الموسوعة الفقهية

المبحث الثَّاني: حُكم قصِّ الشَّارب


يُسَنُّ قَصُّ الشَّارب، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (4/67)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/405). ، والمالكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 382)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (13/279)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/96). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/287)، وينظر: ((طرح التثريب)) للعراقي (2/72). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/151)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (1/105). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال العراقيُّ: (فيه استحبابُ قصِّ الشَّارِبِ، وهو مُجمَعٌ على استحبابِه، وذهب بعض الظَّاهريَّة إلى وجوبِه). ((طرح التثريب)) (2/72). قال الشَّوكاني: (قوله: ((وقصُّ الشُّارب)) هو سُنَّةٌ بالاتِّفاقِ) ((نيل الأوطار)) (1/109). لكن قال ابن حزم: (أمَّا قصُّ الشَّارِبِ ففرْضٌ) ((المحلى)) (1/423). وقال ابن حجر: (ذهب ابن العربيِّ إلى القَولِ بوُجوبِ جَميعِ خِصال الفِطرةِ، وفي ذلك يقول: (والذي عندي أنَّ الخصالَ الخَمسَ المذكورةَ في هذا الحديثِ كلُّها واجبةٌ؛ فإنَّ المرءَ لو ترَكها لم تبقَ صُورَتُه على صورةِ الآدميِّين؛ فكيف مِن جملةِ المسلمين؟!) كذا قال في شرح الموطَّأ، وتعقَّبه أبو شامةَ بأنَّ الأشياءَ التي مقصودها مطلوبٌ لتحسينِ الخَلقِ، وهي النَّظافةُ، لا تحتاج إلى ورودِ أمرِ إيجابٍ للشَّارِعِ فيها؛ اكتفاءً بدواعي الأنفُسِ، فمجرَّدُ النَّدبِ إليها كافٍ، ونقل ابن دقيق العيد عن بعضِ العُلَماء أنَّه قال: دلَّ الخَبَرُ على أنَّ الفِطرةَ بمعنى الدِّينِ، والأصل فيما أُضيفَ إلى الشيءِ أنَّه منه أن يكونَ مِن أركانِه لا مِن زَوائِدِه، حتى يقومَ دليلٌ على خلافه، وقد ورد الأمرُ باتِّباعِ إبراهيمَ عليه السَّلام، وثبَت أنَّ هذه الخصالَ أُمِر بها إبراهيمُ عليه السَّلام، وكلُّ شيءٍ أمَر اللهُ باتِّباعه فهو على الوجوبِ لِمَن أُمِرَ به، وتُعقِّبَ بأنَّ وجوبَ الاتباعِ لا يقتضي وجوبَ كلِّ متبوعٍ فيه، بل يتمُّ الاتِّباعُ بالامتثالِ؛ فإن كان واجبًا على المَتبوعِ، كان واجبًا على التَّابع، أو ندبًا فنُدِبَ، فيتوقَّفُ ثُبوتُ وُجوبِ هذه الخِصال على الأمَّةِ، على ثُبوتِ كَونِها كانت واجبةً على الخَليلِ عليه السَّلام). ((فتح الباري)) (10/340).
الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((الفِطرةُ خَمسٌ: الخِتان، والاستحدادُ، وقصُّ الشَّارب، وتقليمُ الأظفارِ، ونتْفُ الآباطِ )) رواه البخاري (5891) واللفظ له، ومسلم (257).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عشرٌ مِن الفِطرة: قصُّ الشَّارب، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستنشاقُ الماءِ، وقصُّ الأظفارِ، وغَسلُ البَراجِمِ، ونتْفُ الإِبْطِ، وحلْقُ العانةِ، وانتقاصُ الماءِ )) قال زكريا: قال مصعب: ونَسِيتُ العاشرةَ إلَّا أن تكونَ المَضمضةَ رواه مسلم (261).
3- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((جُزُّوا الشَّوارِبَ، وأرْخوا اللِّحى؛ خالِفوا المَجوسَ )) رواه مسلم (260).

انظر أيضا: