الفصل السادس: الدَّفْعُ من مُزْدَلِفةَ
المبحث الأوَّل: الدَّفْعُ من مُزْدَلِفةَ قبلَ طُلوعِ الشَّمْسِيُستحَبُّ أن يدفَعَ الحاجُّ من مُزْدَلِفةَ قبلَ طُلوعِ الشَّمسِ.
الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- فِعْلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في حديث
جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه:
((حتَّى أتى المُزْدَلِفةَ فصَلَّى بها المَغْرِبَ والعِشاءَ بأذانٍ واحدٍ وإقامتينِ، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئًا، ثم اضطجَعَ حتى طلَعَ الفَجْرُ، وصلَّى الفَجْرَ حين تَبَيَّنَ له الصبحُ، بأذانٍ وإقامةٍ، ثم رَكِبَ حتى أتى المشعَرَ الحرامَ، فاستقبَلَ القبلةَ، فدعا اللهَ تعالى وكبَّرَه وهلَّلَه، فلم يَزَلْ واقفًا حتى أسفَرَ جِدًّا، فدفع قبل أن تطلُعَ الشَّمْسُ ))
2- عن أبي إسحاقَ قال: سَمِعْتُ عمرَو بنَ ميمونَ يقول: شهِدْتُ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنه، صلَّى بجَمْعٍ الصُّبحَ، ثم وقَفَ فقال: إنَّ المشركينَ كانوا لا يُفيضونَ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمسُ، ويقولون: أشْرِقْ ثَبِيرُ، وأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خالَفَهم، ثم أفاضَ قبل أن تطلُعَ الشَّمسُ
ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك
ابْنُ عَبْدِ البَرِّ
، و
ابنُ قُدامة
المَبحَثُ الثَّاني: الدَّفعُ مِن مُزدَلِفة للضَّعَفةِ والنِّساءِيُرَخَّصُ للضَّعَفةِ والنِّساءِ الدَّفعُ مِن مُزدَلِفةَ بَعدَ مُنتَصَفِ اللَّيلِ.
الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- حديثُ
عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت:
((استأذَنَت سَودةُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ المُزدَلِفةِ تدفَعُ قَبلَه وقَبلَ حَطْمَةِ النَّاسِ
، وكانت امرأةً ثَبِطةً
، فأذِنَ لها))
.
2- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال:
((أنا ممَّن قَدَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ المُزدَلِفةِ في ضَعَفةِ أهلِهـ))
.
3- عَنِ
ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه كان يُقَدِّمُ ضَعَفةَ أهلِه، فيقفونَ عندَ المشعَرِ الحرامِ بالمُزدَلِفةِ بليلٍ، فيَذكُرونَ اللهَ ما بدا لهم، ثمَّ يرجِعونَ قَبلَ أن يقِفَ الإمامُ وقَبلَ أن يَدفَعَ؛ فمِنهم مَن يَقدَمُ مِنًى لصلاةِ الفَجرِ، ومنهم من يَقدَمُ بعدَ ذلك، فإذا قَدِموا رَمَوا الجَمرةَ، وكان
ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما يقولُ:
((أرخَصَ في أولئك رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم))
.
4- عن عبدِ اللهِ مولى أسماءَ رَضِيَ اللهُ عنها
((أنَّها نزلَت ليلةَ جمعٍ عِندَ المُزدَلِفةِ، فقامت تُصَلِّي، فصَلَّت ساعةً، ثمَّ قالت: يا بُنَيَّ، هل غاب القمَرُ؟ قلتُ: لا. فصَلَّت ساعةً، ثمَّ قالت: يا بُنَيَّ، هل غاب القمَرُ؟ قلتُ: نعَم. قالت: فارتَحِلوا. فارتَحَلنا فمَضَينا حتَّى رَمَتِ الجَمرةَ، ثمَّ رجعَت فصَلَّتِ الصُّبحَ في مَنزِلها، فقُلتُ لها: ما أُرانا إلَّا قد غَلَّسْنا! قالت: يا بُنيَّ، إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أذِنَ لِلظُّعُنِ
))
.
5- عن أمِّ حَبيبةَ رَضِيَ اللهُ عنها
((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَثَ بها مِن جَمعٍ بليلٍ))
.
ثانيًا: من الإجماعِنقل الإجماعَ على ذلك: التِّرمِذيُّ
، و
ابنُ قُدامةَ
، وأبو الفَرَجِ شَمسُ الدِّينِ
ابنُ قُدامةَ
.
ثالثًا: أنَّ فيه رِفقًا بهم، ودَفعًا لمشقَّةِ الزِّحامِ عنهم، واقتداءً بفِعلِ نَبيِّهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
.
المَبحَثُ الثَّالِثُ: الدَّفعُ من مُزدَلِفة لغَيرِ الضَّعَفةِ والنِّساءِيجوزُ لغَيرِ الضَّعَفةِ والنِّساءِ الدَّفعُ مِن مُزدَلِفة إلى مِنًى بَعدَ مُنتَصَفِ لَيلةِ النَّحرِ، والأفْضَلُ أنْ يَدفعُوا بَعدَ صلاةِ الفَجرِ
.
المبحث الرّابع: الإسراعُ في وادي مُحَسِّر يُشرَعُ الإسراعُ في وادي مُحَسِّر، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلة
، وبه عَمِلَ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ
الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعن
جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((أفاض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعليه السَّكينةُ، وأمَرَهم بالسَّكينةِ، وأَوْضَعَ
في وادي مُحَسِّرٍ... ))
ثانيًا: مِنَ الآثارِ1- عنِ الْمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمةَ: (أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه كَانَ يُوضِعُ وَيَقُولُ:
إلَيْك تَعْدُو قَلِقًا
وَضِينُهَا
مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا)
2- عن نافعٍ: (أنَّ
عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما كان يُحَرِّكُ راحِلَتَه في بطنِ مُحَسِّرٍ قَدْرَ رَميةٍ بحَجَرٍ)