الموسوعة الفقهية

المبحث الرابع: صِفَةُ المعدِن الذي تجِبُ فيه الزَّكاةُ


اختلف أهلُ العِلمِ في صِفَةِ المَعدِنِ الذي تجِبُ فيه الزَّكاةُ على أقوالٍ، أقواها:
القول الأوّل: يُشترَطُ في المعدِنِ الذي تجِبُ فيه الزَّكاةُ أن يكونَ مِنَ الذَّهَبِ أو الفِضَّةِ، وهذا مذهبُ المالكيَّة ، والشافعيَّة ، وقولٌ للحَنابِلَة ، واختاره ابنُ حَزمٍ ، والألبانيُّ ، واستظهره الصنعانيُّ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنه حقٌّ يتعلَّقُ بالمُستفادِ مِنَ الأرضِ، فاختصَّ بالأثمانِ، كحقِّ المَعدِن
ثانيًا: أنَّ الأصلَ عدمُ الوُجوبِ، أمَّا الذَّهَبُ والفِضَّةُ فقد ثبتَتِ الزَّكاةُ فيهما بالإجماعِ
ثالثًا: أنَّ الأصلَ في أموالِ العِبادِ التي قد دخَلَتْ في أملاكِهم بوجهٍ مِنَ الوُجوهِ المقتضِيَةِ للمِلك؛ هو الحُرمةُ، ولا يجوز أخْذُ شيءٍ منها إلَّا بطيِبَةٍ مِن نفسِ مَالِكِها
القول الثاني: لا يُشتَرَطُ أن يكون المَعدِنُ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، بلْ هو يعمُّ كلَّ ما وُجِدَ مِمَّا له قِيمةٌ مِن جَوهرٍ، وذهَبٍ وفِضَّةٍ، ورصاصٍ ونُحاس، وحديدٍ، وكذلك المعادِنُ الجارِيَةُ، كالقار، والنِّفط، والكبريت، ونحو ذلك ، وهذا مذهَبُ الحَنابِلَة ، وقولُ الشَّافعيِّ في القديمِ ، واختاره احتياطًا ابنُ عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [البقرة: 267]
وجْهُ الدَّلالةِ:
عمومُ الآيةِ، فتجِبُ الزَّكاةُ ممَّا أخرَجَ اللهُ مِنَ الأرضِ، ولم يخُصَّ به نوعًا دونَ نَوعٍ
ثانيًا: أنَّه مَعدِنٌ، فتعلَّقَتِ الزَّكاةُ بالخارِجِ منه، كالأثمانِ
ثالثًا: أنَّه مالٌ لو غنِمه وجَبَ عليه خُمُسُه، فإذا أخرَجَه مِن مَعدِنٍ، وجبتْ فيه الزَّكاةُ كالذَّهَبِ
رابعًا: أنَّه مالٌ يُقَوَّمُ بالذَّهَبِ والفِضَّةِ، مُستفادٌ مِنَ الأرضِ، فتجِبُ فيه الزَّكاةُ، لا فَرْق في ذلك بين نوعٍ ونَوعٍ



انظر أيضا:

  1. (1) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدِ البَرِّ (1/296، 298)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (1/486).
  2. (2) ((المجموع)) للنووي (6/75، 98)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/282).
  3. (3) ((المغني)) لابن قدامة (3/50).
  4. (4) قال ابنُ حَزْم: (لا شيءَ في المعادِن, وهي فائدةٌ, لا خُمُسَ فيها، ولا زكاةَ معجَّلة, فإنْ بَقِيَ الذَّهَبُ والفضَّةُ عند مستخرِجِها حولًا قمريًّا, وكان ذلك مقدارَ ما تجب فيه الزَّكاة- زكَّاه, وإلَّا فلا) ((المحلى)) ( رقم 700).
  5. (5) قال الألبانيُّ: (إنَّ إيجابَ الزَّكاةِ في جميعِ المعادن، ومجاوزةَ ذلك إلى صيدِ البَرِّ والبَحرِ، والمسك والحَطَب والحشيش - كما فعله كثيرٌ مِنَ المصنِّفين-: ليس بصوابٍ؛ لعدم وجودِ دليلٍ يدلُّ على ذلك، والأصلُ في أموالِ العِبادِ التي قد دخلتْ في أملاكِهم بوجهٍ مِنَ الوجوهِ المقتضِيَةِ للمِلكِ؛ هو الحُرمةُ، ولا يجوز أخْذُ شيءٍ منها إلَّا بِطِيبَةٍ مِن نفْسِ مالِكِها: ((لا يَحِلُّ مالُ امرئٍ مسلِمٍ إلَّا بطِيبةٍ مِن نفْسِهـ))، وإلا كان أكْلًا بالباطِلِ؛ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ والمتيقَّن وجوبُ الخُمُسِ في الغنيمةِ مِنَ القتال، وفي مَعدِنِ الذَّهَب والفضة؛ لِمَا أخرَجَه البيهقيُّ في حديثِ الرِّكازِ بزيادةِ: قيل: وما الرِّكازُ يا رسولَ الله؟! قال: ((الذَّهَبُ والفِضَّة التي خُلِقَتْ في الأرضِ يومَ خُلِقَتْ))، وهو - وإن كان في إسنادِه سعيدُ بن أبي سعيد المَقْبُري- فهو لا يقصُرُ عن صلاحيَّةِ حديثه للتفسيرِ؛ فليُعْلَمْ). ((التعليقات الرضية على الروضة الندية)) (1/562، 563).
  6. (6) قال الصنعانيُّ: (المتيقَّنُ بالنصِّ الذَّهَبُ والفضة، وما عداهما الأصلُ فيه عدمُ الوُجوبِ حتى يقومَ الدَّليلُ، وقد كانت هذه الأشياءُ موجودةً في عصرِ النبوَّةِ، ولا يُعلَمُ أنَّه أخَذ فيها خُمُسًا، ولم يرِدْ إلَّا حديثُ الرِّكاز، وهو في الأظهَرِ في الذَّهَبِ والفِضَّة) ((سبل السلام)) (2/136).
  7. (7) ((المجموع)) للنووي (6/98).
  8. (8) ((المجموع)) للنووي (6/77).
  9. (9) ((التعليقات الرضية على الروضة الندية)) للألباني (1/562، 563).
  10. (10) قال العراقي: (ذكر ابنُ حَزمٍ أنَّ الأمَّة مُجمِعةٌ على أنَّه لا زكاةَ في الصُّفْر والحديدِ، والرَّصاص والقصدير، وأنَّ طائفةً قالوا بوجوب الزَّكاةِ فيها عند امتزاجِها في المعدِنِ بالذَّهَبِ أو الفضة، وأسقطوا الزَّكاةَ عنها إذا كانت صِرفًا اهـ. وقد عرَفْتَ أن الحَنَفيَّةَ والحَنابِلَة أوجبوا الإخراجَ مِن سائِرِ المعادن، ولو كانت غيرَ ذَهَبٍ وفضة، إلَّا أنَّ الحَنَفيَّة أوجبوا الخُمُسَ وجعلوه فيئًا، والحَنابِلَة أوجبوا رُبُعَ العشر وجعلوه زكاةً). ((طرح التثريب)) (4/25).
  11. (11) ((كشَّاف القناع)) للبهوتي (2/222)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/52).
  12. (12) ((المجموع)) للنووي (6/98)
  13. (13) قال ابنُ عُثيمِين: (هل تجِبُ في كلِّ المعادن، أو نقول: إنْ كان المعدِنُ ممَّا تجِبُ الزَّكاةُ في عينِه كالذَّهَبِ والفِضَّة ففيه الصَّدقة، وإنْ كان ممَّا لا تجِبُ في عينه كالنُّحاس والرصاص وما أشبَهَه؛ فإنْ قُصِدَ به التِّجارةُ فهو عُروضُ تِجارةٍ، وإلَّا فلا شيءَ فيه؛ اختلف العلماءُ في ذلك... والاحتياطُ أن يُخرِجَ الإنسانُ زكاةَ المَعدِن مُطلقًا). ((شرح بلوغ المرام)) (3/85).
  14. (14) ((المغني)) لابن قدامة (3/53).
  15. (15) ((المغني)) لابن قدامة (3/53).
  16. (16) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطَّال (3/554)، ((المغني)) لابن قدامة (3/53).
  17. (17) ((المغني)) لابن قدامة (3/53).