الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الأولى: أن يَكونَ المُقِرُّ وارِثًا


الحالةُ الأولى: إذا كانَ المُقِرُّ وارِثًا واحِدًا فقَط
اختَلَفَ الفُقَهاءُ في صِحَّةِ إلحاقِ النَّسَبِ بغَيرِه [1848] يراعى أنَّه يُشتَرَطُ الشُّروطُ السَّابِقةُ في المُقِرِّ بالنَّسَبِ لنَفسِه، ولَكِن يُزادُ هُنا الشُّروطُ المَذكورةُ. إذا كانَ المُقِرُّ وارِثًا واحِدًا فقَط لا يوجَدُ مَعَه غَيرُه [1849] كأن يَموتَ شَخصٌ ويُخلِّفَ ابنًا واحِدًا، ويُقِرَّ هذا الابنُ بأخٍ له ويُثبِتَ نَسَبَه. ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: لا يَصِحُّ الإقرارُ بالنَّسَبِ إذا كانَ المُقِرُّ وارِثًا واحِدًا فقَط لا يوجَدُ مَعَه غَيرُه، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [1850] ((المبسوط)) للسرخسي (30/ 60)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (8/ 400). ، والمالِكيَّةِ [1851] ((منح الجليل)) لعليش (6/ 496)، ((الشرح الكبير)) للدردير (3/ 417) . .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ فيه مِن حَملِ نَسَبِ غَيرِه على غَيرِه، فكانَ شَهادةً [1852] يُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (8/ 401)، ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/ 374). .
ثانيًا: لأنَّ المَقصودَ بالإقرارِ الشَّهادةُ، فالنَّسَبُ لا يَثبُتُ بالإقرارِ، وشَهادةُ الفَردِ غَيرُ مَقبولةٍ [1853] يُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (8/ 401)، ((الشرح الكبير)) للدردير (3/ 417). .
القَولُ الثَّاني: يَصِحُّ الإقرارُ بالنَّسَبِ إذا كانَ المُقِرُّ وارِثًا واحِدًا فقَط لا يوجَدُ مَعَه غَيرُه، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ [1854] ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/ 261)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/ 114). ، والحَنابِلةِ [1855] بشَرطِ أن لا يَكونَ المَيِّتُ قد نَفاه قَبلَ مَوتِه. ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/ 374)، ((الإنصاف)) للمرداوي (12/ 150)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/461). ، وقَولُ أبي يوسُفَ مِنَ الحَنَفيَّةِ [1856] ((المبسوط)) للسرخسي (30/ 60)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (8/ 400). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها قالت: ((اختَصَمَ سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ وعَبدُ بنُ زَمعةَ في غُلامٍ، فقال سَعدٌ: هذا يا رَسولَ اللهِ ابنُ أخي عُتبةَ بنِ أبي وقَّاصٍ، عَهِدَ إلَيَّ أنَّه ابنُه، انظُرْ إلى شَبَهِه، وقال عَبدُ بنُ زَمعةَ: هذا أخي يا رَسولَ اللهِ، وُلِدَ على فِراشِ أبي مِن وليدَتِه، فنَظَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى شَبَهِه، فرَأى شَبَهًا بَيِّنًا بعُتبةَ، فقال: هو لَكَ يا عَبدُ، الولَدُ للفِراشِ، ولِلعاهِرِ الحَجَرُ، واحتَجِبي مِنهُ يا سَودةُ بنتَ زَمعةَ. قالت: فلَم يَرَ سَودةَ قَطُّ)) [1857] رواه البخاري (6765)، ومسلم (1457). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه: ((هذا أخي يا رَسولَ اللهِ، وُلِدَ على فِراشِ أبي مِن وليدَتِهـ)) أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَبِلَ قَولَ عَبدِ بنِ زَمعةَ لَمَّا ادَّعى نَسَبَ وليدةِ أبيه، وأثبَتَ نَسَبَه منه [1858] يُنظر: ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (3/420). .
ثانيًا: لأنَّ الوارِثَ يَقومُ مَقامَ مَوروثِه في حُقوقِه مِنَ الدَّينِ وغَيرِه، فكَذا النَّسَبُ [1859] يُنظر: ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (3/420). .
ثالثًا: لأنَّه لَمَّا قُبِلَ في الميراثِ قُبِلَ في النَّسَبِ [1860] يُنظر: ((قرة عيون الأخيار لتكملة رد المحتار)) (8/ 313). .
رابِعًا: حِرصُ الشَّارِعِ وتَشَوُّفُه للُحوقِ النَّسَبِ [1861] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (11/315). .
الحالةُ الثَّانيةُ: إذا كانَ المُقِرُّ أكثَرَ مِن واحِدٍ
اختَلَفَ الفُقَهاءُ في صِحَّةِ إلحاقِ النَّسَبِ بغَيرِه إذا كانَ المُقِرُّ أكثَرَ مِن واحِدٍ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يَصِحُّ الإقرارُ بالنَّسَبِ إذا كانَ المُقِرُّ أكثَرَ مِن واحِدٍ بعَدَدِ البَيِّنةِ في الشَّهادةِ [1862] يَرى الحَنَفيَّةُ صِحَّةَ الإقرارِ برَجُلَينِ، أو رَجُلٍ وامرَأتَينِ فصاعِدًا، ويَشتَرِطُ المالِكيَّةُ أن يَكونا اثنَينِ عَدلَينِ. ((قرة عيون الأخيار لتكملة رد المحتار)) (8/ 313)، ((منح الجليل)) لعليش (6/ 496). ، ولا يُشتَرَطُ إقرارُ جَميعِ الورَثةِ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [1863] ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (8/ 400)، ((قرة عيون الأخيار لتكملة رد المحتار)) (8/ 313). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 229 - 240). ، والمالِكيَّةِ [1864] ((الشرح الكبير)) للدردير (3/ 417)، ((منح الجليل)) لعليش (6/ 496). ، وقَولٌ للحَنابِلةِ [1865] ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (5/ 425)، ((الإنصاف)) للمرداوي (7/ 363). ؛ وذلك لأنَّ المَقصودَ بالإقرارِ الشَّهادةُ؛ فيَأخُذُ حُكمَ الشَّهادةِ [1866] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 240)، ((الإنصاف)) للمرداوي (7/271)، ((الشرح الكبير)) للدردير (3/ 417). .
القَولُ الثَّاني: يُشتَرَطُ لصِحَّةِ إقرارِ النَّسَبِ بغَيرِه إقرارُ جَميعِ الورَثةِ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ [1867] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (11/ 199)، ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 143). ، والحَنابِلةِ [1868] استَثنى الحَنابِلةُ إذا شَهِدَ مِنَ الورَثةِ عَدلانِ أنَّه وُلِدَ على فِراشِ المَيِّتِ، أو أنَّ المَيِّتَ أقَرَّ به، يَثبُتُ بذلك النَّسَبُ. ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (5/ 425)، ((الإنصاف)) للمرداوي (7/ 363). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ ثُبوتَ النَّسَبِ ليس مُتَمَحِّضًا له، بَل مُشتَركٌ بَينَه وبَينَ إخوتِه [1869] يُنظر: ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (3/421). .
ثانيًا: لأنَّ المُقِرَّ بالنَّسَبِ لغَيرِه لا يَقومُ مَقامَه وَحدَه [1870] يُنظر: ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (3/421). .

انظر أيضا: