الموسوعة الفقهية

الفصل الثَّاني: الذَّهابُ إلى مِنًى


المبحث الأوَّل: حُكْمُ الذَّهابِ إلى مِنًى في يومِ التَّرْوِيَةِ
يُسَنُّ للحاجِّ أن يَخْرُجَ مِنْ مكَّةَ إلى مِنًى يومَ التَّرْوِيةِ بعد طُلوعِ الشَّمْسِ، فيُصَلِّيَ خَمْسَ صلواتٍ، وهي: الظُّهْرُ والعَصْرُ، والمَغْربُ والعِشاءُ، وفَجْرُ يومِ التَّاسِعِ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
حديثُ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((فلمَّا كان يومُ التَّرْوِية توجَّهوا إلى مِنًى وأهَلُّوا بالحجِّ، وركِبَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فصَلَّى بها الظُّهْرَ والعَصرَ والمغرِبَ والعِشاءَ والفَجْرَ، ثم مكَثَ قليلًا حتى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وأمر بِقُبَّةٍ مِن شَعْرٍ تُضْرَبُ له بنَمِرَةَ ))
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر ، وابنُ قُدامة ، والنوويُّ ، وابنُ رُشدٍ
المبحث الثَّاني: صفةُ الصَّلاةِ في مِنًى يومَ التَّرْوِيةِ
السُّنَّة أن تصلَّى كلُّ صلاةٍ في منًى يومَ التَّرْوِيةِ في وَقْتِها قَصْرًا بلا جَمعٍ.
الأدِلَّة:
أولًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((صلَّى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمِنًى ركعتينِ، وأبو بكرٍ بَعْدَه، وعُمَرُ بعد أبي بكرٍ، وعُثمانُ صَدْرًا من خلافِتَه، ثم إنَّ عثمانَ صَلَّى بعدُ أربعًا ))
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ رشدٍ
المبحث الثَّالث: قَصْرُ أهلِ مكَّةَ بمِنًى؟
اختلف أهْلُ العِلْمِ في قَصْرِ أهْلِ مكَّةَ بمِنًى على قولينِ:
القولُ الأوَّلُ: يَقْصُرُ أهْلُ مكَّةَ بمِنًى، وهذا مذهَبُ المالِكيَّة ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة ، وابنِ باز
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((صلَّى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمِنًى ركعتينِ، وأبو بكرٍ بَعْدَه، وعُمَرُ بعد أبي بكرٍ، وعثمانُ صَدْرًا من خلافَتِه، ثمَّ إنَّ عثمانَ صلَّى بعدُ أربعًا ))
2- عَنْ عبدِ الرحمنِ بنِ يزيدَ، قال: صلَّى بنا عثمانُ بنُ عفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه بمِنًى أربَعَ ركَعاتٍ، فقيل ذلك لعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فاسترجَعَ، ثمَّ قال: ((صلَّيْتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمِنًى ركعتينِ، وصلَّيْتُ مع أبي بكرٍ الصِّدِّيقَ بمِنًى ركعتينِ، وصلَّيْتُ مع عُمَرَ بنِ الخطَّابِ بمِنًى ركعتينِ، فليتَ حَظِّي من أربعِ ركَعاتٍ ركعتانِ مُتَقَبَّلتانِ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى بالنَّاسِ من أهل مكَّة وغيرِهم بمِنًى وعَرَفةَ ومُزْدَلِفةَ قَصْرًا، ولم يأمُرْ أهلَ مكَّة بالإتمامِ، ولو كان واجبًا عليهم لبَيَّنَه لهم
القول الثاني: يُتِمُّ أهلُ مكَّةَ بمِنًى، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ، والشَّافعيَّة ، والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
 عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((صلَّى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمِنًى ركعتينِ، وأبو بكرٍ بَعْدَه، وعُمَرُ بعد أبي بكرٍ، وعثمانُ صَدْرًا من خلافَتِه، ثمَّ إنَّ عثمانَ صَلَّى بعدُ أربعًا ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مِن أوجُهِ تفسيرِ سَبَبِ إتمامِ عثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه بمِنًى أنَّه تأهَّلَ بمكَّةَ، فلم يكن مسافرًا، فصلَّى صلاةَ المقيمِ، فدلَّ على أنَّ أهلَ مكَّةَ يُتِمُّونَ بمِنًى ولا يَقْصُرون
ثانيًا: أنَّ المكِّيَّ غيرُ مسافرٍ، فحُكْمُه حُكْمُ المُقيمِ، فيُتِمُّ الصَّلاةَ، ولا يَقْصُر، وإنَّما يَقْصُر مَن كان سَفَرُه سفرًا تقصُرُ في مِثْلِه الصَّلاةُ

انظر أيضا:

  1. (1) رواه مسلم (1218)
  2. (2) ((الإشراف)) لابن المُنْذِر (3/308)
  3. (3) قال ابنُ قُدامة: (قال: (ومضى إلى مِنًى، فصلَّى بها الظهرَ إن أمكَنَه؛ لأنَّه رُوي عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنه صلى بمِنًى خمسَ صلوات) وجملة ذلك، أنَّ المستحَبَّ أن يخرج مُحْرِمًا من مكَّةَ يومَ التَّرْوِية، فيصلِّي الظهرَ بمِنًى، ثم يقيم حتى يصلِّيَ بها الصَّلواتِ الخَمْسَ، ويبيت بها؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَعَلَ ذلك، كما جاء في حديث جابرٍ، وهذا قول سفيان، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالِفًا، وليس ذلك واجبًا في قولِهم جميعًا) ((المغني)) (3/365).
  4. (4) قال النووي: (إذا خرجوا يوم التَّرْوِية إلى مِنًى، فالسُّنَّة أن يصلُّوا بها الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ والصبحَ، كما ذكرناه مِنَ الأحاديث الصحيحة، وهذا لا خلاف فيهـ) ((المجموع)) (8/84).
  5. (5) قال ابنُ رشد: (واتَّفقوا على أنَّ الإمام يصلي بالنَّاس بمِنًى يومَ التَّرْوِية، الظُّهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ بها مقصورةً) ((بداية المجتهد)) (1/346)
  6. (6) رواه البخاري (1082)، ومسلم (694) واللفظ له.
  7. (7) قال ابنُ رشد: ((واتَّفقوا على أنَّ الإمام يصلي بالنَّاس بمِنًى يومَ التَّرْوِية، الظُّهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ بها مقصورةً إلَّا أنهم أجمعوا على أنَّ هذا الفعل ليس شرطًا في صِحَّةِ الحجِّ لِمَن ضاق عليه الوقتُ) ((بداية المجتهد)) (1/346)
  8. (8) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/170، 171)، ((حاشية العدوي)) (1/539)، قال مالك: (يصلي أهل مكَّة ومِنًى بعَرَفة ركعتين ركعتين ما أقاموا، يَقْصُرون بالصَّلاة حتى يَرْجِعوا إلى أهليهم، وأميرُ الحاجِّ أيضًا كذلك إذا كان من أهلِ مكَّة قَصَر الصَّلاة بعَرَفةَ وأيامَ مِنًى، قال: وعلى ذلك الأمرُ عندنا) ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (10/13)، ويُنْظَر: ((التمهيد)) (10/13، 14).
  9. (9) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (24/47)، ويُنْظَر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/481).
  10. (10) قال ابنُ باز: (ويصلوا بمِنًى الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ والفَجرَ، والسنَّة أن يصلُّوا كل صلاةٍ في وقتها قصرًا بلا جمعٍ، إلا المغربَ والفَجْرَ فلا يُقْصَرانِ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/67). وقال أيضًا: (ظاهر السنَّة الصحيحة المعلومة مِنْ حَجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حجَّةِ الوداعِ، أنَّ جميع الحجَّاج يَقْصُرون في مِنًى فقط من دون جمعٍ، ويَجْمعون ويَقْصُرون في عَرَفةَ ومُزْدَلِفةَ، سواءٌ كانوا آفاقيين أو من أهل مكَّة وما حولها؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يقُلْ لأهل مكَّةَ أتِمُّوا) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/255).
  11. (11) رواه البخاري (1082)، ومسلم (694) واللفظ له.
  12. (12) رواه البخاري (1657)، ومسلم (695)
  13. (13) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/68)، (17/299).
  14. (14) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/152)، ويُنْظَر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (24/44).
  15. (15) ((المجموع)) للنووي (8/88)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/496).
  16. (16) ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/509)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/367).
  17. (17) رواه مسلم (694)
  18. (18) ((المغني)) لابن قُدامة (3/367)، ((شرح النووي على مسلم)) (5/195)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/570).
  19. (19) ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (10/14)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/367)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/439)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/61).