الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: تَغليظُ اليَمينِ القَضائيَّةِ باللفظِ


يَجوزُ أن تُغَلَّظَ اليَمينُ باللَّفظِ بطَلَبٍ مِنَ القاضي أوِ المُدَّعي [1513] التَّغليظُ باللَّفظِ يَكونُ بزيادةِ الأسماءِ والصِّفاتِ، نَحوُ: واللهِ الطَّالِبِ الغالِبِ المُدرِكِ المُهلِكِ الذي يَعلَمُ السِّرَّ وأخفى، ونَحوُ: واللهِ الذي لا إلَهَ إلَّا هو، عالِمُ الغَيبِ والشَّهادةِ الرَّحمَنُ الرَّحيمُ الذي يَعلَمُ مِنَ السِّرِّ ما يَعلَمُ مِنَ العَلانيةِ. وما أشبَهَ ذلك مِنَ الكَلِماتِ التي فيها زَجرٌ ووعيدٌ. يُنظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (7/250)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (15/482). ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [1514] ((الهداية)) للمرغيناني (3/ 159) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/ 301). ، والشَّافِعيَّةِ [1515] يرى الشَّافعيَّةُ استحبابَ هذا النَّوعِ مِنَ التَّغليظِ. ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (13/ 190)، ((روضة الطالبين)) للنووي (12/ 31). ، والحنابِلةِ [1516] ((الإنصاف)) للمرداوي (12/120)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/450). ، وقَولٌ للمالِكيَّةِ [1517]  ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/ 217). ويُنظر: ((المعونة في مذهب عالم المدينة)) للقاضي عبد الوهاب (1586)، ((عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة)) لابن شاس (3/1078)، ((الذخيرة)) للقرافي (11/71). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((بَينَما نَحنُ جُلوسٌ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَسجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ على جَمَلٍ، فأناخَه في المَسجِدِ ثُمَّ عَقَلَه، ثُمَّ قال لَهم: أيُّكُم مُحَمَّدٌ؟ والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُتَّكِئٌ بَينَ ظَهرانَيهم، فقُلنا: هذا الرَّجُلُ الأبيَضُ المُتَّكِئُ. فقال له الرَّجُلُ: يا ابنَ عَبدِ المُطَّلِبِ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قد أجَبتُكَ. فقال الرَّجُلُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنِّي سائِلُكَ فمُشَدِّدٌ عليكَ في المَسألةِ، فلا تَجِدْ عَلَيَّ في نَفسِكَ؟ فقال: سَلْ عَمَّا بَدا لَكَ، فقال: أسألُكَ برَبِّكَ ورَبِّ مَن قَبلَكَ، آللهُ أرسَلَكَ إلى النَّاسِ كُلِّهم؟ فقال: اللهُمَّ نَعَم. قال: أنشُدُكَ باللهِ، آللهُ أمَرَكَ أن نُصَلِّيَ الصَّلَواتِ الخَمسَ في اليَومِ واللَّيلةِ؟ قال: اللهُمَّ نَعَم)) [1518] أخرجه البخاري (63) واللفظ له، ومسلم (12). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ الحَديثُ على جَوازِ تَغليظِ اليَمينِ بالألفاظِ، فيَجوزُ للحاكِمِ تَغليظُها في حَقِّ الحالِفِ [1519] يُنظر: ((عارضة الأحوذي)) لابن العربي (3/ 100)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/ 217). .
ثانيًا: أنَّ أحوالَ النَّاسِ مُختَلِفةٌ؛ فمِنهُم مَن يَمتَنِعُ عَنِ اليَمينِ بالتَّغليظِ، ويَتَجاسَرُ عِندَ عَدَمِه، فيُغَلَّظُ عليه؛ لَعَلَّه يَمتَنِعُ بذلك، وهذا أردَعُ للمُنكِرِ [1520] يُنظر ((المبسوط)) للسرخسي (16/ 103)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/ 301)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/450). .

انظر أيضا: