الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: وقوعُ الطَّلاقِ إذا حَصَل في حَيضٍ أو طُهرٍ جامَعَها فيه


يَقَعُ الطَّلاقُ إذا حَصَل في حَيضٍ أو طُهرٍ جامَعَها فيه، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، والحَنابِلةِ ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ [البقرة: 230]
2- وقال تعالى: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ  [البقرة: 229]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ هذا يقتضي عُمومَ الطَّلاقِ، وثُبوتَ حُكمِه في حالِ الطُّهرِ والحَيضِ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رضي اللهُ عنه قال: ((طَلَّقتُ امرأتي وهي حائِضٌ، فذكَرَ ذلك عُمَرُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتغَيَّظَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ قال: مُرْه فلْيُراجِعْها حتى تحيضَ حَيضةً أُخرى مُستَقبَلةً سِوى حَيضتِها التي طَلَّقَها فيها، فإنْ بدا له أن يُطَلِّقَها فلْيُطَلِّقْها طاهِرًا مِن حَيضتِها قبل أن يَمَسَّها، فذلك الطَّلاقُ للعِدَّةِ كما أمَرَ اللهُ. وكان عبدُ اللهِ طَلَّقها تطليقةً واحِدةً، فحُسِبَت مِن طلاقِها، وراجَعَها عبدُ اللهِ كما أمَرَه رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: ((فلْيُراجِعْها)) والرَّجعةُ لا تكونُ إلَّا بعد طلاقٍ؛ فدَلَّ على وقوعِه
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
1- كان عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (إذا سُئِلَ عن ذلك أي: الطَّلاقِ في الحَيضِ، قال لأحدِهم: أمَّا أنت طلَّقْتَ امرأتَك مرةً أو مرَّتينِ، فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أمَرَني بهذا، وإن كنتَ طلَّقْتَها ثلاثًا فقد حَرُمَتْ عليك حتى تنكِحَ زوجًا غيرك، وعَصَيتَ اللهَ فيما أمَرَك مِن طلاقِ امرأتِك)
2- عن أنسِ بنِ سيرينَ قال: ((سَمِعتُ ابنَ عُمَرَ قال: طَلَّق ابنُ عُمَرَ امرأتَه وهي حائِضٌ، فذكَرَ عُمَرُ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: لِيُراجِعْها، قُلتُ: تُحتَسَبُ؟ قال: فَمَهْ؟! وعن قتادةَ عن يُونُسَ بنِ جُبَيرٍ، عن ابنِ عُمَرَ قال: مُرْه فلْيُراجِعْها، قُلتُ: تُحتَسَبُ؟ قال: أرأيتَ إن عَجَزَ واستَحمَقَ !))
3- عن سَعيدِ بنِ جُبيرٍ عن ابنِ عُمَرَ قال: (حُسِبَت عليَّ بتطليقةٍ)
رابعًا: أنَّه مِنَ المُحالِ والجَهلِ أن يَلزَمَ المُطيعَ لِرَبِّه، المتَّبِعَ في طلاقِه سُنَّةَ نَبيِّه: الطَّلاقُ، ولا يُلزَمَ به العاصي إن خالَفَ لِما أُمِرَ بهِ فيه !
خامسًا: أنَّ الطَّلاقَ البِدعيَّ كَونُه مَنهيًّا عنه: لا يمنَعُ وُقوعَه؛ لأنَّ الله تعالى جَعَل الظِّهارَ مُنكَرًا مِنَ القَولِ وزُورًا، وألزَمَه مع ذلك حُكمَ التَّحريمِ

انظر أيضا:

  1. (1)    ويُسَمِّيه الفُقَهاءُ: الطَّلاقَ البِدْعيَّ
  2. (2)    ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/27)، ((الفتاوى الهندية)) (1/349).
  3. (3)    ((الكافي)) لابن عبد البر (2/572)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/104).
  4. (4)    ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 236)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/309).
  5. (5)    ((الإنصاف)) للمرداوي (8/330)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/79).
  6. (6)    قال ابنُ رجب: (قال أبو عُبَيد: الوقوعُ [أي: وقوعُ طلاقِ الحائِضِ] هو الذي عليه العُلَماءُ مُجمِعونَ في جميعِ الأمصارِ: حِجازِهم وتِهامِهم، ويَمَنِهم وشامِهم، وعِراقِهم ومِصرِهم). ((جامع العلوم والحكم)) (1/196). وقال ابنُ المنذر: (ممَّن مَذهَبُه أنَّ الحائِضَ يقَعُ بها الطَّلاقُ: الحَسَنُ البصري، وعطاء بن أبي رباح، وبه قال مالك، والثوري، وأصحاب الرأي، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأبو ثور، وكلُّ مَن نحفَظُ عنه من أهلِ العِلمِ، إلا ناسًا مِن أهلِ البِدَعِ لا يُقتدى بهم). ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (5/187). وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (الطَّلاقُ في الحَيضِ لازِمٌ لِمن أوقَعَه، وإن كان فاعِلُه قد فَعَل ما كُرِهَ له؛ إذ تَرَك وَجهَ الطَّلاقِ وسُنَّتَه... وعلى هذا جماعةُ فُقَهاءِ الأمصارِ وجُمهورُ عُلَماءِ المسلمين، وإن كان الطَّلاقُ عند جميعِهم في الحَيضِ بِدعةً غَيرَ سُنَّةٍ، فهو لازِمٌ عند جميعِهم، ولا مخالِفَ في ذلك إلَّا أهلُ البِدَعِ). ((التمهيد)) (15/58). وقال: (لم يختَلِفْ فُقهاءُ الأمصارِ وأئمَّةُ الهُدى فيمن طَلَّق ثلاثًا في طُهرٍ مَسَّ فيه أو لم يَمَسَّ فيه، أو في حَيضٍ: أنَّه يَلزَمُه طَلاقُهـ). ((الكافي)) (2/572).
  7. (7)    ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/27).
  8. (8)    أخرجه البخاري (4908)، ومسلم (1471) واللفظ له.
  9. (9)    ((فتح الباري)) لابن حجر (9/355).
  10. (10)    أخرجه مسلم (1471).
  11. (11)    أخرجه البخاري (5252) واللفظ له، ومسلم (1471).
  12. (12)    أخرجه البخاري (5253).
  13. (13)    ((الكافي)) لابن عبد البر (2/572).
  14. (14)    ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/62).