الموسوعة الفقهية

الفرع الثَّاني: حكم الخَمرِ المُتَّخَذةِ مِن غَيرِ العِنَبِ


يَحرُمُ شُربُ الخَمرِ المُتَّخَذةِ مِن غير العِنَبِ [22] كالتَّمرِ أو الحِنطةِ أو الشَّعيرِ، أو غيرها.   ؛ قَليلِها وكثيرِها، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [23] ((حاشية ابن عابدين)) (6/455).   ، والمالِكيَّةِ [24] ((الكافي)) لابن عبد البر (1/442)، ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد (1/442)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/288).   ، والشَّافِعيَّةِ [25] ((روضة الطالبين)) للنووي (10/168)، ويُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (3/370)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/158).   ، والحَنابِلةِ [26] ((الفروع)) لابن مفلح (10 /96)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/116).   ، والظَّاهِريَّةِ [27] قال ابن عبد البر: (وهو مذهَبُ أهلِ الحِجازِ مِن الصحابةِ والتَّابعينَ، وذهب إليه مِنَ الفُقهاءِ أئمَّةِ الفتوى بالأمصارِ... أبو ثور وإسحاق وداود). ((الاستذكار)) (8/21).    وقال ابنُ حزم: (كلُّ شيءٍ أسكر كثيرُه أحدًا من النَّاسِ، فالنقطةُ منه فما فوقَها إلى أكثَرِ المقاديرِ: خَمرٌ حرامٌ مِلكُه، وبَيعُه، وشُربُه، واستعمالُه على أحدٍ؛ وعصيرُ العِنَبِ ونَبيذُ التِّينِ، وشَرابُ القَمحِ والسيكرانِ، وعَصيرُ كُلِّ ما سواها ونقيعُه، وشَرابُه- طُبِخَ كلُّ ذلك أو لم يطبخ، ذهب أكثَرُه أو أقَلُّه- سواءٌ في كُلِّ ما ذكَرْنا، ولا فَرْقَ). ((المحلى)) (6/176).   ، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ [28] قال ابن عبد البر: (وهو قول جماعةٍ من أهل الحِجاز والشام). ((الكافي)) (1/442). وقال ابن حجر: (وقال أهلُ المدينة وسائِرُ الحجازيِّين وأهلُ الحديثِ كُلُّهم: كلُّ مُسكرٍ خَمرٌ، وحُكمُه حُكمُ ما اتُّخِذَ من العِنَبِ). ((فتح الباري)) (10/48). وقال أيضًا: (وقد نقل ابنُ المُنذِرِ عن الشافعيِّ ما يوافِقُ ما نقلوا عن المُزَني، فقال: قال: إنَّ الخَمرَ مِن العِنَبِ ومِن غَيرِ العِنَبِ: عُمَرُ، وعلي، وسعيد، وابنُ عمر، وأبو موسى، وأبو هريرة، وابن عبَّاس، وعائشةُ؛ ومن التابعين: سعيدُ بنُ المُسَيب، وعُروةُ، والحسن، وسعيدُ بن جُبَير، وآخرون، وهو قَولُ مالكٍ، والأوزاعيِّ، والثوريِّ، وابنِ المبارك). ((فتح الباري)) (10/49).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكتاب
قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 90]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كُلُّ مُسكِرٍ خَمرٌ، وكُلُّ خَمرٍ حَرامٌ )) [29] أخرجه مسلم (2003).  
وَجهُ الدَّلالةِ من الآيةِ والحَديثِ:
أنَّ لَفظَ الخَمرِ عامٌّ في كُلِّ مُسكِرٍ؛ فإخراجُ بَعضِ الأشرِبةِ المُسكِرةِ عن شُمولِ اسمِ الخَمرِ لها: تَقصيرٌ به وهَضمٌ لعُمومِه [30] ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/168).  
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعتُ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه على مِنبَرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يقولُ: (أمَّا بَعدُ، أيُّها النَّاسُ، إنَّه نزل تحريمُ الخَمرِ، وهي مِن خَمسةٍ: مِنَ العِنَبِ والتَّمرِ، والعَسَلِ والحِنطةِ والشَّعيرِ، والخَمرُ ما خامرَ العَقلَ ) [31] أخرجه البخاري (4619)، ومسلم (3032).  
وجهُ الدَّلالةِ:
قولُه: (والخَمرُ ما خامر العَقلَ) يريدُ أنَّه ليس بمقصورٍ على هذه الخَمسةِ التي كانت، وأنَّ العِلَّةَ النَّشوةُ وما خامَرَ العَقلَ [32] ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (8/196).  
رابعًا: أنَّ الصَّحابةَ لَمَّا نزل تحريمُ الخَمرِ فَهِموا من الأمرِ باجتنابِ الخَمرِ تحريمَ كُلِّ مُسكِرٍ، ولم يفَرِّقوا بين ما يُتَّخَذُ مِن العنَبِ وبين ما يتَّخَذُ من غيرِه، بل سَوَّوا بينهما، وحَرَّموا كُلَّ ما يُسكِرُ نَوعُه، ولم يتوقَّفوا ولا استفصَلوا، ولم يُشكِلْ عليهم شيءٌ من ذلك، بل بادروا إلى إتلافِ ما كان مِن غيرِ عَصيرِ العِنَبِ، وهم أهلُ اللِّسانِ، وبِلُغَتِهم نزل القرآنُ، فلو كان عندَهم فيه ترَدُّدٌ لتوقَّفوا عن الإراقةِ حتى يستكشِفوا ويَستَفصِلوا ويتحَقَّقوا التحريمَ؛ لِما كان تقَرَّر عندهم من النَّهيِ عن إضاعةِ المالِ، فلَمَّا لم يفعَلوا ذلك وبادروا إلى الإتلافِ، عَلِمْنا أنَّهم فَهِموا التحريمَ نَصًّا [33] ((فتح الباري)) لابن حجر (10/49).  
خامسًا: أنَّها سُمِّيَت خَمرًا لِمُخامرتِها العَقلَ، فكُلُّ شرابٍ يُسكِرُ فهو خَمرٌ [34] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/44).  
سادسًا: أنَّ العَرَب إنَّما سمَّتِ الخَمرَ بهذا الاسمِ؛ لوجودِ الإسكارِ والشِّدَّةِ المُطْرِبةِ، فوجب إجراءُ العِلَّةِ حيثُ وُجِدَت، وعَلِمْنا أنَّها علَّةٌ بالطريقِ الذي به نعلَمُ العِلَلَ، وهو وجودُ الحُكمِ بوجودِها، وارتفاعُه بارتفاعِها [35] ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب المالكي (2/926).  

انظر أيضا: