الموسوعة الفقهية

المطلب الرابع: مسُّ الدُّبُر


اختلف أهلُ العِلمِ في نَقضِ الوُضوءِ بمسِّ الدُّبُرِ على قولين:
القول الأوّل: أنَّ مسَّ الدُّبُرِ يَنقُضُ الوضوءَ؛ وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة ، والحنابلة ، وبه قالت طائفةٌ مِن السَّلَف ، واختاره الشوكانيُّ , وابنُ باز
الدليل مِن السُّنَّةِ:
عن عبد الله بن عمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أيُّما رجلٍ مسَّ فَرجَه فلْيَتوضَّأ، وأيُّما امرأةٍ مسَّت فرجَها فلْتتوضَّأْ ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ الدُّبُر فرْجٌ؛ لأنَّه منفرِجٌ عن الجَوفِ
القول الثاني: أنَّ مسَّ الدُّبُر لا يَنقُضُ الوضوءَ؛ وهو مذهَبُ الحنفيَّة ، والمالكيَّة ، والظَّاهريَّة ، وروايةٌ عند الحنابلة ، وبه قالت طائفةٌ مِن السَّلَف
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن طَلْقِ بن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((خرجْنا وفدًا حتى قدِمْنا على رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبايعْناه وصلَّينا معه، فلمَّا قضى الصَّلاةَ، جاء رجلٌ كأنَّه بدويٌّ، فقال: يا رسولَ الله ما ترى في رجُلٍ مسَّ ذَكَره في الصَّلاةِ؟ قال: وهل هو إلَّا مُضغةٌ منك، أو بَضعةٌ منك؟! ))
وجه الدَّلالة:
 أنَّ الذَّكرَ كما أنَّه بَضعةٌ مِن الإنسانِ، فكذلك الدُّبُر؛ فلا يُنقَضُ الوضوءُ بلمسِه.
ثانيًا: أنَّ النُّصوصَ جاءت في إيجابِ الوُضوءِ مِن مسِّ الذَّكَرِ، لا مِن مسِّ الدُّبُر، والأصلُ بقاءُ الطَّهارةِ، وعدم النَّقض، فلا نخرُج عن هذا الأصلِ إلَّا بدليلٍ مُتيقَّن

انظر أيضا:

  1. (1) ((المجموع)) للنووي (2/43)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/197).
  2. (2) ((الإنصاف)) للمرداوي (1/155)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/134).
  3. (3) قال ابن عبدِ البَرِّ: (وقال الشافعيُّ: مَن مسَّ دُبُرَه، فعليه الوضوءُ؛ لأنَّه فرْجٌ، وهو قولُ عَطاءٍ، والزهريِّ، وميمون بن مهران، والرِّجالُ والنِّساءُ في ذلك عنده سواء). ((الاستذكار)) (1/249).
  4. (4) قال الشوكانيُّ: (لفظ: (مَن) يَشمل الذَّكرَ والأنثى. ولفظ: (الفرْج) يشمل القُبُل والدُّبُر من الرَّجلِ والمرأة، وبه يُردُّ مَذهب مَن خصَّص ذلك بالرِّجالِ، وهو مالك). ((نيل الأوطار)) (1/199).
  5. (5) قال ابن باز: (إذا مسَّ الإنسانُ فرْجَه مباشرةً، يعني: مسَّ اللَّحمُ اللَّحمَ؛ مسَّ الفَرْجَ الذَّكَرَ أو الدُّبُرَ، انتقَضَ الوضوءُ، وهكذا المرأةُ إذا مسَّت فرْجَها). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر)) (5/207).
  6. (6) رواه الإمام أحمد (7076)، وابن الجارود (19)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (454)، والدارقطني (1/147)، والبيهقي (652). قال البخاريُّ كما في ((علل الترمذي)) (ص: 49): (حديثُ عبد الله بن عمرو في مسِّ الذَّكَر، هو عندي صحيحٌ). وقوى إسناده الذهبي في ((تنقيح التحقيق)) (1/60)، وصحَّحه ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) 2/477، وحَّسنه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/400)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2725).
  7. (7) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/293)، وينظر: ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/249).
  8. (8) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/45)، وينظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/35).
  9. (9) ((حاشية الدسوقي)) (1/123)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/224).
  10. (10) قال ابن حزم: (أمَّا إيجابُ الشافعيِّ الوضوءَ من مسِّ الدُّبُر، فهو خطأٌ؛ لأنَّ الدُّبَر لا يُسمَّى فرجًا، فإن قال: قِستُه على الذَّكرِ، قيل له: القياسُ عند القائلين به لا يكون إلَّا على عِلَّة جامعةٍ بين الحُكمين، ولا عِلَّةَ جامعة بين مسِّ الذَّكر ومسِّ الدُّبُر، فإن قال: كلاهما مَخرَجٌ للنَّجاسة، قيل له: ليس كونُ الذَّكر مَخرجًا للنَّجاسةِ هو عِلَّة انتقاضِ الوُضوءِ من مسِّه، ومِن قوله: إنَّ مسَّ النجاسةِ لا ينقُضُ الوضوءَ؛ فكيف مسُّ مخرَجِها؟!). ((المحلى)) (1/223).
  11. (11) ((المغني)) لابن قدامة (1/134)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/209).
  12. (12) قال ابنُ المُنذِر: (هذا قَولُ مالك، والثوريِّ، وأصحاب الرأي، وهو قول قتادة). ((الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف)) (1/317).
  13. (13) رواه أبو داود (182)، والنَّسائي (165)، وأحمد (4/23) (16338)، وابن حبان (3/403) (1120). قال ابنُ المديني كما في ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (1/76): أحسن من حديث بُسْرَة، وصحَّحه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/76)، وابن حزم في ((المحلى)) (1/238)، وحسَّنه ابن القطَّان في ((بيان الوهم والإيهام)) (4/144)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (1/306): صحيح أو حسن، وقال محمد ابن عبدالهادي في ((تعليقة على العلل)) (83): حسن أو صحيح، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (165).
  14. (14) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/281).