الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّاني: من الكَفاءةُ في النِّكاحِ: الكَفاءةُ في النَّسَبِ


لا تُشتَرَطُ الكَفاءةُ في النَّسَبِ، وهذا مذهَبُ المالِكيَّةِ ، وهو قَولُ الكَرخيِّ مِن الحَنَفيَّةِ ، وقَولُ طائفةٍ مِن السَّلَفِ ، واختيارُ ابنِ تيميةَ ، وابنِ القَيِّمِ ، والشَّوكانيِّ ، وابنِ باز ، وابنِ عثيمينَ ، وبه أفتت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13]
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الآيةِ دَلالةٌ على أنَّ التَّفاضُلَ بين النَّاسِ بالتقوى، وهي مِنَ الدِّينِ؛ فدَلَّ على أنَّ الكَفاءةَ في الدِّينِ لا في النَّسَبِ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن فاطِمةَ بنتِ قَيسٍ رضي الله عنها ((أنَّ أبا عَمرِو بنَ حَفصٍ طلَّقَها البتَّةَ وهو غائِبٌ -وفي روايةٍ: طلَّقَها ثلاثًا- فأرسل إليها وكيلَه بشَعيرٍ، فسَخِطَتْه. فقال: واللهِ ما لك علينا مِن شَيءٍ. فجاءت رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذكَرَت ذلك له، فقال: ليس لكِ عليه نفَقةٌ -وفي لفظٍ: ولا سُكنى- فأمرها أن تعتَدَّ في بيتِ أمِّ شَريكٍ، ثمَّ قال: تلك امرأةٌ يغشاها أصحابي، اعتَدِّي عندَ ابنِ أمِّ مَكتومٍ؛ فإنَّه رجلٌ أعمى، تَضَعين ثيابَكِ، فإذا حَلَلْتِ فآذِنيني. قالت: فلمَّا حَلَلْتُ ذكَرْتُ له أنَّ مُعاويةَ بنَ أبي سُفَيانَ وأبا جَهمٍ خَطَباني، فقال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَّا أبو جهمٍ فلا يضَعُ عَصاه عن عاتِقِه، وأمَّا معاويةُ فصُعلوكٌ لا مالَ له، انكِحي أُسامةَ بنَ زَيدٍ، فكَرِهتُه، ثمَّ قال: انكِحي أُسامةَ بنَ زَيدٍ، فنَكَحتُه، فجعَلَ اللهُ فيه خيرًا واغتبَطْتُ به ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((انكِحي أُسامةَ بنَ زيدٍ)) دليلٌ على عدَمِ اعتبارِ الكَفاءةِ في النَّسَبِ، وإنَّما اعتُبِرَ الدِّينُ أصلًا وكمالًا
2- عن عائشةَ: ((أنَّ أبا حُذَيفةَ بنَ عُتبةَ بنِ رَبيعةَ بنِ عَبدِ شَمسٍ القُرَشيَّ -وكان ممَّن شَهِدَ بَدرًا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- تبنَّى سالِمًا وأنكَحَه بِنتَ أخيه هِندَ بنتَ الوليدِ بنِ عُتبةَ بنِ رَبيعةَ، وهو مولًى، لامرأةٍ مِن الأنصارِ ))
ثالثًا: لأنَّه لم يَرِدْ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَصٌّ صَحيحٌ صَريحٌ في اشتراطِ الكفاءةِ في النَّسَبِ

انظر أيضا:

  1. (1)      عند المالكيَّةِ تُندَبُ الكَفاءةُ في النَّسَبِ. ((الشرح الكبير)) للدردير (2/249)، ((منح الجليل)) لعليش (3/323).
  2. (2)      قال السرخسي: (يُحكَى عن الكَرخيِّ -رحمه الله تعالى- أنَّه كان يقولُ: الأصَحُّ عندي ألَّا تُعتبَرَ الكفاءةُ في النِّكاحِ أصلًا؛ لأنَّ الكفاءةَ غَيرُ مُعتَبَرةٍ فيما هو أهَمُّ من النِّكاحِ، وهو الدِّماءُ). ((المبسوط)) (5/40). وقال ابن عبد البر: (كان أبو الحسَنِ الكرخي من بين أصحابِ أبي حنيفة يخالِفُ أصحابَه في الكفاءةِ ويقولُ: الكفاءةُ في الأنفُسِ كالقِصاصِ). ((التمهيد)) (19/163).
  3. (3)      قال ابن حجر: (جزم بأنَّ اعتبارَ الكفاءةِ مختَصٌّ بالدِّينِ: مالِكٌ، ونُقِلَ عن ابن عمر، وابن مسعود، ومن التابعين عن محمد بن سيرين، وعمر بن عبد العزيز). ((فتح الباري)) (9/132). وقال الكاساني: (هو قَولُ مالك، وسفيان الثوري، والحسن البصري). ((بدائع الصنائع)) (2/317).
  4. (4)      قال ابن تيمية: (ليس عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نصٌّ صَحيحٌ صَريحٌ في هذه الأمورِ، بل قد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّ الله أذهَبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليَّةِ وفَخرَها بالآباءِ، النَّاسُ رجلانِ: مُؤمِنٌ تَقيٌّ، وفاجِرٌ شَقيٌّ»، وفي صحيح مسلم عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه قال: «أربَعٌ في أمَّتي من أمرِ الجاهليَّةِ لا يتركونَهنَّ: الفَخرُ بالأحسابِ، والطَّعنُ في الأنسابِ، والنياحةُ، والاستِسقاءُ بالنُّجومِ»). ((مجموع الفتاوى)) (19/29).
  5. (5)      قال ابنُ القيِّم: (فالذي يقتضيه حُكمُه صلى الله عليه وسلَّم اعتبارُ الدِّينِ في الكفاءةِ أصلًا وكمالًا، فلا تُزَوَّجُ مُسلِمةٌ بكافرٍ، ولا عفيفةٌ بفاجرٍ، ولم يَعتبرِ القرآنُ والسُّنَّةُ في الكفاءةِ أمرًا وراء ذلك؛ فإنَّه حَرَّم على المسلمةِ نِكاحَ الزَّاني الخبيثِ، ولم يعتبرْ نَسَبًا ولا صناعةً، ولا غِنًى ولا حريَّةً). ((زاد المعاد)) (5/145).
  6. (6)      قال الشوكاني: (المعتبَرُ هو الكفاءةُ في الدِّينِ والخُلُقِ لا في النَّسَبِ). ((السيل الجرار)) (ص: 377).
  7. (7)      قال ابن باز: (أهلُ السُّنَّةِ يُفضِّلونَ العرَبَ مِن جهةِ النَّسَبِ على غيرهم، والعُمدةُ على التقوى، والصَّحيحُ عَدَمُ اشتراطِ الكفاءةِ). ((الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري)) (3/68).
  8. (8)      قال ابن عثيمين: (النَّسَبُ ليس شرطًا في صحَّةِ النِّكاحِ، وعلى هذا فيجوزُ أن نزوِّجَ امرأةً قبيليَّةً من إنسانٍ غيرِ قبيليٍّ). ((الشرح الممتع)) (12/101).
  9. (9)      جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (الصحيحُ: أنَّ المعتبَرَ في النِّكاح الكفاءةُ في الدِّينِ لا في النَّسَبِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (18/186).
  10. (10)      ((تفسير ابن كثير)) (7/363).
  11. (11)      رواه مسلم (1480).
  12. (12)      ((رياض الأفهام)) للفاكهاني (4/701)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/145).
  13. (13)      أخرجه البخاري (4000).
  14. (14)      ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (19/28).