الموسوعة الفقهية

المطلب الأول: حُكمُ صَلاةِ الاستِسقاءِ


صلاةُ الاستسقاءِ سُنَّةٌ، وهذا مذهبُ الجمهورِ: المالِكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/255، 268)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/432)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 60). ، الشافعيَّة ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (3/65)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/413). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/66)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/319). ، وبه قال محمَّد وأبو يوسف من الحَنَفيَّة ((العناية)) للبابرتي (2/92-93)، ((الدر المختار)) للحصكفي، مع ((حاشية ابن عابدين)) (2/184). ، وحُكي الإجماعُ على مشروعيَّتها قال ابنُ المنذر: (ثبَت أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى صلاةَ الاستسقاءِ وخطَب، وبه قال عوامُّ أهل العِلم، إلى أنْ جاء النعمان فقال: لا صلاةَ في الاستسقاء، إنَّما فيه دُعاء!) ((الإشراف)) (2/192). وقال ابنُ بطَّال: (قال سائرُ الفُقهاء، وأبو يوسف ومحمَّد: إنَّ صلاة الاستسقاء سُنَّةٌ، ركعتان؛ لثبوتِ ذلك عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وليس تقصيرُ مَن قصر عنها بحُجَّة على مَن ذَكَرها، بل الذي رواها أَوْلى؛ لأنَّها زيادة يجب قَبولُها) ((شرح صحيح البخاري)) (3/5). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (قال أبو يُوسفَ ومحمَّدٌ، ومالك، والشافعي، وسائرُ فقهاء الأمصار: صلاةُ الاستسقاءِ سُنَّةٌ، ركعتان، يجهَر فيهما بالقِراءة) ((الاستذكار)) (2/427). وقال ابنُ رُشد: (واختلَفوا في الصَّلاة في الاستسقاءِ، فالجمهورُ على أنَّ ذلك من سُنَّة الخروج إلى الاستسقاء إلَّا أبا حنيفة، فإنَّه قال: ليس من سُنَّة الصَّلاة) ((بداية المجتهد)) (1/214). وقال النوويُّ: (واختلفوا؛ هل تُسَنُّ له صلاةٌ أم لا؟ فقال أبو حنيفة: لا تُسنُّ له صلاة، بل يُستسقى بالدُّعاء، بلا صلاة. وقال سائرُ العلماء من السَّلَف والخَلَف الصَّحابة والتابعون فمَن بَعدَهم: تُسنُّ الصَّلاة، ولم يُخالفْ فيه إلَّا أبو حنيفة)) ((شرح النووي على مسلم)) (6/187). وقال ابنُ جُزَيٍّ: (في أحكامِ صَلاة الاستسقاءِ، وهي سُنَّة اتِّفاقًا سببُها الحاجةُ إلى ماءِ السَّماءِ أو الأرضِ؛ لزرعٍ أو شُربِ حيوانٍ، في بَرٍّ أو بَحر) ((القوانين الفقهية)) (ص: 60). وقال ابنُ حجرٍ: (وقد اتَّفق فقهاء الأمصار على مشروعيَّة صلاة الاستسقاء). ((فتح الباري)) (2/492). وقال الشوكانيُّ: (وقد دلَّت الأحاديثُ الكثيرةُ على مشروعيَّة صلاة الاستِسقاء، وبذلك قال جمهورُ العلماء من السَّلف والخَلَف، ولم يخالفْ في ذلك إلَّا أبو حنيفة) ((نيل الأوطار)) (4/9).
الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ زيدِ بنِ عاصمٍ، قال: ((رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومًا خرَج يَستسقي، قال: فحوَّل إلى الناسِ ظَهرَه، واستقبل القِبلةَ يَدْعو، ثم حوَّلَ رِداءَه، ثم صلَّى لنا ركعتينِ، جهَر فيهما بالقِراءةِ )) رواه البخاري (1025)، ومسلم (894).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((شكَا الناسُ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قحوطَ المطرِ، فأمَرَ بمِنبَرٍ فوُضِع له في المصلَّى، ووَعَد الناس يومًا يَخرُجون فيه، قالت عائشةُ: فخرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين بدأ حاجبُ الشَّمس، فقَعَد على المِنبَرِ، فكَبَّر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحمِد الله عزَّ وجلَّ، ثم قال: إنَّكم شكوتم جَدْبَ دِيارِكم، واستئخارَ المطرِ عن إبَّان زَمانِه عنكم، وقدْ أمرَكم الله عزَّ وجلَّ أن تَدْعُوه، ووعدَكم أن يَستجيبَ لكم... ثم رفَع يديه، فلم يزلْ في الرَّفْعِ حتى بدَا بياضُ إِبْطَيه، ثم حوَّل إلى الناسِ ظَهرَه، وقَلَبَ أو حَوَّل رداءَه، وهو رافعٌ يديه، ثم أقْبَل على الناسِ، ونزَل فصَلَّى ركعتينِ، فأنشأ اللهُ سحابةً، فرعدَتْ وبرَقتْ، ثم أمطرتْ بإذن الله، فلم يأتِ مسجدَه حتى سالتِ السيولُ، فلمَّا رأى سُرعتَهم إلى الكِنِّ ضَحِكَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى بدَتْ نواجذُه، فقال: أَشهَدُ أنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وأنِّي عبدُ اللهِ ورسولُه )) [7013] رواه أبو داود (1173)، وابن حبان في ((الصحيح)) (991)، والحاكم (1/476). قال أبو داود: غريبٌ، إسنادُه جيِّد، وصحَّحه النوويُّ في ((المجموع)) (5/63)، وابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (5/151)، وجوَّد إسنادَه ابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (143)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1173)، والوادعيُّ في ((صحيح دلائل النبوة)) (250).

انظر أيضا: