الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الرَّابعُ: القِصاصُ مِنَ السَّكرانِ


اختَلَف الفُقَهاءُ في القِصاصِ مِنَ السَّكرانِ إذا سَكِر باختيارِه على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يجِبُ القِصاصُ مِنَ الجاني السَّكرانِ إذا سَكِر باختيارِه، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، والحنابِلةِ .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه حُكمٌ لو لم يجِبْ عليه القِصاصُ والحَدُّ لأفضى إلى أنَّ من أراد أن يعصيَ اللهَ تعالى شَرِبَ ما يُسكِرُه، ثمَّ يَقتُلُ ويزني ويَسرِقُ، ولا يَلزَمُه عقوبةٌ ولا مأثمٌ، ويصيرُ عِصيانُه سَببًا لسُقوطِ عُقوبةِ الدُّنيا والآخِرةِ عنه، ولا وَجهَ لهذا .
ثانيًا: لأنَّه حاصِلٌ بسبَبٍ هو معصيةٌ، فلم يؤثِّرْ في إسقاطِ ما بُنيَ على التَّكليفِ، بل يُجعَلُ باقيًا؛ زجرًا وتنكيلًا .
القَولُ الثَّاني: لا يجِبُ القِصاصُ مِنَ السَّكرانِ ولو سَكِر باختيارِه، وهو قَولٌ عِندَ الشَّافِعيَّةِ وروايةٌ عِندَ الحنابِلةِ ، وهو اختيارُ ابنِ حَزمٍ ، وابنِ تَيميَّةِ ، وابنِ عُثَيمين .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه زائِلُ العَقلِ، أشبَهَ المجنونَ .
ثانيًا: لأنَّه غيرُ مُكَلَّفٍ، أشبَهَ الصَّبيَّ والمجنونَ .

انظر أيضا:

  1. (1) أمَّا إذا كان مَعذورًا بسُكرِه -كمن شَرِب المُسكِرَ جاهِلًا بحقيقتِه، أو أُكرِهَ على شُربِه- فلا يُقتَصُّ منه باتِّفاقِ العُلَماءِ. قال ابنُ قُدامةَ: (لا خِلافَ بَينَ أهلِ العِلمِ أنَّه لا قِصاصَ على صَبيٍّ ولا مجنونٍ، وكذلك كُلُّ زائِلِ العَقلِ بسَبَبٍ يُعذَرُ فيهـ). ((المغني)) (8/284). وقال الكمالُ ابنُ الهُمامِ: (الحاصِلُ أنَّ السُّكرَ بسَبَبٍ مُباحٍ -كمَن أُكرِهَ على شُربِ الخَمرِ والأشرِبةِ الأربعةِ المحَرَّمةِ، أو اضطُرَّ- لا يقَعُ طَلاقُه وعَتاقُه، ومَن سَكِرَ منها مختارًا اعتُبِرَت عباراتُهـ). ((فتح القدير)) (3/491). ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/193).
  2. (2) ((البناية)) للعيني (5/301)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/586).
  3. (3) ((حاشية البناني على شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (5/528)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/193)، ((منح الجليل)) لعليش (6/93).
  4. (4) ((روضة الطالبين)) للنووي (9/149)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/339).
  5. (5) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/227)، ((الإنصاف)) للمرداوي (9/341).
  6. (6) ((المغني)) لابن قدامة (8/285).
  7. (7) ((البناية)) للعيني (5/301).
  8. (8) ((روضة الطالبين)) للنووي (9/149).
  9. (9) ((المغني)) لابن قدامة (8/284)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/227، ((الإنصاف)) للمرداوي (9/341).
  10. (10) قال ابنُ حَزمٍ: (لا قَوَدَ على مجنونٍ فيما أصاب في جُنونِه، ولا على سَكرانَ فيما أصاب في سُكرِه المُخرِجِ له مِن عَقلِه، ولا على مَن لم يَبلُغْ). ((المحلى)) (10/216(.
  11. (11) قال ابنُ تَيميَّةَ: (الفَهمُ شَرطُ التَّكليفِ، فلا يجوزُ تكليفُ المجنونِ والبَهيمةِ والسَّكرانِ وغَيرِهم ممَّن فُقِد منه الفَهمُ، فعلى هذا لا يقَعُ طَلاقُ السَّكرانِ، ولا يجِبُ عليه القِصاصُ في القَتلِ، ولا يُعتَبَرُ شَيءٌ مِن أقوالِه ولا أفعالِه، لا عليه ولا لهـ) .((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص: 650(.
  12. (12) قال ابنُ عُثَيمين: (واختلَفَ العُلَماءُ في فِعلِه هل يؤاخَذُ به؟ والصَّوابُ: أنَّ فِعلَه كفِعلِ المخطِئِ، لا كفِعلِ المتعَمِّدِ، فلو قَتَل إنسانًا لم ‌ُيُقتَصَّ منه؛ لأنَّه لا عَقلَ له، ولكِنْ تُؤخَذُ منه الدِّيَةُ، إلَّا إذا عَلِمنا أنَّه تناوَلَ المُسكِرَ لتنفيذِ فِعلِه، فإنَّه يؤاخَذُ به، يعني: لو فَرَضنا أنَّ هذا الرَّجُلَ يُريدُ أن يَقتُلَ شَخصًا فقال: إنْ قَتَلتُه وأنا عاقِلٌ قَتَلوني به، ولكِنْ أشرَبُ مُسكِرًا وأقتُلُه وأنا ‌َسَكرانُ، ففي هذه الحالِ نقولُ: إنَّه يُقتَلُ؛ لأنَّه سَكِرَ من أجلِ الوصولِ إلى العَمَلِ المحرَّمِ). ((الشرح الممتع)) (14/443(.
  13. (13) ((المغني)) لابن قدامة (8/284).
  14. (14) ((المغني)) لابن قدامة (8/284).