الموسوعة الفقهية

المبحثُ الثاني: حُكمُ الطَّلاقِ


يُكرَهُ الطَّلاقُ مِن غيرِ حاجةٍ ، وهو مَذهَبُ الشَّافعيَّةِ ، والحَنابِلةِ ، وقَولٌ للمالِكيَّةِ ، واختيارُ الصَّنعانيِّ ، والشَّوكانيِّ ، وابنِ باز ، وابنِ عثيمين
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن الكتابِ
1- قَولُه تعالى: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [الروم: 21]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الزَّواجَ نِعمةٌ، والأصلُ حِفظُها، وفي الطَّلاقِ بدونِ حاجةٍ كُفرانٌ للنِّعمةِ
2- قَولُه تعالى في الذين يُؤلُونَ مِن نِسائِهم: فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 226، 227]
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه تعالى في الطَّلاقِ: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فيه شيءٌ مِن التَّهديدِ، لكِنْ في الفَيئةِ قال: فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ؛ فدَلَّ هذا على أنَّ الطَّلاقَ غَيرُ محبوبٍ إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ، وأنَّ الأصلَ الكراهةُ
3- قال تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء: 34]
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الآيةِ حَثٌّ على عدَمِ طَلَبِ الفِراقِ إذا كانت الزَّوجةُ طائِعةً
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن ثَوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أيُّما امرأةٍ سألت زَوجَها طَلاقًا في غيرِ ما بأسٍ، فحَرامٌ عليها رائِحةُ الجنَّةِ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الحديثِ دَليلٌ على مَنعِ سُؤالِ المرأةِ طَلاقَها إلَّا لضَرَرٍ
2- عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ المرأةَ خُلِقَت مِن ضِلَعٍ، لن تستقيمَ لك على طريقةٍ، فإن استمتَعْتَ بها استمتَعْتَ بها وبها عِوَجٌ، وإن ذهَبْتَ تُقيمُها كسَرْتَها، وكَسرُها طَلاقُها ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الحديثِ الحَثُّ على الصَّبرِ على عِوَجِ أخلاقِ النِّساءِ وكراهةِ طَلاقِهنَّ بلا سَبَبٍ، وأنَّه لا يطمَعُ باستقامتِها
3- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ  رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ إبليسَ يضَعُ عَرشَه على الماءِ، ثمَّ يَبعَثُ سَراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظَمُهم فتنةً؛ يجيءُ أحَدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وكذا، فيقولُ: ما صنَعْتَ شَيئًا! قال: ثمَّ يجيءُ أحَدُهم فيقولُ: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأتِه. قال: فيُدنيه منه، ويقولُ: نِعْمَ أنت! ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الحديثِ أنَّ الطَّلاقَ طاعةٌ للشَّيطانِ
ثالثًا: لأنَّ فيه قَطعَ النِّكاحِ الذي تعلَّقَت به المصالِحُ الدِّينيَّةُ والدُّنيويَّةُ
رابعًا: لِمَا يترتَّبُ عليه من تشَتُّتِ الأسرةِ، وضياعِ المرأةِ والأولادِ

انظر أيضا:

  1. (1)    ذهب بعضُ الحَنفيَّةِ إلى أنَّ الأصلَ فيه الحَظرُ؛ قال ابنُ عابدين: (أمَّا الطَّلاقُ فإنَّ الأصلَ فيه الحظرُ، بمعنى: أنَّه محظورٌ إلَّا لعارضٍ يُبيحُه، وهو معنى قولِهم: الأصلُ فيه الحَظرُ، والإباحةُ للحاجةِ إلى الخلاصِ، فإذا كان بلا سَبَبٍ أصلًا، لم يكن فيه حاجةٌ إلى الخلاصِ، بل يكون حُمقًا وسفاهةَ رأيٍ ومجرَّدَ كُفرانِ النِّعمةِ، وإخلاصَ الإيذاءِ بها وبأهلِها وأولادِها؛ ولهذا قالوا: إنَّ سَبَبَه الحاجةُ إلى الخلاصِ عند تبايُنِ الأخلاقِ وعُروضِ البغضاءِ الموجبةِ عدَمَ إقامةِ حدودِ الله تعالى؛ فليست الحاجةُ مختصَّةً بالكِبرِ والرِّيبةِ كما قيل، بل هي أعمُّ كما اختاره في الفتح؛ فحيث تجرَّد عن الحاجةِ المبيحةِ له شرعًا يبقى على أصلِه مِن الحظرِ). ((حاشية ابن عابدين)) (3/228). وقال ابنُ تيميَّةَ: (الأصلُ في الطلاقِ الحَظرُ، وإنما أبيحَ منه قَدرُ الحاجةِ). ((مجموع الفتاوى)) (33/81). وتعتريه بقيَّةُ الأحكامِ الخمسةِ: الإباحةُ، والاستحبابُ، والوجوبُ،  والتحريمُ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (10/62)، ((فتح الباري)) لابن حجر (9/346).  وممَّا يُؤسَف له اليومَ: ما نراه مِن كثْرة وقوع الطلاق، وبخاصَّةٍ بيْن الشباب؛ نظرًا لعدم التفاهُم بين الزوجينِ، وبيئةِ التنشئةِ غير المستقرَّة، والنقصِ الكبير في مفاهيمِ واجباتِ الزوج والزوجة، ولأنَّ معظمَ هذه الزِّيجات الحديثة يفتقرُ إلى التوافقِ، وإلى النظرةِ الواقعية إلى الزواج والشُّعور بالمسؤوليَّة. ومن أسباب كثرةِ الطلاقِ في وقتنا الحاضر: مداومةُ النَّظر إلى المُحرَّماتِ في الفضائيَّات، والإنترنت، والجوَّالات، وغيرِها.
  2. (2)    ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/307)، ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (8/76).
  3. (3)    ((الإنصاف)) للمرداوي (8/317)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/232).
  4. (4)    ((المختصر الفقهي)) لابن عرفة (4/89)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/268)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/535)، ((أسهل المدارك)) للكشناوي (2/137).
  5. (5)    قال الصنعاني: (المكروهُ الواقِعُ بغيرِ سَبَبٍ مع استقامةِ الحالِ). ((سبل السلام)) (2/248).
  6. (6)    قال الشوكاني: (أمَّا جوازُ الطَّلاقِ فبِنَصِّ الكتاب العزيز، ومتواتِرِ السُّنَّةِ المطَهَّرةِ، وإجماعِ المسلمين، وهو قطعيٌّ مِن قطعيَّاتِ الشَّريعةِ، ولكِنَّه يُكرَهُ مع عدمِ الحاجةِ). ((الدراري المضية)) (2/221).
  7. (7)    قال ابن باز: (يُكرَهُ الطلاقُ إذا كان من غير حاجةٍ، وبلا أسبابٍ ، فيُكرَهُ). ((الإفهام في شرح عمدة الأحكام)) (ص: 637).
  8. (8)    قال ابن عثيمين: (الأصلُ في الطَّلاقِ الكراهةُ، ولكِنَّه قد يُستحَبُّ، وقد يجِبُ، وقد يَحرُمُ، وقد يُباحُ، فتَجري فيه الأحكامُ الخمسةُ، لكِنَّ الأصلَ فيه الكراهةُ). ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)) (15/214).
  9. (9)    ((المبسوط)) للسرخسي (6/2).
  10. (10)    ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/8).
  11. (11)    ((حاشية ابن عابدين)) (3/228).
  12. (12)    أخرجه أبو داود (2226) واللفظ له، والترمذي (1187)، وابن ماجه (2055)، وأحمد (22379). حسَّنه الترمذي، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2226)، وصحَّح إسنادَه على شرط مسلم شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (4184).
  13. (13)    ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (4/99).
  14. (14)    أخرجه البخاري (5184)، ومسلم (1468) واللَّفظُ له.
  15. (15)    ((شرح النووي على مسلم)) (10/57).
  16. (16)    أخرجه مسلم (2813).
  17. (17)    ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/280).
  18. (18)    ))حاشية ابن عابدين)) (3/228).
  19. (19)    ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/10). ويُنظر: ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (8/234).