الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ السَّابع: اصطفافُ المأمومِينَ في الصَّلاةِ


الفَرعُ الأوَّل: أمْرُ الإمامِ مَن خلفَه بتسويةِ الصُّفوفِ
يُسنُّ للإمامِ أن يأمُرَ المأمومِينَ بتسويةِ الصُّفوفِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة [4548] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/136). ، والمالِكيَّة [4549] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/134)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/78). ، والشافعيَّة [4550] ((المجموع)) للنووي (4/225)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/97). ، والحَنابِلَة [4551] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/328)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدِّين ابن قدامة (1/504). ، وحُكي الإجماعُ على مشروعيَّةِ تسويةِ الصفوفِ، وأنَّه مأمورٌ بها [4552] قال ابنُ حزم: (كان عمرُ يبعث رِجالًا يسوُّون الصفوف، فإذا جاؤوه كبَّر، وعن مالك، عن أبي النضر، عن مالك بن أبي عامرٍ، قال: كان عثمانُ بن عفَّان لا يُكبِّر حتى يأتيَه رجالٌ قد وكلهم بتسوية الصُّفوف، فيُخبرونه أنَّها قد استوتْ فيكبِّر. وعن وكيع، عن مِسعَر بن كِدَام، عن عبد الله بن مَيسرةَ، عن مَعقِل بن أبي قيس، عن عُمر بن الخطَّاب: أنه كان ينتظر بعدَما أُقيمت الصلاة قليلًا، ورُوِّينا عن الحسنِ بن عليٍّ رضي الله عنهما نحوُ هذا. فهذا فِعل الخليفتينِ بحضرة الصَّحابة رضي الله عنهم، وإجماعهم معهم على ذلك) ((المحلى)) (3/31، 32). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (وأمَّا حديث مالك بن أبي عامر عن عُثمان بن عفَّان في تسوية الصُّفوف، فهو أمرٌ مُجتمَع عليه) ((الاستذكار)) (2/28). وقال أيضًا: (وأمَّا تسوية الصُّفوف في الصلاة فالآثار فيها متواترةٌ من طُرق شتَّى صِحاح كله ثابتةٌ في أمر رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتسوية الصُّفوف، وعمَل الخلفاء الراشدين بذلك بعدَه، وهذا ما لا خلافَ فيما بين العلماء فيه) ((الاستذكار)) (2/288). وقال ابنُ رُشد: (أجمع العلماء على أنَّ الصفَّ الأوَّل مرغَّب فيه، وكذلك تراصُّ الصفوف وتسويتها؛ لثبوتِ الأمْر بذلك عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((بداية المجتهد)) (1/149). وقال النوويُّ: (قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أقيموا صُفوفَكم» أمر بإقامةِ الصفوف، وهو مأمورٌ به بإجماع الأمَّة، وهو أمرُ ندب، والمرادُ تسويتها والاعتدالُ فيها، وتتميمُ الأوَّل فالأوَّل منها، والتراص فيها) ((شرح النووي على مسلم)) (4/119).
الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((سَوُّوا صفوفَكم؛ فإنَّ تسويةَ الصفِّ من تمامِ الصَّلاةِ )) رواه البخاري (723)، ومسلم (433).
2- عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لَتُسونَّ صفوفَكم، أو ليُخالفنَّ اللهُ بين وجوهِكم )) رواه البخاريُّ (717)، ومسلم (436).
الفرعُ الثَّاني: حُكْمُ تسوِيَةِ الصُّفوفِ
اختلف العلماءُ في حُكْمِ تَسْوِيَةِ الصُّفوفِ على قولينِ:
القول الأول: تُسنُّ تسويةُ الصُّفوفِ [4555] قال النوويُّ: (والمرادُ بتسوية الصفوف: إتمامُ الأوَّل فالأوَّل، وسدُّ الفُرَج، ويحاذى القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدرُ أحدٍ ولا شيءٌ منه على مَن هو بجنبه، ولا يَشرع في الصفِّ الثاني حتى يتمَّ الأول، ولا يقف في صفٍّ حتى يتمَّ ما قبلَه). ((المجموع)) (4/226). في الصَّلاة، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة [4556] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/136), ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 206،207). ، والمالِكيَّة [4557] ((التنبيه على مبادئ التوجيه)) لابن بشير (1/507)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/527). ، والشافعيَّة [4558] ((المجموع)) للنووي (4/301)، وينظر: ((المنهاج القويم)) لابن حجر الهيتمي (ص: 164). ، والحَنابِلَة [4559] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/30)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/328).
الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:
1- عن أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أقِيموا صفوفَكم وتراصُّوا؛ فإنِّي أَراكُم من وراءِ ظَهري )) أخرجه البخاري (719)، وأخرجه مسلم (434) بنحوه.
2- وعنه أيضًا قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((رصُّوا صُفوفَكم، وقارِبوا بينها، وحاذوا بالأعناقِ )) أخرجه أبو داود (667)، والنسائي (815)، وأحمد (13735)، وابن خُزَيمة (1545)، وابن حبَّان (6339) صحَّحه ابنُ دقيق العيد ((الاقتراح)) (93)، والنوويُّ في ((خلاصة الأحكام)) (2/707)، والألباني كما في ((صحيح الجامع)) (3505).
3- وعنه أيضًا قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((سوُّوا صفوفَكم؛ فإنَّ تسوية الصفوف مِن إقامةِ الصَّلاة )) أخرجه البخاري (723).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ إقامة الصفوف سنةٌ مندوب إليها، فإقامة الصلاة قد تقع على السُّنَّة، كما تقع على الفريضةِ ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (2/347).
القول الثاني: تجبُ تسويةُ الصُّفوف، وهو قولُ ابنِ حزمٍ [4564] قال ابن حزم: (تسويةُ الصفِّ إذا كان من إقامةِ الصَّلاة فهو فرضٌ؛ لأنَّ إقامة الصلاة فرضٌ؛ وما كان من الفَرْضِ فهو فرض) ((المحلى)) (2/375). ، وابن تيميةَ [4565] قال المرداوي: (فالصحيحُ من المذهب، وعليه الأصحابُ: أنَّ تسويةَ الصُّفوفِ سنَّةٌ، وظاهر كلام الشيخ تقي الدين وجوبُه) ((الإنصاف)) (2/30)، وينظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/331)، ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (3/80). ، وابنِ حجرٍ [4566] قال ابن حجر: (في هذا الحديث قوله: ((أو ليخالِفَنَّ اللهُ بين وجوهكم)) أي إن لم تُسَوُّوا، والمراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمينَ بها على سَمْتٍ واحد، أو يراد بها سَدُّ الخلل الذي في الصف... واختُلِفَ في الوعيد المذكور، فقيل: هو على حقيقته والمراد تسوية الوجه بتحويل خَلْقِه عن وضعه بجَعْلِه موضع القفا أو نحو ذلك؛ فهو نظير ما تقدَّم من الوعيد فيمن رفع رأسَه قبل الإمام أن يجعل اللهُ رأسَه رأسَ حمارٍ، وفيه من اللَّطائف وقوعُ الوعيدِ من جنس الجنايَة، وهي المخالَفَة، وعلى هذا فهو واجِبٌ، والتفريطُ فيه حرام) ((فتح الباري)) (2/207). ، والعينيِّ [4567] قال العيني: (قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (فإنَّ تسويةَ الصفِّ من تمام الصلاةِ). فإن قلت: الأصلُ في الأمر الوجوبُ، ولا سيما فيه الوعيدُ على ترك تسوية الصفوف، فدلَّ على أنها واجبة. قلت: هذا الوعيدُ من باب التغليظ والتشديدِ تأكيدًا وتحريضًا على فِعْلِها، كذا قاله الكرماني، وليس بسديدٍ. لأنَّ الأمر المقرون بالوعيد يدلُّ على الوجوبِ، بل الصواب أن يقول: فلتكُنِ التسويةُ واجبةً بمقتضى الأمر، ولكنها ليست من واجباتِ الصلاة بحيث إنَّه إذا تركها فَسَدَت صلاتُه أو نَقَصَتها. غايةُ ما في الباب إذا تركها يأثَمُ) ((عمدة القاري)) (5/254). وقال أيضًا: (ومما يستفاد منه: جوازُ الكلامِ بين الإقامة وبين الصلاة، ووجوبُ تسويةِ الصفوف) ((عمدة القاري)) (5/255). ، والصنعانيِّ [4568] قال الصنعاني: (وهذه الأحاديث، والوعيد الذي فيها؛ دالةٌ على وجوبِ ذلك، وهو مما تساهل فيه النَّاس كما تساهلوا فيما يفيده حديثُ أنسٍ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أتِمُّوا الصفَّ المقَدَّم، ثم الذي يليه، فما كان من نقْصٍ، فليَكُنْ في الصَّفِّ المؤَخَّر)) ((سبل السلام)) (2/29). ، وابنِ عثيمينَ [4569] قال ابن عثيمين: (القولُ الرَّاجِحُ في هذه المسألة: وجوبُ تَسْوِيَة الصف، وأنَّ الجماعة إذا لم يُسَوُّوا الصَّفَّ فهم آثمون، وهذا هو ظاهِرُ كلام شيخ الإسلام ابنِ تيميَّة رحمه الله) ((الشرح الممتع)) (3/10). ، وبه أفتتِ اللجنةُ الدَّائمة [4570] قالت اللجنة الدائمة: (الدليلُ على تسويَةِ الصُّفوفِ قَوْلُ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لَتُسَوُّنَّ صُفوفَكم أو ليُخالِفَنَّ اللهُ بين قلوبكم» وهذا الوعيد على تَرْكِ واجب؛ لأنَّ المستحَبَّ لا يعاقَبُ تارِكُه) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (6/324).
الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:
1- عن أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عنه، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أقِيموا صفوفَكم وتراصُّوا؛ فإنِّي أَراكُم من وراءِ ظَهري )) أخرجه البخاري (719)، وأخرجه مسلم (434) بنحوه.
2- وعنه أيضًا قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((رصُّوا صُفوفَكم، وقارِبوا بينها، وحاذوا بالأعناقِ )) أخرجه أبو داود (667)، والنسائي (815)، وأحمد (13735)، وابن خُزَيمة (1545)، وابن حبَّان (6339) صحَّحه ابنُ دقيق العيد (الاقتراح) (93)، والنوويُّ في ((خلاصة الأحكام)) (2/707)، والألباني كما في ((صحيح الجامع)) (3505).
3- وعنه أيضًا قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((سوُّوا صفوفَكم؛ فإنَّ تسوية الصفوف مِن إقامةِ الصَّلاة )) أخرجه البخاري (723).
4- عن النُّعمان بن بشير قال: ((كان رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يسوِّي صفوفَنا كأنما يُسوِّي به القِداح، حتى رأى أنَّا قد عقلنا عنه، ثم خرَج يومًا فقام حتى كاد أن يكبِّر، فرأى رجلًا باديًا صدرُه مِن الصفِّ، فقال: عبادَ اللهِ، لَتُسَوُنَّ صفوفَكم أو ليخالفنَّ اللهُ بينَ وجوهِكم )) أخرجه البخاري (717) مختصرًا، ومسلم (436).
وَجْهُ الدَّلالَةِ مِنَ الأحاديثِ:
أنَّ الأمرَ في هذه الأحاديثِ والوعيدَ الوارِدَ فيها؛ يدلُّ على الوجوبِ ((سبل السلام)) للصنعاني (2/29)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/223)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (3/10).
الفرعُ الثالث: حُكمُ الصَّلاةِ بينَ السَّواري
يُكرَهُ للمأمومينَ الوقوفُ بين السَّواري إذا قَطعتْ صُفوفَهم، إلَّا عندَ الحاجةِ، كضِيق المسجدِ؛ فلا يُكرَه قال ابن العربي: (ولا خلافَ في جوازِه عندَ الضِّيق، وأما مع السَّعة فهو مكروهٌ). ((عارضة الأحوذي)) (1/285). ، وهو مذهبُ المالِكيَّة [4577] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/433)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/106). , والحَنابِلَة [4578] ((الإقناع)) للحجاوي (1/174)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/494). ، وقولُ إسحاقَ قال الترمذيُّ: (وقد كِره قومٌ من أهل العِلم: أن يصفَّ بين السواري، وبه يقول أحمد، وإسحاق) ((سنن الترمذي)) (1/412). ، واختاره الشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (والحديثان المذكوران في الباب يدلَّان على كراهة الصَّلاة بين السواري... فيكون النهيُ على هذا مختصًّا بصلاةِ المؤتمِّين بين السَّواري دون صلاة الإمام والمنفرِد، وهذا أحسنُ ما يُقال، وما تقدَّم من قياس المؤتمِّين على الإمام والمنفرِد فاسدُ الاعتبار؛ لمصادمته لأحاديث الباب) ((نيل الأوطار)) (3/229- 230). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (السُّنَّة أن تَستقيمَ الصفوف متَّصلة والأعمدة خلفهم، ولا تُقطع الصفوف إلَّا عند الضرورة، إذا ازدحم المسجدُ وضاق المسجد صفَّ أناسٌ بين السَّواري فلا حرجَ للحاجة؛ ولهذا كان الناس يتَّقون ذلك عند عدم الحاجة إلى ذلك، فالسُّنة أن يتقدَّم المأمومون، وتكون الأعمدة خلفَهم، ولا يضرُّ لو تقدَّم قليلًا من جهة العمود؛ ليكون خلفهم العمود، لكن ينبغي للذين بين العمودين أن يتقدَّموا قليلًا حتى يستقيم الصفُّ، ولا يتقدَّم أحدٌ على أحد). ((فتاوى نور على الدرب)) (12/221- 222). , وابنُ عُثَيمين [4582] قال ابنُ عُثيمين: (الصفُّ بين السَّواري جائزٌ إذا ضاق المسجد، حكاه بعضُ العلماء إجماعًا، وأمَّا عند السَّعة ففيه خلاف، والصَّحيح: أنه منهيٌّ عنه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (13/34).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن عبدِ الحميدِ بن محمودٍ، قال: صليتُ مع أنسٍ يومَ الجُمُعة، فدَفَعْنا إلى السَّواري، فتقدَّمْنا أو تأخَّرْنا، فقال أنسٌ: ((كنَّا نتَّقي هذا على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) رواه أبو دود (673)، والترمذي (229)، والنسائي (2/94). قال الترمذيُّ: حسنٌ صحيح، وقال ابن القَطَّان في ((الوهم والإيهام)) (5/338): حسن أو صحيح، وصحَّحه ابن دقيق في ((الاقتراح)) (124)، والصنعانيُّ في ((العدة على الإحكام)) (3/345)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (673)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (29) وقال: رجاله ثقات.
الفرعُ الرابع: صلاةُ الرَّجُلِ المنفردِ خلفَ الصفِّ
اختَلف أهلُ العِلمِ في صلاةِ الرَّجُلِ المنفردِ خلفَ الصفِّ، على قولين:
القولُ الأوَّل: أنَّ الصَّلاة خلفَ الصفِّ منفردًا باطلةٌ يجِبُ إعادتُها، وهو مذهبُ الحَنابِلَةِ [4584] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/490)، وينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/268). ، وقولُ طائفةٍ مِن السَّلف [4585] قال ابنُ المنذر: (اختلف أهلُ العلمِ فيما يجبُ على مَن صلَّى خلفَ الصفِّ وحدَه، فقالت طائفةٌ: لا يجزيه، هذا قولُ النخعيِّ، والحكَم، والحسنِ بن صالحٍ، وأحمدَ بن حنبلٍ، وإسحاقَ بن راهويه، وأبي بكرِ بنِ أبي شيبةَ) ((الأوسط)) (4/207). وقال البغويُّ: (وذهب جماعةٌ إلى أنَّ صلاته فاسدةٌ، وهو قولُ النخعيِّ، وحمادِ بن أبي سليمانَ، وابنِ أبي ليلَى، ووكيعٍ، وبه قال أحمدُ، وإسحاقُ) ((شرح السنة)) (3/378). وقال ابن رجبٍ: (وأمَّا القائلون بأنَّه لا تصحُّ صلاةُ الفذِّ خلفَ الصفِّ: الحسنُ بن صالحٍ والأوزعيُّ- فيما حكاه ابنُ عبد البرِّ، وخرَّجه حربٌ بإسناده، عنه- وقولُ أحمدَ وإسحاقَ ووكيعٍ ويحيى بنِ معين وابنِ المنذرِ، وأكثرِ أهلِ الظَّاهر، ورواية عن الثوري، رواها عصام عنه. وروي-أيضًا- عن النخعيِّ وحمادٍ والحكم وابن أبي ليلَى) ((فتح الباري)) (5/17). واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (وأيُّما رجل صلَّى خلف الصفِّ بطَلَتْ صلاته، ولا يضرُّ ذلك المرأةَ شيئًا) ((المحلى)) (2/72). ، والصَّنعانيُّ قال الصنعانيُّ: (فيه «حديث وابصة» دليلٌ على بطلان صلاة مَن صلَّى خلف الصف وحده... ويدلُّ على البطلان أيضًا ما تضمَّنه قوله:... «لا صلاةَ لمنفردٍ خلفَ الصفِّ»... فإنَّ النفي ظاهرٌ في نفي الصحَّة. ((سبل السلام)) (2/32). ، وابنُ باز [4588] قال ابنُ باز: (لا يجوزُ للمنفردِ أن يُصلِّي خلف الصفِّ، ولا تصحُّ صلاته) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/221).
الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:
1- عن عليِّ بنِ شَيبانَ، أنَّه قال: صليتُ خلفَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فانصرفَ، فرأى رجلًا يُصلِّي فردًا خلفَ الصفِّ، فوقَفَ نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى انصرَفَ الرجلُ من صلاتِه، فقال له: ((استقبلْ صلاتَك؛ فلا صلاةَ لفردٍ خلفَ الصفِّ )) رواه ابن ماجه (1003)، وأحمد (26/ 224)، وابن خزيمة (3/30) (1569)، وابن حبان (5/579) (2202)، والبيهقي (3/105) (5418). حسَّنه الإمامُ أحمد كما في ((تنقيح تحقيق التعليق)) لمحمد ابن عبد الهادي (2/34)، وحسَّن إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (4/298)، وابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/176)، وصحَّح إسنادَه ابن القيِّم في ((إعلام الموقعين)) (2/259)، وأحمدُ شاكر في تحقيق ((المحلى)) (4/53)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (829).
2- عن وابصةَ: ((أنَّ رَجُلًا صلى خلفَ الصَّفِّ وَحْدَه، فأمَرَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُعيدَ الصَّلاةَ )) [4590] رواه أبو داود (682)، والترمذي (230) واللفظ له، وابن ماجه (1004)، وأحمد (18003) حسنه أحمد كما في ((المغني)) (3/50)، والترمذي، وصححه ابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (2/259)، والألباني في ((صحيح الترمذي)) (230)، وصحح إسناده أحمد شاكر في ((شرح سنن الترمذي)) (1/445)
القول الثاني: أنَّ صلاةَ المنفردِ خلفَ الصفِّ صحيحةٌ، مع الكراهةِ، وهو مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 244)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/146)، (1/218). ، والمالِكيَّة [4592] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/446)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/33). ، والشافعيَّة [4593] ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/247)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/341).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن أبي بَكْرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه انتهى إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو راكعٌ، فركَع قبل أن يَصِلَ إلى الصفِّ، فذكَر ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ((زادك اللهُ حِرصًا، ولا تَعُدْ )) رواه البخاري (783).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لو كانَ انفرادُه قادحًا في صلاتِه لأَمَره بالإعادةِ [4595] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/341).
ثانيًا: لأنَّ كلَّ مَن صحَّتْ صلاتُه خلفَ الصفِّ مع غيرِه صحَّتْ صلاتُه منفردًا، كالمرأةِ خلفَ الرِّجالِ [4596] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/341). قال الشافعيُّ: (وإنما أجزأت صلاةُ المنفرد وحدَه خلفَ الإمام؛ لأنَّ العجوز صلَّت منفردةً خلفَ أنسٍ وآخرَ معه، وهما خلف النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والنبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمامَهما). ((الأم)) (1/196).

انظر أيضا: