الموسوعة الفقهية

المبحث التاسع: لَقْطُ حَصَياتِ الرَّجْمِ


تُلتَقطُ حَصيَاتُ الرَّجْمِ مِن أيِّ مكانٍ، من مُزْدَلِفة قال ابن عثيمين: (وأمَّا أخْذُه من مزدلفةَ، فليس بمستحَبٍّ، وإنَّما استحبَّه بعضُ المتقدِّمين من التابعين؛ لأجلِ أن يبدأَ برمي جمرةِ العَقَبة من حينِ أن يصِلَ إلى منًى؛ لأنَّ رميَ جمرةِ العَقَبةِ هو تحيَّةُ مِنًى، ويُفعَلُ قبلَ كُلِّ شَيءٍ، حتى إنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رمى وهو على بعيرِه قبل أن يذهَبَ إلى رَحْلِه، وينزِلَ رَحلَه، والنَّاسُ لا يتيسَّرُ لهم أن يقولوا لأحدٍ منهم القُطْ لنا الحَصى، وهم على إبِلِهم، ولكنَّ كثيرًا مِن الخَلْقِ يظنُّونَ أنَّه يجِبُ أن يكون الحَصى من مزدلفةَ وُجوبًا) ((الشرح الممتع)) (7/317). وقال: (إنَّ بعض الناس يظنُّونَ أنَّه لا يصِحُّ الرَّميُ إلَّا إذا كانت الحصى من مزدلفةَ، ولهذا تجِدُهم يتعبونَ كثيرًا في لَقطِ الحَصى من مزدلفةَ قبل أن يذهبوا إلى مِنًى، وهذا ظنٌّ خاطئٌ، فالحصى يؤخَذُ من أيِّ مكانٍ، مِن مزدلفة، أو من مِنًى، من أي مكانٍ يؤخَذُ، المقصود أن يكون حَصًى، ولم يَرِدْ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه التقَطَ الحَصى من مزدلفةَ، حتى نقولَ إنَّه من السنَّةِ، إذًا فليس من السنة، ولا الواجِبُ أن يلتقِطَ الإنسانُ الحصى من مزدلفة، لأن السنَّةَ إمَّا قَولُ النبيِّ عليه الصلاةُ والسَّلامُ، أو فِعْلُه، أو إقرارُه، وكلُّ هذا لم يكن في لَقطِ الحصى مِن مزدلفة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/141). ، أو مِن الطريقِ إلى مِنًى أو غيرِ ذلك، فمِن حيث أخَذَه أجْزَأَه قال ابنُ المُنْذِر: (لا أعلم خلافًا بينهم أنَّه من حيث أَخَذَ أجزَأَه). ((الإشراف)) (3/322)، ويُنْظَر: ((المجموع)) للنووي (8/124)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/445). ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 487)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/156)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/487). كَرِهَ الحنفيَّةُ أخْذَ الحصى من عند جَمرةِ العَقَبةِ. ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/180)، ويُنظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/437). استحبَّ المالكيةُ أخْذَ الحصى من مزدلفةَ لِرَميِ جمرةِ العَقَبةِ فقط في يومِ النَّحرِ. ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/124, 182)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/500). كره الشَّافعيَّةُ أخذ الحصى من الحِلِّ؛ لِعُدولِه عن الحَرَم، واستحبُّوا أخْذَها من مزدلفةَ لِرَميِ جمرةِ العقبة فقط. ، والحنابلةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/499)، ويُنظر: ((الكافي)) لابن قُدامة (1/521). كره الحنابلةُ أخذ الحصى من مِنًى وسائِرِ الحَرَم لِرَميِ جمرةِ العَقَبةِ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
- أن ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غداةَ العَقَبةِ وهو على راحلته: ((هات الْقُطْ لي، فلَقَطْتُ له حَصَياتٍ هن حَصى الخَذْفِ، فلما وضعتهن في يده، قال: بأمثالَ هؤلاءِ وإيَّاكم والغُلُوَّ في الدِّينِ؛ فإنَّما أهلَكَ مَن كان قَبْلَكم الغُلُوُّ في الدِّينِ )) رواه النسائي (3057) واللفظ له، وابن ماجه (3029)، وأحمد (1851)  احتج به ابن حزم في ((المحلى)) (7/133)، وصحَّحه ابن عَبْدِ البَرِّ في ((التمهيد)) (24/428)، وصحَّح إسنادَه على شرط مسلم النووي في ((المجموع)) (8/171)، وابن تيميَّة في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/327)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (5/85)، وصحَّحه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (1/186)، و الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3057)
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ أمْرَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لابنِ عبَّاسٍ بلَقْطِ الحَصى كان بمِنًى ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/446).
ثانيًا: أنَّ عليه فِعْلَ المسلمينَ، وهو أحَدُ نَوعَيِ الإجماعِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/156)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/487).

انظر أيضا: