الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الأوَّلُ: حَقُّ المكفولِ له إن كانت الكَفالةُ بالدَّينِ


يحِقُّ للمكفولِ له مُطالبةُ كُلٍّ من الأصيلِ (المكفولِ عنهـ) والكَفيلِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، والحَنابِلةِ ، وقَولٌ للمالِكيَّةِ .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1 - عن أبي أُمامةَ الباهِليِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((العارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، والمِنحةُ مردودةٌ، والدَّينُ مَقضيٌّ، والزَّعيمُ غارِمٌ)) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((والزَّعيمُ غارِمٌ)) أي: الكَفيلُ غارِمٌ، أي: يُلزِمُ نفسَه ما ضَمِنَه، والغُرمُ أداءُ شيءٍ يَلزَمُه، والمعنى أنَّه ضامِنٌ، ومَن ضَمِن دينًا لَزِمَه أداؤُه .
2 - عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ قال: ((تُوُفِّيَ رجٌلٌ فغَسَّلْناه وحَنَّطْناه وكَفَّنَّاه، ثمَّ أتينا به رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي عليه، فقلْنا: تُصَلِّي عليه؟ فخطا خُطًى، ثمَّ قال: أعليه دَينٌ؟ قُلْنا: دينارانِ، فانصَرَف، فتحَمَّلَهما أبو قتادةَ، فأتيناه، فقال أبو قتادةَ: الدَّينارانِ عَلَيَّ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: حقَّ الغريمِ، وبَرِئَ منهما المَيِّتُ؟ قال: نعَمْ، فصلَّى عليهـ)) .
3- عن أبي هُرَيرةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((نَفسُ المُؤمِنِ مُعَلَّقةٌ بدَينِه حتَّى يُقضى عنهـ)) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ المضمونَ يَبرَأُ بإبراءِ الضَّامِنِ له؛ لقَولِه: ((وبَرِئَ منهما الميِّتُ))، فلصاحبِ الحَقِّ في استيفاءِ حَقِّه جِهتانِ؛ جهةٌ: من جهةِ المضمونِ عنه، وجِهةٌ: من جهةِ الضَّامِنِ؛ فله أن يُطالِبَ الضَّامِنَ، وله أن يُطالِبَ المضمونَ عنه .
ثانيًا: لأنَّ العقدَ بالكَفالةِ أنَّه يوجِبُ ضَمَّ ذِمَّةِ الكَفيلِ إلى ذِمَّةِ الأصيلِ على وَجهِ التَّوثيقِ .
ثالثًا: أنَّ لصاحِبِ الحَقِّ مُطالبةَ مَن شاء من المضمونِ عنه والضَّامِنِ؛ لثُبوتِ الحَقِّ في ذِمَّتَيهما جميعًا .

انظر أيضا:

  1. (1) ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (19/ 141). ويُنظَر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/ 10).
  2. (2) الشَّافعيَّةُ لهم تفصيلٌ إذا كان بإذنِ المكفولِ عنه أو بغيرِ إذنِه. يُنظَر: ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (10/ 359)، ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (4/ 240)
  3. (3) ((الإنصاف)) للمَرْداوي (5/ 190)، ((كَشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (3/ 364).
  4. (4) ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدَّرْدير)) (3/ 337)، ((حاشية الصَّاوي على الشرح الصغير للدَّرْدير)) (3/ 438).
  5. (5) أخرجه أبو داود (3565)، والتِّرْمِذي (2120) واللَّفظُ لهما، وابن ماجه (2405، 2398) مُفرَّقًا باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه التِّرْمِذي، والقرطبي المُفَسِّر في ((التفسير)) (6/426)، وابن المُلَقِّن في ((شرح البخاري)) (16/434)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3565)، وصحَّحه لغيرِه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3565).
  6. (6) يُنظَر: ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمُلَّا علي القاري (5/ 1978).
  7. (7) أخرجه أحمد (14536) واللَّفظُ له، والحاكم (2346)، والبيهقي (11734). صحَّحه ابنُ حِبَّان كما في ((بلوغ المرام)) لابن حجر (258)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1812)، وصحَّح إسنادَه الحاكمُ، وحسَّنه المُنذِريُّ في ((الترغيب والترهيب)) (3/51)، والنَّوَوي في ((خلاصة الأحكام)) (2/931)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/130).
  8. (8) أخرجه التِّرْمِذي (1078)، وابن ماجه (2413) واللَّفظُ لهما، وأحمد (9679) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه يحيى بن مَعين كما في ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (45/73)، وابن حِبَّان في ((صحيحهـ)) (3061)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (2219)، وأبو نُعَيم في ((حلية الأولياء)) (3/201)، وابن عبدِ البَرِّ في ((الاستذكار)) (4/101).
  9. (9) يُنظَر: ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عُثَيمين (4/ 159).
  10. (10) يُنظَر: ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (19/ 141).
  11. (11) يُنظَر: ((كَشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (3/ 364).