الموسوعة الفقهية

الفرع الأول: حَلقُ شَعرِ الرَّأسِ كُلِّه


المسألة الأولى: حَلقُ الرَّأسِ للرَّجُلِ
يجوزُ للرَّجُلِ حَلقُ جَميعِ الرَّأسِ [527] ويجوزُ للرَّجُلِ إطالةُ شَعرِه، قال ابن العربي: (يجوزُ أن يَتَّخِذَ جُمَّةً- وهي ما أحاط بمَنابتِ الشَّعرِ- ووَفْرةً- وهو ما زاد على ذلك، حتى يبلُغَ شَحمةَ الأُذُنَينِ- ويجوزُ أن يكونَ أطوَلَ مِن ذلك). ((المسالك في شرح موطأ مالك)) (7/479). وقال ابنُ عُثيمين: (إطالةُ شَعرِ الرَّأسِ لا بأسَ به؛ فقد كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم له شَعرٌ يَقرُبُ أحيانًا إلى مَنكِبَيه، فهو على الأصلِ لا بأسَ به، ولكِنْ مع ذلك هو خاضِعٌ للعاداتِ والعُرفِ، فإذا جرى العُرفُ واستقَرَّت العادةُ بأنَّه لا يَستعمِلُ هذا الشَّيءَ إلَّا طائِفةٌ مُعَيَّنةٌ نازِلةٌ في عاداتِ النَّاسِ وأعرافِهم، فلا ينبغي لذوي المروءةِ أن يَستعمِلوا إطالةَ الشَّعرِ؛ حيثُ إنَّه لدى النَّاسِ وعاداتِهم وأعرافِهم لا يكونُ إلَّا مِن ذوي المَنزلةِ السَّافلةِ). ((فتاوى نور على الدرب)) (11/30). وللأسَف هذا حالُ بعض الشَّباب اليوم فهم يُطِيلون شعورهم تقلِيدا وتشبُّها بالكفَرة أو الفَسَقة مع أنَّه ليس من عاداتِهم وأعرافِهم، وهذا لا يجوز. ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة [528] ((الفتاوى الهندية)) (5/357)، ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص: 342). ، والشَّافعيَّة [529] ((روضة الطالبين)) للنووي (3/234)، ((المجموع)) للنووي (1/295)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/297). ، والحَنابِلة [530] ((الإنصاف)) للمَرداوي (1/97)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (1/79). ، وقولٌ للمالِكيَّة [531] ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (1/114)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/444)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/265).
الأدِلَّةُ مِن السُّنَّةِ:
1- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأى صَبيًّا قد حلَقَ بَعضَ شَعرِه وتَرَك بَعضَه، فنهاهم عن ذلك وقال: احلِقُوه كُلَّه، أو اترُكوه كُلَّه )) [532] أخرجه أبو داود (4195) واللَّفظُ له، والنَّسائي (5048)، وأحمد (5615)، وابنُ حِبَّان في ((صحيحه)) (5508). صَحَّح إسنادَه على شرط الشيخين النووي في ((رياض الصالحين)) (528)، وصَحَّح إسنادَه ابن تَيميَّةَ في ((شرح العمدة- الطهارة)) (1/231)، ومحمد ابن عبدالهادي في ((المحرر)) (44) وقال: ورواته كلُّهم أئمَّةٌ ثِقاتٌ، وابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/32)، وذكر ابن حَجَر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (4/232) أنَّ إسناده أخرجه مُسْلِم، وصَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4195).
وَجهُ الدَّلالةِ:
قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((احلِقُوه كُلَّه، أو اترُكوه كُلَّه)) دليلٌ ظاهِرٌ على إباحةِ الفِعلينِ [533] ((المجموع)) للنووي (1/295).
2- عن نافعٍ عن ابنِ عُمَرَ رضِي الله عنهما: ((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن القَزَع)) قال: قلتُ لنافعٍ: وما القَزَعُ؟ قال: يُحلَقُ بعضُ رأسِ الصبيِّ، ويُتركُ بعضٌ [534] رواه البُخاريُّ (5920)، ومُسْلِم (2120) واللَّفظُ له.
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لَمَّا نهى عن القَزَعِ: وهو حَلقُ البَعضِ، دَلَّ ذلك على جوازِ حَلقِ الجَميعِ [535] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/119).
3- عن عبدِ اللهِ بنِ جَعفرٍ رضي الله عنه، قال: ((أمهَلَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم آلَ جعفرٍ ثلاثةً أن يأتيَهم، ثمَّ أتاهم فقال: لا تَبكُوا على أخي بعدَ اليَوم. ثمَّ قال: ادعُوا إليَّ بَني أخي، فجيءَ بنا كأنَّا أفرُخٌ، فقال: ادعُوا إليَّ الحَلَّاقَ، فأمَرَ بحَلقِ رُؤوسِنا )) [536] أخرجه أبو داود (4192) باختلاف يسير، والنَّسائي (5227) واللَّفظُ له، وأحمد (1750) مطولًا. صَحَّحه النووي في ((المجموع)) (1/296)، والذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (5/430)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (6/159): رجاله رجال الصحيح، وصَحَّح إسنادَه ابن حَجَر في ((الإصابة)) (3/44)، وأحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (3/192)، وصَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النَّسائي)) (5227)، والوادعي في ((صحيح دلائل النبوة)) (560) وقال: على شرط مُسْلِم.
المسألة الثانية: حَلقُ الرَّأسِ للمَرأةِ
يَحرُمُ على المرأةِ حَلقُ رأسِها، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة [537] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/39)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (4/273). ، والمالِكيَّة [538] ((منح الجليل شرح مختصر خليل)) لعليش (1/507)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخَرَشي (2/335). ، ووجهٌ عند الحَنابِلةِ [539] ((الفروع)) لابن مُفلِح (1/155)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (1/97). ، وهو قَولُ الحسَنِ البَصريِّ [540] قال ابن عَبدِ البَرِّ: (وقال الحسَنُ: حَلقُ رأسِها مُثْلةٌ). ((الاستذكار)) (4/317). ، وابنِ حَزمٍ [541] قال ابن حزم: (لا يحِلُّ للمرأةِ أن تحلِقَ رأسَها إلَّا من ضرورة). ((المحلى بالآثار)) (9/229). ، واختيارُ ابنِ حَجَر [542] قال ابن حَجَر: (يَحرُمُ عليها حَلقُ شَعرِ رأسِها بغير ضرورة). ((فتح الباري)) (10/375). ، والشِّنْقيطي [543] قال الشِّنْقيطي: ( فالحديثُ يشمَلُ عُمومُه الحَلقَ بالنسبة للمُحرِمةِ بلا شَكٍّ، وإذا لم يُبَحْ لها حَلْقُه في حالِ النُّسُكِ، فغيرُه من الأحوالِ أولى). ((أضواء البيان)) (5/189). ، وابنِ باز [544] قال ابن باز: (المنهيُّ عنه الحَلقُ، فليس لكِ أن تحلقي شعرَ رأسِك). وقال: (أمَّا حَلقُه بالكليَّةِ فلا يجوزُ إلَّا مِن عِلَّةٍ ومَرَضٍ، وبالله التوفيق). ((فتاوى المرأة المُسْلِمة)) (2/515). ، وبه أفتَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [545] جاء في فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة: (لا يجوزُ للمرأةِ أن تحلِقَ إلَّا مِن ضرورةٍ). ((فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة – المجموعة الأولى)) (5/196).
الأدِلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ليسَ على النِّساءِ حَلقٌ، إنَّما على النِّساءِ التَّقصيرُ )) [546] أخرجه أبو داود (1985)، والدارمي (1905)، والطبراني (12/250) (13018). حَسَّن إسنادَه النووي في ((المجموع)) (8/197)، وابن حَجَر في ((التلخيص الحبير)) (3/894)، وصَحَّح إسنادَه ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/341)، وصحَّح الحديثَ الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (1985)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (700).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه إذا لم يُبِحِ الشَّارِعُ لها حَلْقَه في حالِ النُّسُكِ، فغَيرُه من الأحوالِ أولى [547] ((أضواء البيان)) للشِّنْقيطي (5/189).
2- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((لعَن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المُتَشَبِّهينَ مِن الرِّجالِ بالنِّساءِ، والمُتَشَبِّهاتِ مِن النِّساءِ بالرِّجالِ )) [548] أخرَجَه البُخاريُّ (5885).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الحالِقةَ رأسَها مُتشَبِّهةٌ بالرِّجالِ؛ لأنَّ الحَلقَ مِن صِفاتِهم الخاصَّةِ بهم دونَ الإناثِ عادةً [549] ((أضواء البيان)) للشِّنْقيطي (5/189).
ثانيًا: لأنَّ الحَلقَ مُثلةٌ بالمرأةِ، فمُنِعَت منه [550] ((تبيين الحقائق للزيلعي مع حاشية الشلبي)) (2/39).

انظر أيضا: