الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّلُ: حُكمُ التشهُّدِ الأخيرِ

التشهُّدُ الأخيرُ ركنٌ مِن أركانِ الصَّلاةِ، وهذا مذهبُ الشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (3/462)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/163). ، والحنابلةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/388)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/387). ، وداودَ الظَّاهريِّ قال النَّوويُّ: (وهذا الجلوسُ والتشهد فيه فرضان عندنا، لا تصحُّ الصلاة إلَّا بهما، وبه قال الحسن البصريُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وداودُ، وحكاه ابنُ المنذر عن عُمرَ بن الخطَّاب رضي الله تعالى عنه، ونافع مولى ابن عمر، وغيرهما) ((المجموع)) (3/462). وقال القرطبيُّ: (... الجلوس فرضٌ، والتشهيد فرضٌ، والسلام فرض، وممَّن قال ذلك: الشافعي، وأحمدُ بن حنبل في رِواية، وحكاه أبو مصعب في مختصره عن مالكٍ وأهلِ المدينة، وبه قال داود). ((تفسير القرطبي)) (1/173). ، وقولٌ عند المالكيَّةِ ((تفسير القرطبي)) (1/173). ، وبه قالت طائفةٌ مِن السَّلفِ قال ابنُ قُدامة: (وهذا التشهُّد والجلوس له مِن أركان الصَّلاة، وممَّن قال بوجوبه: عُمرُ وابنه، وأبو مسعود البدريُّ، والحسن، والشافعيُّ). ((المغني)) (1/387). ، واختارَه ابنُ بازٍ قال ابن باز: (التشهُّد الأخير ركنٌ في أصحِّ قولي العلماء) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/248). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عُثَيمين: (الركن التاسع: التشهُّد الأخير لقول ابن مسعود رضي الله عنه: "كنَّا نقول قبل أن يُفرضَ علينا التشهد"؛ فدلَّ هذا على أنَّ التشهُّد فرض). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثَيمين)) (13/344).
الأدِلَّةُ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1-  عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنهُ قال:(( كُنَّا إذا كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الصَّلاةِ، قُلنا: السَّلامُ على اللَّهِ مِن عِبادِه، السَّلامُ على فُلانٍ وفُلانٍ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تَقولوا: السَّلامُ على اللَّهِ؛ فإنَّ اللَّهَ هو السَّلامُ، ولَكِن قولوا: التَّحيَّاتُ للَّهِ، والصَّلَواتُ والطَّيِّباتُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها النَّبيُّ ورَحمةُ اللَّهِ وبَرَكاتُه، السَّلامُ عَلَينا وعَلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحينَ، فإنَّكُم إذا قُلتُم أصابَ كُلَّ عَبدٍ في السَّماءِ أو بَينَ السَّماءِ والأرضِ، أشهَدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّه، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، ثُمَّ يَتَخَيَّر مِنَ الدُّعاءِ أعجَبَه إلَيه فيَدعو)). أخرجه البخاري (835) واللفظ له، ومسلم (402).
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:((ولَكِن قولوا: التَّحيَّاتُ للَّهِ))، وهذا أمرٌ، والأمرُ يَقتَضي الوُجوبَ ولَم يَثبُتْ شَيءٌ صَريحٌ في خِلافِه، فيَبقى على وُجوبِه  يُنظر: ((المُغني)) لابن قدامة (1/ 387)، ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (3/ 463).
2- عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ سَخبَرةَ، قال:(( سَمِعتُ ابنَ مَسعودٍ يَقولُ: عَلَّمَني رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التَّشَهُّدَ، كَفِّي بَينَ كَفَّيه، كَما يُعَلِّمُني السُّورةَ مِنَ القُرآنِ. واقتَصَّ التَّشَهُّدَ بمِثلِ ما اقتَصُّوا )) أخرجه البخاري (6265)، ومسلم (402) واللفظ له.
وَجهُ الدَّلالةِ:
تَعليمُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التَّشَهُّدَ كَما يُعَلِّمُ السُّورةَ مِنَ القُرآنِ، وفِعلُه لَه ومُداومَتُه عَلَيه ولَم يُنقَل عَنهُ تَركُه، دالٌّ على كَونِه واجِبًا ورُكنًا مِن أركانِ الصَّلاةِ. يُنظر: ((الممتع في شرح المقنع)) (1/ 394).
3- قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:(( صَلُّوا كما رَأيتُموني أُصَلِّي )).  رواه البخاري (631).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ بَيانَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الصَّلاةِ فرضٌ؛ لأنَّ أصلَ فرضِها مُجمَلٌ يَفتَقِرُ إلى البَيانِ إلَّا ما خَرَجَ بدَليلٍ مِن نَصٍّ أو إجماعٍ، ولَم يَأتِ الدَّليلُ المُخرِجُ للتَّشَهُّدِ مِنَ الفَرضيَّةِ.  يُنظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (10/ 211)، ((تفسير القرطبي))  (1/ 173).
ثانيًا: أنَّ التَّشَهُّدَ شَبيهٌ بالقِراءةِ؛ لأنَّ القيامَ والقُعودَ لا تَتَمَيَّزُ العِبادةُ مِنهُما عَنِ العادةِ، فوجَبَ فيهما ذِكرٌ ليَتَمَيَّزَ، بخِلافِ الرُّكوعِ والسُّجودِ. يُنظر: ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (3/ 463).



انظر أيضا: