الموسوعة الفقهية

الفَصلُ الثَّالِثُ: حُكمُ استِئذانِ الوالِدَينِ في الجِهادِ


يُشتَرَطُ للجِهادِ إذنُ الأبَوينِ المُسلِمَينِ إذا لم يَتَعَيَّنْ عليه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [451] ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (7/ 10)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازة البخاري (5/ 386)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/ 124). ، والمالِكيَّةِ [452] ((التاج والإكليل)) للمواق (4/ 541). ويُنظر: ((الجامع لمسائل المدونة)) للصقلي (6/ 39). ، والشَّافِعيَّةِ [453] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (11/ 360)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/ 177). ويُنظر: ((تكملة المجموع)) للمطيعي (19/ 275-276). ، والحَنابِلةِ [454] ((الفروع)) لابن مفلح (10/ 239)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (7/ 37). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [455] قال ابنُ رُشدٍ: (عامَّةُ الفُقَهاءِ مُتَّفِقونَ على أنَّ مِن شَرطِ هذه الفَريضةِ إذنَ الأبَوينِ فيها، إلَّا أن تَكونَ عليه فرضَ عَينٍ). ((بداية المجتهد)) (2/ 144). وقال قاضي صَفَدَ: (اتَّفَقوا على أنَّ مَن لم يَتَعَيَّنْ عليه الجِهادُ لا يَخرُجُ إلَّا بإذنِ أبَويه إن كانا مُسلِمَينِ). ((رحمة الأمة)) (ص: 271). وقال ابنُ النَّحَّاسِ: (أجمَعَ العُلَماءُ على أنَّ الغَزوَ لا يَجوزُ إلَّا بإذنِ الأبَوينِ المُسلِمينَ). ((مشارع الأشواق)) (ص: 99). وفي قَولٍ للحَنابِلةِ أنَّ الجِهادَ غَيرَ المُتَعَيِّنِ لا يَجِبُ فيه الاستِئذانُ، قال المَرداويُّ: (مَفهومُ قَولِه: إلَّا أن يَتَعَيَّنَ عليه الجِهادُ؛ فإنَّه لا طاعةَ لَهما في تَركِ فريضةٍ: أنَّه إذا لم يَتَعَيَّنْ أنَّه لا يُجاهِدُ إلَّا بإذنِهما، وهو صَحيحٌ، وهو المَذهَبُ، وقال في الرَّوضةِ: حُكمُ فرضِ الكِفايةِ في عَدَمِ الِاستِئذانِ حُكمُ المُتَعَيِّنِ عليهـ). ((الإنصاف)) (4/90). ويُنظر: ((الفروع)) لابن مفلح (10/239). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ، قال: ((أقبَلَ رَجُلٌ إلى نَبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أُبايِعُكَ على الهِجرةِ والجِهادِ، أبتَغي الأجرَ مِنَ اللهِ، قال: فهَل مِن والِدَيكَ أحَدٌ حَيٌّ؟ قال: نَعَم، بَل كِلاهما، قال: فتَبتَغي الأجرَ مِنَ اللهِ؟ قال: نَعَم، قال: فارجِع إلى والِدَيكَ، فأحسِنْ صُحبَتَهما)) [456] أخرجه مسلم (2549). .
2-عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((سَألتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: الصَّلاةُ على وقتِها، قال: ثُمَّ أيُّ؟ قال: برُّ الوالِدَينِ، قال: ثُمَّ أيُّ؟ قال: الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ)) [457] أخرجه البخاري (2782)، ومسلم (85) واللفظ له. .
وجه الدَّلالةِ مِنَ الحَديثَينِ:
دَلَّ الحَديثانِ على تَقديمِ برِّ الوالِدَينِ على الجِهادِ [458] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (5/ 386)، ((شرح المشكاة)) للطيبي (8/ 2642)، ((مرقاة المفاتيح)) لعلي القاري (6/ 2472)، ((بذل المجهود)) للسهارنفوري (9/ 94)، ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (5/ 257). .
ثانيًا: أنَّ برَّ الوالِدَينِ فرضُ عَينٍ على الولَدِ، فيُقدَّمُ على جِهادٍ لم يَجِبْ على التَّعَيُّنِ [459] يُنظر: ((المعونة)) للقاضي عبد الوهاب (ص: 603)، ((الجامع لمسائل المدونة)) للصقلي (6/ 39)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 98). .

انظر أيضا: