الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: حُكمُ القَضاءِ بقَولِ أهلِ الخِبرةِ


يَجوزُ للقاضي القَضاءُ بقَولِ أهلِ الخِبرةِ والمَعرِفةِ فيما يَختَصُّونَ بمَعرِفَتِه [1979] كالأخذِ بأقوالِ التُّجَّارِ في قيمةِ المُتلَفاتِ، وقيمةِ السِّلَعِ المَبيعةِ، وفي مَعرِفةِ العُيوبِ الموجِبةِ للخيارِ، والأخذِ بأقوالِ الأطِبَّاءِ الذينَ لَهم خِبرةٌ في مَعرِفةِ الشِّجاجِ والجِراحِ. يُنظر: ((الموسوعة الكويتية)) (19/19-23). قال ابنُ فرحونَ: (يُقبَلُ قَولُ التَّاجِرِ في قيَمِ المُتلَفاتِ ... وكَذلك يُقبَلُ قَولُ القائِفِ العَدلِ عِندَ مالِكٍ وابنِ القاسِمِ ... وكَذلك يُقبَلُ قَولُ المُقَوِّمِ لأرشِ الجِنايةِ ... [و] يُقبَلُ قَولُ الخارِصِ الواحِدِ فيما يَخرُصُه عِندَ مالِكٍ رَحِمَه اللهُ ... وكَذلك يُقبَلُ عِندَ مالِكٍ قَولُ الطَّبيبِ فيما يَدَّعيهـ). ((تبصرة الحكام)) (1/347). ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1980] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/ 321)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 203). ، والمالِكيَّةِ [1981] ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 135)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (3/ 260)، ((منح الجليل)) لعليش (5/ 491، 492). ، والشَّافِعيَّةِ [1982] ((المجموع)) للنووي (5/ 283)، ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 150)، و (12/ 122). ، والحنابِلةِ [1983] ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/ 517). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
1- قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 43].
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ أرشَدَ مَن لا يَعلَمُ أن يَرجِعَ إلى مَن له عِلمٌ؛ لأنَّهم أهلُ خِبرةٍ بما يَجهَلُه [1984] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/ 321). .
2- قال تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ [المائدة: 95] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الأحكامَ إنَّما تُستَفادُ مِمَّن له عِلمٌ بها، وهم أهلُ الخِبرةِ [1985] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 286)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (1/ 106). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها، قالت: إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَخَلَ عليَّ مَسرورًا، تَبرُقُ أساريرُ وجهِه فقال: ((ألَم تَرَ أنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ آنِفًا إلى زَيدِ بنِ حارِثةَ وأُسامةَ بنِ زَيدٍ، فقال: إنَّ هذه الأقدامَ بَعضُها مِن بَعضٍ)) [1986] أخرجه البخاري (6770) واللفظ له، ومسلم (1459). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
سُرورُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَولِ القائِفِ -وهم أهلُ خِبرةٍ- دَليلٌ على ثُبوتِ أمرِ القافةِ وصِحَّةِ قَولِهم في إلحاقِ الولَدِ، وذلك أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُظهِرُ السُّرورَ إلَّا بما هو حَقٌّ عِندَه [1987] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (3/ 275). .
2- عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهُما ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ افتَتَحَ خَيبَرَ اشتَرَطَ عليهم أنَّ له الأرضَ، وكُلَّ صَفراءَ وبَيضاءَ -يَعني الذَّهَبَ والفِضَّةَ-، وقال له أهلُ خَيبَرَ: نَحنُ أعلَمُ بالأرضِ فأعطِناها على أن نَعمَلَها ويَكونَ لَنا نِصفُ الثَّمَرةِ ولَكُم نِصفُها، فزَعَمَ أنَّه أعطاهم على ذلك، فلَمَّا كانَ حينَ تَصَرَّمَ النَّخلُ بَعَثَ إلَيهمُ ابنَ رَواحةَ فحَزَرَ النَّخلَ، وهو الذي يَدعونَه أهلُ المَدينةِ: الخَرصُ، فقال: في ذا كَذا وكَذا، فقالوا: أكثَرتَ علينا يا ابنَ رَواحةَ، فقال: فأنا أحزرُ النَّخلَ وأُعطيكُم نِصفَ الذي قُلتُ، قال: فقالوا: هذا الحَقُّ وبه تَقومُ السَّماءُ والأرضُ. فقالوا: قد رَضينا أن نَأخُذَ بالذي قُلتَ)) [1988] أخرجه أبو داود (3410)، وابن ماجه (1820) واللفظ له. صَحَّحه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (654)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (1820)، وصَحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3410). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرسَلَ ابنَ رَواحةَ ليَخرُصَ النَّخلَ، والخارِصُ هو مَن يَكونُ خَبيرًا بالخَرصِ؛ لأنَّه اجتِهادٌ في مَعرِفةِ مِقدارِ الثَّمَرِ والزَّكاةِ الواجِبةِ فيه [1989] يُنظر: ((الشرح الكبير)) للدردير (1/ 454). .

انظر أيضا: