الموسوعة الفقهية

الفصْلُ الأوَّلُ: تعريفُ الإحرامِ، وحُكْمُه، والحِكْمَةُ منه


المبحثُ الأوَّلُ: تعريفُ الإحرامِ
الإحرامُ لغةً: هو الدُّخولُ في الحُرْمَةِ، يقال: أحرَمَ الرَّجُلُ: إذا دخَلَ في حُرمَةِ عهْدٍ أو ميثاقٍ؛ فيمتَنِعُ عليه ما كان حلالًا له ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/521)، ((المصباح المنير)) للفيومي(1/131)، ((لسان العرب)) لابن منظور (12/119- 130).
الإحرامُ اصطلاحًا: هو نِيَّةُ الدُّخولِ في النُّسُكِ قال الفيومي: (أحرَمَ الشَّخْصُ: نوى الدخولَ في حَجٍّ أو عُمْرَة، ومعناه أدخَلَ نَفْسَه في شيءٍ حَرُمَ عليه به ما كان حلالًا له، وهذا كما يقال: أنْجَدَ إذا أتى نَجْدًا، وأتْهَمَ إذا أتى تِهامَةَ) ((المصباح المنير)) (1/ 131)، وانظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/52)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/58). تنبيهٌ: مَن لَبِسَ ثيابَ الإحرامِ دُونَ نيَّةٍ؛ فليس بمُحْرِمٍ، ومَن نوى الدُّخولَ في النُّسُكِ، فهو مُحْرِمٌ، حتى وإن لم يَلْبَسْ ثيابَ الإحرامِ، لكِنَّه فَعَلَ محظورًا مِن محظوراتِه. يُنْظَر: ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/58، 69). ، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: مِنَ المالِكِيَّة ((حاشية الدسوقي)) (2/3). ، والشَّافِعِيَّة ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/265). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/305).
المبحثُ الثَّاني: حُكْمُ الإحرامِ
الإحرامُ: مِنْ فَرائِضِ النُّسُكِ، حجًّا كان أو عُمْرَةً.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّةِ )) رواه البخاري (6689)، ومسلم (1907).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لا يصِحُّ العمَلُ ولا يَثْبُتُ إلَّا بوقوعِ النيَّةِ، والإحرامُ هو نيَّةُ الدُّخولِ في النُّسُكِ؛ فلا يصِحُّ وقوعُ النُّسُكِ إلَّا بنِيَّةٍ؛ وهي الإحرامُ ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 596). وقد نقل ابنُ تيميَّة الإجماعَ على أنَّ النيَّة شرطٌ في صحة الحج فقال: (قصْد الحجِّ ونيتُه، وهذا مشروطٌ في الحجِّ بغير خلاف؛ فإنَّ الحجَّ لا يصحُّ بغير نيَّة بإجماع المسلمين). ((شرح عمدة الفقه لابن تيميَّة - من كتاب الطهارة والحج)) (3/601)
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزْمٍ قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا أنَّ الإحرامَ للحَجِّ فَرْضٌ) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42)، ولم يتعَقَّبْه ابنُ تيميَّة في ((نقد مراتب الإجماع))، وإن كان الفقهاءُ قد اختلفوا بعد ذلك في كونه رُكنًا أو شرطًا، فالجمهورُ على أنَّه ركنٌ خلافًا للحَنَفيَّة أنَّه شَرْطٌ، وعند الجميعِ لا يصِحُّ الحَجُّ بدونه.
المبحث الثَّالِثُ: حِكَمُ تَشْريعِ الإحرامِ
مِنْ حِكَمِ مَشْروعيَّةِ الإحرامِ:
1- تحقيقُ العبوديَّةِ لله، وتعظيمُه، والامتثالُ لأمْرِه ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/129-130). قال الشربيني: (قال بعضُ العلماء: والحكمةُ في تحريمِ لُبْسِ المَخِيطِ وغَيْرِه مِمَّا مُنِعَ منه الْمُحْرِمُ: أن يخرُجَ الإنسانُ عن عادَتِه، فيكونَ ذلك مُذَكِّرًا له ما هو فيه من عبادةِ رَبِّه، فيشتَغِلَ بها) ((مغني المحتاج)) (1/519).
2- إظهارُ المساواةِ بين جميعِ المُسْلمينَ: حاكِمِهم ومَحْكومِهم، غَنِيِّهم وفَقيرِهم.
3- التَّذكيرُ باليومِ الآخِرِ والحَشْرِ قال ابنُ حجر: (قال العُلَماء: والحكمةُ في مَنْعِ الْمُحْرِم من اللِّباسِ والطِّيبِ: البُعْدُ عن الترَفُّه، والاتِّصافُ بصِفَةِ الخاشِعِ، ولِيَتذَكَّرَ بالتجرُّدِ القُدُومَ على ربِّه، فيكونَ أقرَبَ إلى مراقَبَتِه وامتناعِه مِنِ ارتكابِ المحظورات) ((فتح الباري)) (3/404)

انظر أيضا: