الموسوعة الفقهية

الفصل السابع: سُنَنُ السَّعيِ، وحكم السعي راكبا


المبحث الأوَّل: سُنَنُ السَّعيِ
المطلب الأوَّل: الصُّعودُ على الصَّفا والمروةِ والدُّعاءُ والذِّكْرُ عليهما وبينهما
يُشْرَعُ إذا دنا مِنَ الصَّفا أن يقرأَ قَوْلَه تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ قال ابنُ عثيمين: (يُحتَمَل أنَّه (أي النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) قرأ الآيةَ كُلَّها؛ وكان السلف يُعَبِّرون ببعض الآية عن جميعها، ويُحتَمَل أنه لم يقرأ إلا هذا فقط الذي هو محلُّ الشَّاهِد، وهو كون الصَّفا والمروة من شعائِرِ الله، وكَوْنُ الصَّفا هو الذي يبدأ به، وهذا هو المتعَيَّن؛ وذلك لأنَّ الأصل أنَّ الصحابة رضي الله عنهم ينقلون كل ما سَمِعوا وإذا لم يَقُلْ: حتى خَتَمَ الآية، أو حتى أتمَّ الآية، فإنه يقتَصِر على ما نَقَلَ فقط) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/466). [البقرة: 158] ، ويقول: ((أبدأُ بما بدأَ الله به )) أخرجه مسلم (1218). ، ويقتصِرُ في قوله هذا على الصَّفا في المرَّةِ الأولى فقط، ويرتقي على الصَّفا حتى يرى الكعبةَ ويصعبُ الآن رؤيةُ الكعبةِ فيكتَفِي باستقبالِ القبلة، يُنظَر ((مناسك الحج والعُمْرة)) للألباني (ص: 225). ويستقبِلها، ويُكَبِّر ثلاثًا وفي زيادةٍ عند النسائي وابن ماجه ((ويحمده)). : اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ، ويقول: لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، له المُلْك وله الحَمْدُ وفي زيادةٍ عند النسائي وابن ماجه ((يحيي ويميت)). ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٍ، لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه وفي زيادةٍ عند ابن ماجه ((لا شريك له)). ، أنجَزَ وَعْدَه، ونصَرَ عَبْدَه، وهَزَمَ الأحزابَ وَحْدَه. ثم يدعو بما تيسَّرَ، رافعًا يديه، ويُكَرِّر ذلك (ثلاثَ مرَّاتٍ) قال النووي: (يُسَنُّ أن يقف على الصَّفا مستقبِلَ الكعبةِ، ويذكُرَ اللهَ تعالى بهذا الذِّكْرِ المذكورِ ويدعو ويكرِّر الذِّكْرَ والدعاء ثلاثَ مرَّاتٍ، هذا هو المشهور عند أصحابنا، وقال جماعةٌ من أصحابنا يكرر الذكر ثلاثًا والدعاءَ مرتين فقط، والصَّواب الأول) ((شرح مسلم للنووي)) (8/177). ، ويقول ويفعل على المَروةِ كما قال، وفَعَلَ على الصَّفا، في الأشواطِ السبعة، ما عدا قراءةَ الآيةِ، وقولَه (أبدأُ بما بدأَ اللهُ به).
ويُكْثِرُ مِنَ الدُّعاءِ والذِّكْرِ في سَعْيِه، ومن ذلك: ربِّ اغِفْرِ وارحَمْ؛ إنَّك أنت الأعزُّ الأكرمُ قال الألباني: (وإن دعا في السَّعي بقولِه: ربِّ اغفِرْ وارحَمْ؛ إنَّك أنت الأعزُّ الأكرمُ، فلا بأس؛ لثبوته عن جمعٍ مِنَ السلف، وذكر منهم ابن مسعود وابن عمر والمسيب بن رافع الكاهلي وعروة بن الزبير) ((مناسك الحج والعُمْرة)) (ص: 27).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنه قال في صِفَةِ حجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ثمَّ خرج مِنَ البابِ إلى الصَّفا، فلمَّا دنا مِنَ الصَّفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة: 158] أبدأُ بما بدأ اللهُ به. فبدأ بالصَّفا فرَقِيَ عليه، حتى رأى البيتَ، فاستقبل القبلةَ، فوحَّد اللهَ وكبَّره، وقال: لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، له المُلْك وله الحَمْدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، لا إلهَ إلَّا اللهُ وحده، أنجَزَ وَعْدَه، ونَصَر عبْدَه، وهزَمَ الأحزابَ وَحْدَه، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاثَ مرَّاتٍ، ثم نزل إلى المروةِ حتى إذا انصبَّت قَدَماه انحدَرَت في المسعى. يُنْظَر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/3). في بطنِ الوادي سعى حتى إذا صَعِدَتَا ارتفعت قدماه عن بطنِ الوادي وخرَجَتا منه إلى طَرَفِه الأعلى. ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/10). ، مشى حتى أتى المروةَ ففَعَلَ على المروةِ كما فَعَلَ على الصَّفا قال النووي: (قوله (ففعل على المروةِ مِثْلَ ما فعل على الصَّفا) فيه أنَّه يُسَنُّ عليها مِنَ الذكر والدُّعاء والرُّقِيِّ مِثْلَ ما يُسَنُّ على الصَّفا، وهذا متَّفقٌ عليه) ((شرح النووي على مسلم)) (8/178). )) رواه مسلم (1218).
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
1- عن مسروقٍ أنَّ ابنَ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه لَمَّا هَبَطَ إلى الوادي سعى، فقال: ((اللهمَّ اغفِرْ وارحَمْ، وأنت الأعَزُّ الأكرَمُ)) رواه الطبراني في ((الدعاء)) (870)، والبيهقي (9620). قال البيهقي: (أصحُّ الروايات عن ابن مسعود). وصحح إسناده موقوفًا ابنُ حجر كما في ((الفتوحات الربانيَّة)) لابن علان (4/401)، وصححه الألباني موقوفًا في ((حجة النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) (ص120).
2- وكان ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما يدعو فيقول: ((اللهمَّ إنَّك قلتَ: ادعوني أستجِبْ لكم، وإنَّك لا تُخْلِفُ الميعادَ، وإني أسألُكَ كما هَدَيْتَني للإسلامِ ألَّا تَنْزِعَه منِّي، حتى تتوفَّاني وأنا مُسْلِمٌ)) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/545)، والبيهقي (9614). جود إسناده الضياء المقدسي في ((السنن والأحكام)) (4/182)، وقال النووي في ((المجموع)) (8/68): إسناده على شرط الشيخين، وصحَّح إسنادَه ابن تيميَّة في ((شرح العمدة- المناسك)) (2/457).
المطلب الثَّاني: السَّعيُ الشَّديدُ بين العلامتينِ الخَضْراوينِ
يُسَنُّ المشيُ بين الصَّفا والمروةِ إلَّا ما كان بين العلامتينِ الخَضْراوينِ وهما عبارةٌ عن إنارةٍ خضراءَ على جانِبَيِ المسعى يُعبَّر عنها في كتب الفقه بالمِيلينِ الأخْضَرينِ. ، فإنَّه يُسَنُّ للرِّجالِ السَّعيُ الشَّديدُ بينهما قال ابنُ تيميَّة: (وإن لم يسْعَ في بطنِ الوادي (يعني بين العلامتينِ الخضراوينِ) بل مشى على هيئته جميعَ ما بين الصَّفا والمروة؛ أجزَأَه باتفاق العُلَماءِ، ولا شيءَ عليه) ((مجموع الفتاوى)) (26/128). ، وذلك في الأشواطِ السَّبْعةِ قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا ألَّا رَمَلَ على النِّساءِ حَوْلَ البيت، ولا في السَّعيِ بين الصَّفا والمروة) ((الإجماع)) (ص: 55). وقال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (وأجمعوا أنْ ليس على النِّساء رَمَلٌ في طوافِهِنَّ بالبيت ولا هرولةٌ في سعيهنَّ بين الصَّفا والمروةِ) ((التمهيد)) (2/78). وقال النووي: (أمَّا المرأةُ ففيها وجهان (الصحيح) المشهورُ، وبه قطع الجمهور، أنَّها لا تسعى في موضع السَّعيِ، بل تمشي جميع المسافة سواءٌ كانت نهارًا أو ليلًا في الخَلْوة؛ لأنها عورةٌ وأَمْرُها مبنيٌّ علي السَّتْر ولهذا لا تَرْمُلُ في الطَّوافِ...) ((المجموع)) (8/75).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- ((عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يسعى بطنَ المَسيلِ مَسِيلُ مياهِ الأمطار مِنَ الجبل. ((مقدمة فتح الباري)) لابن حجر (1/133)، والمراد: المكان الذي بين العلامتين الخضراوين. إذا طاف بين الصَّفا والمروةِ )) رواه البخاري (1617) واللفظ له، ومسلم (1261).
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((... حتى إذا انصَبَّتْ قَدَماه انحدرت في المسعى. ((النهاية)) لابن الأثير (3/ 3). في بطْنِ الوادي سعى حتَّى إذا صَعِدَتا ارتفعت قدماه عن بطنِ الوادي وخرجتا منه إلى طرَفِه الأعلى. ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/10). مشى)) رواه مسلم (1218).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقل الإجماعَ على استحبابِه ابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (ولا خلاف في السَّعي في المسيل وهو الوادي بين الصَّفا والمروة، إلَّا أنَّ مِنَ السلف من كان يسعى المسافةَ كُلَّها بين الصَّفا والمروة؛ منهم الزبير بن العوام، وابنه عبد الله بن الزبير) ((الاستذكار)) (4/201). والنوويُّ قال النووي: (قوله (وكان يسعى ببطنِ المسيلِ إذا طاف بين الصَّفا والمروة) هذا مجمَعٌ على استحبابه، وهو أنَّه إذا سعى بين الصَّفا والمروة استُحِبَّ أن يكون سَعْيُه شديدًا في بطن المَسيلِ) ((شرح النووي على مسلم)) (9/7).
فرع: هل على النِّساءِ هَرولةٌ في السَّعي؟ 
ليسَ على النِّساءِ هرولةٌ في السَّعيِ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:  
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المنْذر [2014] قال ابنُ المُنذر: (أجمَعوا ألا رَمل على النِّساء حول البيت، ولا في السَّعي بين الصَّفا والمروة). ((الإجماع)) (ص: 55).                                                   ، وابنُ عبد البر [2015] قال ابن عبد البَرِّ: (وأجمَعوا أنْ ليس على النِّساء رمَلٌ في طوافهنِّ بالبيت، ولا هرولةٌ في سعيهنِّ بين الصَّفا والمروة). ((التمهيد)) (2/78). ، وابنُ بطَّال [2016] قال ابنُ بطَّال: (وأجمَعوا أنَّه لا رَمَل على النِّساء في طوافهنَّ بالبيت، ولا هرولةٌ في سعيهنَّ بين الصَّفا والمروة) ((شرح صحيح البخاري)) (4/288). وهناك وجه للشافعية بأنه يستحب لهن السعي إذا كان في الليل حال خلو المسعى، قال النووي: (أمَّا المرأةُ ففيها وجهان (الصحيح) المشهورُ، وبه قطع الجمهور، أنَّها لا تسعى في موضع السَّعيِ، بل تمشي جميع المسافة سواءٌ كانت نهارًا أو ليلًا في الخَلْوة؛ لأنها عورةٌ وأَمْرُها مبنيٌّ علي السَّتْر ولهذا لا تَرْمُلُ في الطَّوافِ (والثانى) أنها [إذا] سعت في الليل حال خلو المسعى استحب لها السعي في موضع السعي كالرجل) ((المجموع)) (8/75).  
المبحث الثاني: حكمُ السَّعيِ بين الصَّفا والمروة راكبًا
المطلب الأوَّل: السَّعيُ بين الصَّفا والمروةِ راكبًا لعُذْرٍ
 يجوز السَّعيُ بين الصَّفا والمروةِ راكبًا إذا كان بعُذْرٍ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((طاف النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على راحِلَتِه بالبيت وبالصَّفا والمروةِ؛ لِيَراه النَّاسُ ولِيُشْرِفَ ولِيَسْألوه؛ فإنَّ النَّاسَ غَشُوه )) رواه مسلم (1273).
2- عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((شكوتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي أشتَكي، فقال: طُوفِي مِن وراءِ النَّاسِ وأنتِ راكبةٌ )) رواه البخاري (464)، ومسلم (1276).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ فيه دليلًا على أنَّه يجوزُ الرُّكوبُ عند العَجْزِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/22). ، والسَّعيُ كالطَّوافِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/481)، وينظر أيضًا: ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/151).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (هذا ما لا خلافَ فيه بين أهل العلم، كلُّهم يقول: إنَّ من كان له عذرٌ أو اشتكى مرضًا أنه جائزٌ له الركوبُ في طوافه بالبيت، وفي سَعْيِه بين الصَّفا والمروة، واختلفوا في جوازِ الطَّواف راكبًا لمن لم يكن له عذرٌ أو مَرَض) ((التمهيد)) (13/99). وابنُ القَيِّم قال ابنُ القيم: (والطَّوافُ والسَّعي إذا عجز عنه ماشيًا، فَعَلَه راكبًا، اتِّفاقًا) ((أعلام الموقعين)) (3/18).
المطلب الثَّاني: السَّعيُ بين الصَّفا والمروةِ راكبًا من غيرِ عُذْرٍ
اختلف أهْلُ العِلْمِ في حُكْمِ السَّعي بين الصَّفا والمروةِ راكبًا مِن غيرِ عُذْرٍ على قولينِ:
القول الأوّل: يجوز السَّعيُ بين الصَّفا والمروةِ راكبًا مِن غيرِ عُذْرٍ، ولا شيءَ عليه، وهذا مذهبُ الشَّافعيَّة قال النووي: (اتَّفقوا على أنَّ السَّعيَ راكبًا ليس بمكروهٍ، لكنَّه خلافُ الأفضل؛ لأنَّ سَبَب الكراهةِ هناك عند من أَثْبَتَها خوفُ تنجُّسِ المسجدِ بالدَّابة، وصيانَتُه من امتهانِه بها، هذا المعنى منتفٍ في السَّعي، وهذا معنى قول صاحِبِ الحاوي: الركوبُ في السَّعي أخفُّ مِنَ الركوب في الطَّوافِ) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/91)، وينظر ((المجموع)) للنووي(8/75،77)، وينظر أيضًا: ((الأم)) للشافعي (2/190). ، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ المُنْذِر: (كان أنس بن مالك يطوفُ بينهما على حمارٍ، وقد رُوِّينا عن عطاء، ومجاهد أنهما سَعَيَا على دابتين، وقال الشافعي: يُجزيه إن فعل ذلك) ((الإشراف)) (3/294). وانظر: ((المجموع)) للنووي (8/77). ، واختاره ابْنُ حَزْمٍ قال ابنُ حزم: (والطَّواف والسَّعي راكبًا جائزٌ، وكذلك رميُ الجَمْرة؛ لعذرٍ ولغير عُذر) ((المحلى)) (7/180). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (فأما السَّعي راكبًا فيُجْزِئُه لعذرٍ ولغيرِ عُذر) ((المغني)) (3/ 359). ، والشنقيطيُّ قال الشنقيطي: (اعلَمْ أنَّ أظهر أقوالِ أهل العلم دليلًا أنَّه لو سعى راكبًا أو طاف راكبًا أجزَأَه ذلك) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/321). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (وإن سعى راكبًا فلا حَرَجَ، ولا سيَّما عند الحاجةِ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/429).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَثُرَ عليه النَّاسُ يقولون: هذا محمَّدٌ، هذا محمَّدٌ. حتى خرج العواتِقُ مِنَ البيوت، وكان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُضْرَبُ النَّاسُ بين يَدَيْه، فلمَّا كَثُرَ عليه رَكِبَ، والمشيُ والسَّعيُ أفضَلُ )) رواه مسلم (1264).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طاف راكبًا، وسعى راكبًا، وهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يفعَلُ إلَّا ما يَسُوغُ فِعْلُه ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/322).
ثانيًا: أنَّ الله تعالى أمَرَ بالسَّعْيِ مطلقًا، فكيفما أتى به أجْزَأَه، ولا يجوز تقييدُ المُطْلَق بغيرِ دليلٍ ((المغني)) لابن قُدامة (3/358).
القول الثاني: لا يجوز السَّعيُ راكبًا مِن غيرِ عُذرٍ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (4/78) ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/134)، وعندهم أنَّه يَلْزَمُه إعادةُ السَّعيِ إن سعى راكبًا وإلَّا فعليه دم. ويُنْظَر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (2/461). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/151)، ويُنظر: ((المدونة)) لسحنون (1/428)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/253)، وعندهم إن تَرَك المشيَ في السَّعي ورَكِبَ فعليه دمٌ. ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/481) ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/573)، وعندهم أنَّه إن سعى راكبًا بدون عُذرٍ لم يُجْزِئْه. يُنْظَر: ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 11).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ السَّعيَ بين الصَّفا والمروةِ فَرْضٌ، فالقياسُ أن يجِبَ المشيُ فيه إلَّا لعذرٍ ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (2/96).
ثانيًا: أنَّه لا دليلَ على جوازِ السَّعي راكبًا، وما ورد عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإنَّما كان لعُذرٍ فلا يُلحَقُ به مَن لا عُذْرَ له ((نيل الأوطار)) للشوكاني (5/59).

انظر أيضا: