخالِفَ لهما؛ فدَلَّ على أنَّه إجماعٌ). ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) (11/22). ، وابنُ تَيميَّةَ [161]     وزاد ابنُ تَيميَّةَ المرَضَ فقال: (إن كان قد ارتفَعَ حَيضُها بمرَضٍ أو رَضاعٍ، فإنَّها تترَبَّصُ حتى يزولَ العارِضُ وتحيضَ، باتِّفاقِ العُلَماءِ). ((مجموع الفتاوى)) (34/23).
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
عن ابنِ جُرَيجٍ عن عبدِ اللهِ بنِ أبي بَكرٍ أخبَرَه: (أنَّ رَجُلًا مِن الأنصارِ -يُقالُ له: حِبَّانُ بنُ مُنقِذٍ- طلَّق امرأتَه وهو صحيحٌ، وهي تُرضِعُ ابنَتَه، فمَكَثَت سَبعةَ عَشَرَ شَهرًا لا تَحيضُ؛ يَمنَعُها الرَّضاعُ أن تحيضَ، ثمَّ مَرِضَ حِبَّانُ بعد أن طَلَّقَها بسَبعةِ أشهُرٍ أو ثمانيةٍ، فقُلتُ له: إنَّ امرأتَك تريدُ أن تَرِثَ، فقال لأهلِه: احمِلوني إلى عُثمانَ، فحَمَلوه إليه، فذَكَر له شأنَ امرأتِه، وعِندَه عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وزيدُ بنُ ثابتٍ، فقال لهما عُثمانُ: ما تَرَيانِ؟ فقالا: نرى أنَّها تَرِثُه إن مات، ويَرِثُها إن ماتَت؛ فإنَّها ليسَت مِنَ القَواعِدِ اللاتي قد يَئِسنَ مِنَ المحيضِ، وليسَت مِنَ الأبكارِ اللاتي لم يبلُغْنَ المحيضَ، ثمَّ هي على عِدَّةِ حَيضِها ما كان مِن قَليلٍ أو كثيرٍ، فرجع حِبَّانُ إلى أهلِه فأخَذَ ابنَتَه، فلمَّا فَقَدت الرَّضاعَ حاضَت حَيضةً، ثمَّ حاضت حَيضةً أُخرى، ثمَّ توفِّيَ حِبَّانُ مِن قَبلِ أن تحيضَ الثَّالثةَ، فاعتَدَّت عِدَّةَ المُتوَفَّى عنها زَوجُها، ووَرِثَتْه) [162]     أخرجه الشافعي في ((الأم)) (6/537)، والبيهقي (15808). صَحَّحه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (8/222).
رابعًا: جَرَت العادةُ بأنَّ الرَّضاعَ يُؤَثِّرُ في تأخيرِ الحَيضِ، فلا يكونُ ذلك رِيبةً، فإذا كان ذلك وَجَب انتظارُ زَوالِه [163]     ((المعونة على مَذهَب عالم المدينة)) للقاضي عبد الوهاب (ص: 921).

انظر أيضا: