الموسوعة الفقهية

المَبحثُ الأوَّلُ: حُكمُ كفَّارةِ الظِّهارِ


كفَّارةُ الظِّهارِ تجِبُ على التَّرتيبِ: تحريرُ رقبةٍ، ثمَّ صِيامُ شَهرينِ لِمن لم يجِدِ الرَّقبةَ، ثمَّ إطعامُ سِتِّينَ مِسكِينًا لِمَن لم يستَطِعِ الصِّيامَ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ  المجادلة: 3، 4.
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الأصلَ بقاءُ التَّرتيبِ على ظاهِرِه وُجوبًا، وَفْقَ ما جاء تفسيرُه في السُّنَّةِ مِن وُجوب التَّرتيبِ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ:
عن سَلَمةَ بنِ صَخرٍ البَياضيِّ رضي اللهُ عنه قال: ((كنتُ امرأً أستكثِرُ مِن النِّساءِ، لا أُرى رجُلًا كان يُصيبُ مِن ذلك ما أُصيبُ، فلمَّا دخل رمضانُ ظاهَرْتُ مِن امرأتي حتى يَنسَلِخَ رَمضانُ، فبينما هي تحدِّثُني ذاتَ ليلةٍ انكشَفَ لي منها شيءٌ، فوثَبْتُ عليها فواقَعْتُها، فلمَّا أصبحتُ غَدَوتُ على قومي فأخبَرْتُهم خَبري، وقلتُ لهم: سلُوا لي رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا: ما كنَّا نَفعَلُ؛ إذَنْ يُنزِلَ اللهُ فينا كِتابًا، أو يكونَ فينا مِن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَولٌ، فيَبقى علينا عارُه! ولكنْ سوف نُسْلِمُك بجريرتِك، اذهَبْ أنتَ فاذكُرْ شأنَك لِرَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. قال: فخرَجْتُ حتى جِئتُه فأخبَرْتُه الخبَرَ، فقال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنتَ بذاك؟! فقلتُ: أنا بذاك، وها أنا يا رَسولَ اللهِ صابِرٌ لحُكمِ اللهِ علَيَّ، قال: فأعتِقْ رَقبةً. قال: قلتُ: والذي بعَثَك بالحَقِّ، ما أصبحْتُ أملِكُ إلَّا رقَبتي هذه! قال: فصُمْ شَهرينِ مُتتابِعَينِ. قال: قلتُ: يا رَسولَ اللهِ، وهل دخَلَ عليَّ ما دخَلَ مِن البَلاءِ إلَّا بالصَّومِ؟! قال: فتصَدَّقْ، أو أطعِمْ سِتِّينَ مِسكينًا. قال: قلتُ: والذي بعَثَك بالحَقِّ، لقد بِتْنا ليلَتَنا هذه ما لنا عَشاءٌ! قال: فاذهَبْ إلى صاحِبِ صَدَقةِ بني زُرَيقٍ، فقُلْ له، فلْيَدْفَعْها إليك، وأطعِمْ سِتِّينَ مِسكينًا، وانتَفِعْ ببقيَّتِها ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحديثُ نَصٌّ ظاهِرٌ في ترتيبِ الكفَّارةِ على المُظاهِرِ
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ رُشدٍ ، والرَّمليُّ ، والخرشيُّ ، والصَّنعانيُّ

انظر أيضا:

  1. (1)      ((الحاوي الكبير)) للماوردي (10/460)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (7/86)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/190).
  2. (2)      أخرجه أبو داود (2213)، والترمذي (3299)، وابن ماجه (2062) واللَّفظُ له، وأحمد (16421). صحَّحه الحاكِمُ على شرطِ مُسلم في ((المستدرك)) (2/221)، وجوَّد إسنادَه ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيهـ)) (2/208)، وجوَّد الحديثَ ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (8/151)، وحسَّنه ابنُ حجر في ((موافقة الخُبْر الخَبَر)) (1/499)، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (2062 )، وصحَّحه بطُرُقِه وشواهِدِه شُعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (26/349).
  3. (3)      ((سبل السلام)) للصنعاني (3/187).
  4. (4)      قال ابنُ رشد: (فإنَّهم أجمعوا على أنَّها ثلاثةُ أنواعٍ: إعتاقُ رَقبةٍ، أو صيامُ شَهرينِ، أو إطعامُ ستِّينَ مِسكينًا، وأنَّها على الترتيبِ). ((بداية المجتهد)) (2/111).
  5. (5)      قال الرملي: (كفَّارةُ الظِّهارِ مُرَتَّبةٌ بالإجماعِ). ((نهاية المحتاج)) (3/204).
  6. (6)      قال الخرشي: (كفَّارةُ الظِّهارِ على الترتيبِ، وهي: إعتاقٌ، ثم صيامٌ، ثمَّ إطعامٌ... وذلك أمرٌ مُجمَعٌ عليهـ). ((شرح مختصر خليل)) (4/111).
  7. (7)      قال الصنعاني: (في الحديثِ مِسائِلُ: الأولى: أنَّه دَلَّ على ما دلَّت عليه الآيةُ مِن ترتيبِ خِصالِ الكفَّارةِ، والترتيبُ إجماعٌ بين العُلَماءِ). ((سبل السلام)) (3/187).