المبحث الثاني: زكاةُ الأوراقِ النقديَّة
المطلب الأوَّل: تعريفُ الورَق النقديِّ:الورق النقديُّ: هي قطعةٌ مِن وَرَقٍ خاصٍّ، تُزيَّنُ بنقوشٍ خاصَّة، وتحمِلُ أعدادًا صحيحةً، يقابِلُها في العادةِ رصيدٌ معدِنيٌّ بنسبةٍ خاصَّةٍ يحدِّدُها القانونُ، وتَصدرُ إمَّا من الحكومةِ، أو من هيئةٍ تُبيحُ لها الحكومةُ إصدارَها؛ ليتداوَلَها النَّاسُ عُملةً، وتسمَّى بأسماءٍ خاصَّة، كالرِّيال، والجُنيه، والدِّينار، والدِّرهم، واليِنِّ، والدولار، واليورو
المطلب الثاني: زكاة الأوراق النقديَّة وحُكم ضمِّها إلى الذَّهَبِ والفضَّةِ الفرع الأوَّل: حُكمُ زكاةِ الأوراقِ النقديَّةِتجِبُ زكاةُ الوَرَق النقديِّ، وبه صدرَ قرارُ المجمَعِ الفقهيِّ التابِعِ لرابطةِ العالَم الإسلاميِّ
، واللَّجنة الدَّائمة
، واختاره
ابنُ باز
، و
ابنُ عُثيمين
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ1- قال الله تعالى:
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة: 34 – 35]وجه الدَّلالة: أنَّ في قوله:
وَلَا يُنفِقُونَهَا إيماءً إلى أنَّ المرادَ بالذَّهَبِ والفضَّةِ نقودُهما؛ لأنَّها هي المُعدَّةُ للإنفاقِ، والآلةُ المباشِرَةُ له، والضميرُ عائد عليهما باعتبارِهما دراهمَ ودنانيرَ، أي: باعتبارِهما نقودًا
2- قوله تعالى:
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة: 103]وجه الدَّلالة: عمومُ الآيةِ في إيجابِ الزَّكاةِ في الأموالِ؛ فإنَّ الأموالَ المعتمَدةَ اليومَ هي الأوراقُ النقديَّةُ
ثانيًا: من السُّنَّة3- عن أبى سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
((ليس فيما دون خمْسِ أواقٍ مِنَ الوَرِقِ صَدَقةٌ ))
وجه الدَّلالة: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم خصَّ الصَّدقةَ في الرِّقَة مِن بينِ الفضَّة، وأعرَضَ عن ذِكر سواها، فلم يقلْ: إذا بلغَتِ الفضَّة كذا ففيها كذا، ولكنَّه اشتَرَط الرِّقَةَ مِن بينها، ولا يقَعُ هذا الاسمُ في الكلامِ المعقول عند العربِ إلَّا على الوَرِقِ المنقوشةِ ذات السِّكَّة السَّائرةِ في النَّاسِ، وفي حُكمِها الأوراقُ النقديَّةُ
4- عن
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما،
((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لِمُعاذِ بنِ جَبلٍ رَضِيَ اللهُ عنه لَمَّا بعثه إلى اليمن: وأعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترَضَ عليهم صدقةً في أموالِهم ))
وجه الدَّلالة:أنَّ الأوراقَ النَّقديةَ تدخُلُ في عمومِ الأموالِ
ثالثًا: أنَّ الدِّرهَم والدِّينارَ لا يُعرَف له حدٌّ طَبَعيٌّ ولا شرعيٌّ، بل مرجِعُه إلى العادة والاصطلاح؛ وذلك لأنَّه في الأصلِ لا يتعلَّقُ المقصودُ به، بل الغَرَضُ أن يكون معيارًا لِمَا يتعاملون به، فهي لا تُقصَدُ لِنفسِها، بل هي وسيلةٌ إلى التَّعامُلِ بها؛ ولهذا كانت أثمانًا، فالوسيلةُ المحضةُ التي لا يتعلَّقُ بها غَرَضٌ، لا بمادَّتِها ولا بصورَتِها يحصُلُ بها المقصودُ كيفما كانت، ومن ذلك الأوراقُ النقديَّةُ اليوم
رابعًا: أنَّ الوَرِقَ النقديَّ يلقى قَبولًا عامًّا في التَّداوُلِ، ويحمِلُ خصائِصَ الأثمانِ؛ مِن كونِه مقياسًا للقِيَم، ومستودَعًا للثَّروةِ، وبه الإبراءُ العامُّ
خامسًا: أنَّ الوَرَق النقديَّ موغِلٌ في الثَّمَنيَّة إيغالًا شديدًا، بل أصبح اليوم ثمنًا للذَّهَب والفضَّة نفسِهما، فوجَبَ اعتبارُه نقدًا قائمًا بذاته، كقيامِ النَّقديَّة في الذَّهَبِ والفضَّة؛ لوجودِ مناطِ الحُكمِ فيها
سادسًا: أنَّه يلزَمُ مِن عدَمِ اعتبارِ الأوراقِ النَّقديَّة من النقودِ أنَّه لا رِبًا بين النَّاسِ اليوم؛ لأنَّ غالِبَ تعامُلِهم بالأوراقِ النقديَّة، ولا زكاةَ على من يملِكُ الملايينَ مِن هذه الأوراقِ ما لم يُعِدَّها للتِّجارة، وهذه لوازِمُ باطلة، ولا يستقرُّ عليها قَدَمُ عالِمٍ
الفرع الثاني: ضمُّ الأوراقِ النقديَّةِ مع غيرها مِنَ الأثمانِ والعُروضِ المُعدَّة للتِّجارةيجب ضمُّ الأوراقِ النقديَّةِ مع غيرها مِنَ الأثمانِ والعُروضِ المعدَّةِ للتِّجارة؛ لتكميلِ النِّصَاب، وبه صدَر قرارُ المجمَعِ الفقهيِّ التَّابِعِ لرابطة العالَمِ الإسلاميِّ
، واللَّجنة الدَّائمة
، واختاره
ابنُ باز
المطلب الثالث: ِنِصابُ الأوراقِ النقديَّةِ نِصابُ الأوراقِ النقديَّة، هو أدنى النِّصابينِ مِنَ الذَّهَبِ أو الفضَّة
، وبهذا صدَرَ قرارُ المجمَعِ الفقهي التابِعِ لرابطةِ العالَمِ الإسلاميِّ
، وقرارُ هيئةِ كبارِ العُلماءِ بالسعوديَّةِ
، وهو أيضًا اختيارُ اللَّجنة الدَّائمة
، و
ابنِ باز
؛ وذلك مراعاةً لمصلحةِ الفُقَراء؛ إذ التقديرُ بأدنى النِّصَابينِ أنفعُ لهم؛ إذ به تجِبُ الزَّكاةُ على أكبَرِ عددٍ مِنَ المسلمينَ