الموسوعة الفقهية

الفصل الثَّالث: الحَلقُ والتَّقصيرُ


المبحث الأوَّل: حُكْمُ الحَلْقِ والتقصيرِ:
حَلْقُ شَعْرِ الرَّأسِ أو تقصيرُه واجبٌ من واجباتِ الحجِّ والعُمْرةِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/468)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/140). ، والمالِكيَّة ((حاشية العدوي)) (1/683)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/819). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/521)، ويُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/396).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قَولُه تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ الحَلْقَ والتقصيرَ وصفًا للحَجِّ والعُمْرةِ، والقاعدةُ أنَّه إذا عَبَّرَ بجزءٍ مِنَ العبادةِ عن العبادةِ، كان دليلًا على وجوبِه فيها ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/396).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَرَجَ معتَمِرًا، فحالَ كفَّارُ قريشٍ بينه وبين البيتِ، فنحَرَ هَدْيَه وحَلَقَ رَأسَه بالحُدَيبِيَةِ )) رواه البخاري (4252).
2- عن عبدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حلَقَ رأسَه في حَجَّةِ الوداع )) رواه البخاري (4410)، ومسلم (1304). ، وقد قال عليه الصَّلاة والسلامُ: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم )) رواه مسلم (1297) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. ، مع كونِ فِعْلِه وقعَ بيانًا لمُجمَلِ الكتابِ.
المبحث الثَّاني: إجزاءُ التَّقصيرِ عن الحَلْقِ
يُجْزِئُ التقصيرُ عن الحَلْقِ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
ظاهِرُ قَولِه تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اللهُمَّ ارحَمِ المُحَلِّقينَ، قال في الرَّابعةِ: والمُقَصِّرينَ )) رواه البخاري (1727)، ومسلم (1301).
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك لكن يتعيَّنُ الحلقُ في عدة مواضِعَ لدى بعض المالكية: منها أن يكون الشَّعْرُ قصيرًا جدًّا، أو يكون الرَّجُلُ قد لبَّدَ رأسَه، انظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/181). ، ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (وقد أجمع أهل العلم على أنَّ التقصيرَ يُجْزِئ) ((الإشراف)) (3/355). ، والنوويُّ قال النووي: (الحلقُ والتقصيرُ ثابتان بالكتاب والسنَّة والإجماع، وكلُّ واحدٍ منهما يُجْزِئ بالإجماعِ) ((المجموع)) (8/199). وابنُ حجرٍ قال ابنُ حجر: (في حديث البابِ مِنَ الفوائد أنَّ التقصيرَ يُجْزِئ عن الحَلْقِ، وهو مُجمَعٌ عليه) ((فتح الباري)) (3/564).
المبحث الثَّالث: القَدْرُ الواجِبُ حَلقُه أو تقصيرُه
الواجِبُ حَلْقُ جميعِ الرَّأسِ الحَلْقُ يكونُ بالموسى، ولا يكونُ بالماكينةِ، حتَّى ولو كانت على أدنى درجةٍ؛ فإنَّ ذلك لا يُعتَبَر حَلقًا، وإنَّما يكون تقصيرًا. ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/328). ، أو تقصيرُه كُلِّه، وهذا مذهَبُ المالِكيَّة ((حاشية العدوي)) (1/683،689). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/29)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/502). ، واختارَه ابنُ باز قال ابنُ باز: (ولا يكفي أخذُ بعضِ الرأس، بل لا بدَّ من تقصيرِه كلِّه، كالحلق) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/147). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (الصوابُ ما ذكره المؤلِّف، وهو أنَّه لا بد أن يُقَصِّرَ مِن جميعِ شَعْرِه) ((الشرح الممتع)) (7/328-329).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
عمومُ قَولِه تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنه عامٌّ في جميعِ شَعْرِ الرَّأسِ، فالرَّأسُ اسمٌ لجميعِه ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/141)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/355).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حلَقَ رأسَه في حجَّةِ الوداع رواه البخاري (4410) ومسلم (1304).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حلَقَ جميعَ رأسِه؛ تفسيرًا لمُطلَقِ الأمرِ به، فيجِبُ الرُّجوعُ إليه ((المغني)) لابن قُدامة (3/355)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/141).
ثالثًا: ولأنَّه نُسُكٌ تعَلَّقَ بالرَّأسِ، فوجبَ استيعابُه به، كالمسحِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/355).
المبحث الرابع: أفضَلِيَّةُ الحَلْقِ على التَّقصيرِ
حَلْقُ جميعِ الرَّأسِ أفضَلُ مِن تقصيرِه قال ابنُ حجر: (وفيه أنَّ الحلْقَ أفضَلُ مِنَ التقصيرِ، ووَجْهُه أنَّه أبلَغُ في العبادة، وأبيَنُ للخضوعِ والذِّلَّة، وأدلُّ على صِدْقِ النيَّة، والذي يُقَصِّرُ يُبقِي على نفسِه شيئًا مما يتزيَّنُ به، بخلاف الحالِقِ؛ فإنَّه يشعُرُ بأنه ترك ذلك لله تعالى، وفيه إشارةٌ إلى التجَرُّد) ((فتح الباري)) (3/564).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
ظاهِرُ قولِه تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ بدأ بالحَلْقِ، والعَرَبُ إنَّما تبدأُ بالأهَمِّ والأفضَلِ قال النووي: (والإجماع على أنَّ الحلق أفضل) ((المجموع)) (8/199).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اللهمَّ ارحَمِ المُحَلِّقينَ. قالوا: والمُقَصِّرينَ يا رسولَ الله، قال: اللهُمَّ ارحم المُحَلِّقينَ. قالوا: والمُقَصِّرينَ يا رسولَ اللهِ، قال: والمُقَصِّرينَ )) رواه البخاري (1727)، ومسلم (1301).
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: ((حَلَقَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَجَّتِه )) رواه البخاري (1726) واللفظ له، ومسلم (1304).
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
 نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: ((وأجمعوا أنَّ الحِلاقَ أفضَلُ مِنَ التقصيرِ)) ((التمهيد)) (7/267). ، والنوويُّ قال النووي: (والإجماعُ على أنَّ الحَلْقَ أفضَلُ) ((المجموع)) (8/199).
المبحث الخامس: الحلْقُ والتقصيرُ للمرأةِ
المطلب الأوَّل: حَلْقُ المرأةِ رَأسَها
يُشْرَعُ للمرأةِ التَّقصيرُ جمهورُ الفُقهاءِ أنَّها تأخذ قدْرَ أُنملة، قال ابنُ عثيمين: (ما اشتُهِرَ عند النِّساءِ أنَّ الأُنمُلةَ أن تطويَ المرأةُ طَرَفَ شَعْرِها على إصْبَعِها فمتى التقى الطَّرفانِ فذاك الواجِبُ؛ فغيرُ صحيحٍ). يُنْظَر: ((الشرح الممتع)) (7/329). لا الحَلْقُ.
 الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ليس على النِّساءِ حَلْقٌ، وإنَّما عليهِنَّ التَّقصيرُ )) رواه أبو داود (1984)، والبيهقي (9187). حسَّنَ إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (8/197)، وابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (3/894)، وقال: قوَّاه أبو حاتم في العلل، والبخاري في التاريخ، وأعلَّه ابن القطان، ورد عليه ابن المواق، فأصاب. وصحَّحه لغيره الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1984).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (وأجمَعَ أهلُ العلمِ على القولِ به في محفوظِ ذلك عن ابن عمر، وعطاء، وعُمْرة، وحفصة بنت سيرين، وعطاء الخرساني، ومالك، والثوري، وسائر أهل الكوفة من أصحاب الرأي، وغيرهم، والشافعي، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وسائر أهل العلم) ((الإشراف)) (3/359). ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (وأجمعوا أن سُنَّةَ المرأةِ التقصيرُ لا الحِلاقُ) ((الاستذكار)) (4/317). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (والمشروعُ للمرأة التقصيرُ دون الحَلقِ، لا خلاف في ذلك) ((المغني)) (3/390). ، والنوويُّ قال النووي: (أجمعَ العُلَماءُ على أنَّه لا تؤمَرُ المرأةُ بالحلْقِ، بل وظيفتُها التقصيرُ مِن شَعْرِ رأسِها) ((المجموع)) (8/204).
ثالثًا: أنَّ الحَلْقَ في حقِّ النِّساءِ فيه مُثْلَةٌ؛ ولهذا لم تَفْعَلْه نساءُ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 141)، ((حاشية العدوي)) (1/683)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/502).
رابعًا: أنَّ المرأةَ محتاجةٌ إلى التجمُّلِ والتزَيُّنِ، والشَّعْرُ جمالٌ وزينةٌ؛ ولذا شُرِعَ في حَقِّهنَّ التَّقصيرُ فقط ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/329).
المبحث السادس: إمرارُ الموسى على مَن ليسَ على رأسِه شَعْرٌ
إذا لم يكُنْ على رأسِه شَعْرٌ- كالأقرعِ ومَن برأسِه قروحٌ- فقد اختلفَ أهلُ العِلمِ فيه على أقوالٍ، أقواها قولان:
القول الأوّل: أنَّه يُستحَبُّ له إمرارُ الموسى على رأسِه، ولا يجب، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/193،194). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/30)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/502). ، وهو قولٌ للحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/32)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/372). وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ منهم علي وابن عمر ومسروق وسعيد بن جبير والنخعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. يُنْظَر: ((الإشراف)) لابن المُنْذِر (3 / 357). ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3 / 457). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ المُنْذِر: (أجمع كلُّ من نحفَظُ عنه مِن أهلِ العِلمِ على أنَّ الأصلَعَ يُمِرُّ على رأسِه الموسى وقْتَ الحَلْقِ). ((الإشراف)) (3 / 357). وقال شمس الدين ابن قُدامة: (يُستحَبُّ أن يُمِرَّ الموسى على رأسِه؛ رُوِيَ ذلك عن ابنِ عُمَرَ، وبه قال مسروق، وسعيد بن جبير، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلافَهم، وليس بواجبٍ، وقال أبو حنيفة يجِبُ). ((الشرح الكبير)) (3/457).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الحَلْقَ مَحَلُّهُ الشَّعْرُ، فسقَطَ بعَدَمِه كما سَقَطَ وجوبُ غَسْلِ العُضوِ في الوضوءِ بفَقْدِه ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3 / 457).
ثانيًا: لأنَّه إمرارٌ لو فَعَلَه في الإحرامِ لم يجِبْ به دمٌ، فلم يجِبْ عند التحلُّلِ كإمرارِه على الشَّعْرِ من غيرِ حَلْقٍ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3 / 457).
ثالثًا: لأنَّه عبادةٌ تتعَلَّقُ بالشَّعرِ، فتنتقِلُ للبَشَرةِ عند عَدَمِه، كالمسحِ في الوضوءِ ((حاشية الدسوقي)) (2/46).
رابعًا: تَشَبُّهًا بالحالقين ((العزيز شرح الوجيز)) للقزويني (3/426).
القول الثاني: لا يُستحَبُّ له إمرارُ الموسى على رأسِه، وهو مرويٌّ عن أبي بكرِ ابنِ داودَ   قال النووي: (وحكى أصحابنا عن أبي بكر بن داود أنه قال: لا يستحب إمراره) ((المجموع)) (8/212). ، وبه قال ابنُ القَيِّم قال ابنُ القيم: (يسْتَحبُّ إمرار الموسى على مَوضِع الْخِتَان لِأَنَّهُ مَا يقدر عَلَيْهِ مِنَ الْمَأْمُور بِهِ وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم وَقد كَانَ الْوَاجِب أَمريْن مُبَاشرَة الحديدة وَالْقطع فَإِذا سقط الْقطع فَلَا أقل من اسْتِحْبَاب مُبَاشرَة الحديدة وَالصَّوَاب أَن هَذَا مَكْرُوه لَا يتَقرَّب إِلَى الله بِهِ وَلَا يتعبد بِمثلِهِ وتنزه عَنهُ الشَّرِيعَة فَإِنَّهُ عَبث لَا فَائِدَة فِيهِ وإمرار الموسى غير مَقْصُود بل هُوَ وَسِيلَة إِلَى فعل الْمَقْصُود فَإِذا سقط الْمَقْصُود لم يبْق للوسيلة معنى وَنَظِير هَذَا مَا قَالَ بَعضهم إِن الَّذِي لم يخلق على رَأسه شعر يسْتَحبّ لَهُ فِي النّسك أَن يمر الموسى على رَأسه) ((تحفة المودود)) (ص: 198). ، ومال إليه المرداوي قال المرداوي: (لو عدم الشعر استحب له إمرار الموسى، قاله الأصحاب وقاله أبو حكيم في ختانه، قلت: وفي النفس من ذلك شيء، وهو قريبٌ مِنَ العبث) ((الإنصاف)) (4/30). ، واختارَه ابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (ومثل ما لو أن أحدًا أصلع ليس له شعر اعتمر أو حج، والحج والعُمْرة يجب فيهما الحلق أو التقصير، فما نقول له: احلق؛ لأنه ما له شعر، وليس عليه أن يمر الموسى على رأسه، كما قاله بعض العُلَماء؛ فإن هذا عبث) ((الشرح الممتع)) (13/412). ؛ وذلك لأنَّ القاعدةَ المُتَّفَقَ عليها أنَّ الوسائِلَ يسقُطُ اعتبارُها عند تعذُّرِ المقاصِدِ، وإمرارُ الموسى وسيلةٌ لإزالةِ الشَّعْر، وليست مقصودةً بذاتها ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/32)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/270)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/457).
المبحث السابع: التَّيامُنُ في حَلْقِ الرَّأسِ
يُستحَبُّ التيامُنُ في حَلْقِ الرَّأسِ قال شمس الدين ابن قُدامة: (السُّنَّة أن يبدأ بشِقِّ رأسِه الأيمنِ، ثمَّ الأيسرِ؛ لهذا الخبر، فإنْ لم يفعلْ أجزَأَه، لا نعلمُ فيه خلافًا) ((الشرح الكبير)) (3/456). ، والعبرةُ في التيامُنِ في الحَلْقِ بيمينِ المحلوقِ، فيبدأ بشِقِّ رأسِه الأيمنِ ثمَّ الشِّقِّ الأيسرِ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/182)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/335). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/203)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/162). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/29)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/502). ، واختاره ابنُ الهمام مِنَ الحَنَفيَّة قال ابنُ الهمام: (... ثم قال للحلَّاق: "خُذْ، وأشار إلى جانِبِه الأيمنِ، ثم الأيسَرِ، ثم جعل يعطيه النَّاسَ" وهذا يفيد أنَّ السنَّة في الحلق البداءةُ بيمينِ المحلوقِ رأسُه، وهو خلافُ ما ذُكِرَ في المذهب، وهذا الصوابُ) ((فتح القدير)) (2/489).
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رمى جَمْرةَ العَقَبةِ، ثمَّ انصرَفَ إلى البُدُنِ فنَحَرَها، والحجَّامُ جالسٌ، وقال بيَدِه عن رأسِه، فحَلَقَ شِقَّه الأيمنَ فقَسَمَه فيمَن يليه، ثم قال: احلِقِ الشِّقَّ الآخَرَ، فقال: أين أبو طَلحةَ؟ فأعطاه إيَّاه )) رواه مسلم (1305).
وفي روايةٍ عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((لَمَّا رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجَمْرةَ ونَحَرَ نسُكَه وحَلَقَ، ناول الحلَّاقَ شِقَّه الأيمنَ فحَلَقَه، ثم دعا أبا طلحةَ الأنصاريَّ رَضِيَ اللهُ عنه فأعطاه إيَاه، ثمَّ ناوله الشِّقَّ الأيسرَ، فقال: احلِقْ: فحَلَقَه، فأعطاه أبا طلحةَ، فقال: اقسِمْه بين النَّاسِ )) رواه مسلم (1305).

انظر أيضا: