الموسوعة الفقهية

المبحث الثالث: صومُ يومِ الشَّكِّ


المطلب الأول: تعريفُ يومِ الشَّكِّ
يومُ الشَّكِّ: هو اليومُ الثلاثون مِن شعبانَ، إذا لم تثبُتْ فيه الرؤيةُ ثبوتًا شرعيًّا ((المجموع)) للنووي (6/420) و((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (45/314).
المطلب الثاني: حُكمُ صومِ يومِ الشَّكِّ
يحرُمُ صَومُ يَومِ الشَّكِّ خوفًا من أن يكونَ من رَمَضانَ، أو احتياطًا، وهذا مذهَبُ: المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/394)، ((الكافي)) لابن عبد البر (1/348)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (2/39). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/399)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/447). إلَّا أنَّ يومَ الشَّكِّ له معنًى عندهم؛ حيث قال النووي: (قال أصحابُنا: يومُ الشَّكِّ هو يوم الثلاثين من شعبانَ، إذا وقع في ألسنةِ النَّاس أنَّه رُئِيَ ولم يقُلْ عدْلٌ إنه رآه، أو قاله وقلنا لا تُقبَل شهادةُ الواحِدِ، أو قاله عددٌ مِن النِّساءِ أو الصِّبيان، أو العبيدِ أو الفُسَّاقِ، وهذا الحَدُّ لا خلافَ فيه عند أصحابِنا، قالوا: فأمَّا إذا لم يتحدَّثْ برؤيَتِه أحدٌ، فليس بيومِ شَكٍّ، سواءٌ كانت السَّماءُ مُصْحِيةً أو أطبَقَ الغَيمَ، هذا هو المذهَبُ) ((المجموع)) (6/401). ، وروايةٌ عن أحمد قال ابنُ تيمية: (واختَلفوا في صومِ يومِ الغَيمِ، وهو ما إذا حال دونَ مَطلَعِ الهلالِ غَيمٌ أو قَترٌ ليلةَ الثَّلاثينَ مِن شعبانَ، فقال قومٌ: يجِبُ صَومُه بنيَّةٍ مِن رمضانَ احتياطًا، وهذه الرواية عن أحمد، وهى التي اختارها أكثَرُ متأخِّري أصحابِه، وحَكَوها عن أكثَرِ مُتقَدِّميهم بناءً على ما تأوَّلُوه من الحديثِ، وبناءً على أنَّ الغالِبَ على شعبانَ هو النَّقصُ، فيكون الأظهرُ طُلوعَ الهِلالِ، كما هو الغالِبُ، فيجب بغالِبِ الظَّنِّ. وقالت طائفةٌ: لا يجوز صَومُه من رمضانَ، وهذه رواية عن أحمد اختارَها طائفةٌ مِن أصحابِه، كابن عَقيلٍ والحلواني، وهو قول أبي حنيفة ومالك والشَّافعي؛ استدلالًا بما جاء من الأحاديثِ، وبناءً على أنَّ الوُجوبَ لا يثبُتُ بالشَّكِّ. (القواعد النورانية الفقهية (ص: 92) ، وهو قَولُ طائفةٍ مِن السَّلَفِ نقل النوويُّ عن الخطيب البغدادي أنَّ ممَّن قال بمَنْعِ صَومِ يَومِ الشكِّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ وعليَّ بنَ أبي طالب، وابنَ مسعود وعمارَ بنَ ياسر، وحذيفةَ بنَ اليَمانِ، وابنَ عُمَرَ وابن عباس، وأنسًا، وأبا سعيد الخدريَّ، وأبا هريرة وعائشة. وتابَعَهم من التَّابعين سعيدُ بن المسيب والقاسم بن محمد، وأبو وائل، وعبد الله ابن عكيم الجهني، وعكرمة والشعبي، والحسن وابن سيرين، والمسيب بن رافع وعمر بن عبد العزيز، ومسلم بن يسار وأبو السوار العدوي، وقتادة والضحاك بن قيس، وإبراهيم النخعي. وتابعهم من الخالفين والفقهاء المجتهدين ابنُ جريج والأوزاعي، والليث والشَّافعي، وإسحاق بن راهويه. ((المجموع)) (6/420). ، واختاره الجصَّاصُ قال الجصاص: (.. الشَّاكُّ غيرُ شاهدٍ للشَّهرِ؛ إذ هو غيرُ عالمٍ به، فغيرُ جائزٍ له أن يَصومَه عن رمضانَ) ((أحكام القرآن)) (1/255). ، وابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (ولا يجوزُ صَومُ يومِ الشَّكِّ الذي من آخِرِ شَعبانَ, ولا صيامُ اليوم الذي قبل يومِ الشكِّ المذكور، إلَّا من صادف يومًا كان يصومُه، فيصومُهما حينئذ للوَجهِ الذي كان يصومُهما له، لا لأنَّه يومُ شَكٍّ، ولا خوفًا من أن يكونَ مِن رمضانَ) ((المحلى)) (7/23). ، وابنُ عبدِ البَرِّ قال ابنُ عبد البر: (لا يجوز لأحدٍ صَومُ يومِ الشَّكِّ؛ خوفًا من أن يكونَ مِن رمضانَ) ((الكافي)) (1/348) ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (.. والصحيحُ أنَّ صَومَه محرَّمٌ إذا قصد به الاحتياطَ لِرَمضانَ) ((الشرح الممتع)) (6/479). ويومُ الشَّكِّ عنده هو يومُ الثلاثين من شعبان إن كان في السَّماءِ ما يمنَعُ من رؤيةِ الهلالِ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
عمومُ قَولِه تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..... [البقرة: 185]
وهذا لم يَشهَدِ الشَّهرَ، وصامه؛ فهو متعدٍّ لحدودِ الله عز وجلَّ.
ثانيًا: منَ السُّنَّة
1- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَقَدَّمُوا رمضانَ بِصَومِ يومٍ ولا يومينِ، إلَّا رجلٌ كان يصومُ صَومًا فلْيَصُمْه )) رواه البخاري (1914)، ومسلم (1082).
2- عن صِلَةَ بنِ زُفَرَ: ((قال كنَّا عند عمار بن ياسر، فأُتِيَ بشاةٍ مَصْلِيَّةٍ فقال: كُلُوا، فتنحَّى بعضُ القَومِ، فقال: إنِّي صائِمٌ، فقال عمَّارُ: من صامَ اليومَ الذي يَشُكُّ به النَّاسُ، فقد عصى أبا القاسِمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) رواه أبو داود (2334)، والترمذي (686)، والنسائي (4/153) واللفظ له، وابن ماجه (1645)، وعلقه البخاري بصيغة الجزم قبل حديث (1906) مختصرا بنحوه. قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الدارقطني كما في ((الدراية)) (1/277)، وابن حجر في ((تغليق التعليق)) (3/140)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (2187). وانظر: ((تغليق التعليق)) (3/139).
3- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الشَّهرُ تسِعٌ وعِشرونَ ليلة، فلا تصومُوا حتى تَرَوْه، فإنْ غُمَّ عليكم فأكمِلُوا العِدَّةَ ثلاثينَ )) رواه البخاري (1907)، ومسلم (1080).
وجه الدلالة:
قوله: ((أكمِلُوا العِدَّةَ ثلاثين)) أمرٌ، والأصلُ في الأمرِ الوُجوبُ، فإذا وجَبَ إكمالُ شَعبانَ ثلاثينَ يومًا، حَرُمَ صَومُ يَومِ الشَّكِّ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/ 306).

انظر أيضا: