قراءة ونقد

الأهلة نظرة شمولية ودراسات فلكية
book
عدنان عبدالمنعم القاضي
عنوان الكتاب: الأهلة – نظرة شمولية ودراسات فلكية
الناشر: مؤسسة علوم القرآن – دمشق
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: 1431هـ
عرض ونقد: القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية

قبل بداية شهر رمضان تثار العديد من القضايا وتطرح للنقاش العديد من المسائل، ومنها مسألة الحساب الفلكي واعتباره في تحديد بداية شهر رمضان ونهايته، وكتاب هذا الشهر أحد الكتب التي تبنت مسألة اعتبار الحساب الفلكي وبالغت في الاعتداد به، ونزَّلت الحسابات الفلكية منزلة اليقين المقطوع به، وسنحاول عرض الكتاب بإيجاز، وطرح بعض آرائه مع بيان أهم المؤاخذات عليه. 
أولا: العرض
الكتاب عبارة عن ستة فصول وهي :
الفصل الأول: الظواهر الطبيعية. وناقش فيه المؤلف عدة موضوعات من خلال العناوين الآتية:
العلاقة بين الخلق والتشريع- دور الظواهر الطبيعية – سببية الظواهر الطبيعية ونسبيتها واستخدامها.
الفصل الثاني: مواقع الشمس والهلال وناقش فيه:
 مواقيت الصلاة: الرؤية (و/أو) الحساب ، والهلال الرؤية (و/أو) الحساب- ومعنى (رؤيته)- الشرع لم يبين محددات الرؤية - آلية الرؤية وتطبيقها.
الفصل الثالث: اختلاف المطالع. وناقش فيه اتفاق/اختلاف المطالع-الهلال الشمولية والحل.
الفصل الرابع: آلية القمر. وناقش فيه الموضوعات الآتية:
 الاقتران المركزي والاقتران السطحي وكسوف الشمس - متى يبدأ اليوم والشهر- التوقيت الغروبي المنهجي والتوقيت الزوالي- أين يبدأ اليوم والشهر- مكة المكرمة مركز التوقيت- مطالع الشمس ومطالع القمر- اختلاف المطالع مرة أخرى- أولًا تأثير كروية الأرض- ثانيًا تأثير ميل محور الأرض- ثالثا تأثير فلك القمر - الهلال والبدر والمطالع - ولكنهما يشتركان في جزء من الليل- فلك وأوجه القمر- ولكن الهلال كبير- ولكن الهلال قريب- الاقتران وغروبا الشمس والقمر.
الفصل الخامس: أهلة رمضان وشوال وذي الحجة. ناقش فيه الموضوعات الآتية:
 دراسة - تقويم أم القرى - دخول رمضان - هدف الدراسة – منهجية الدراسة - الحسابات الفلكية لتحديد بداية الشهر المفترض - نتائج الدراسة- إلى أين من هنا.
الفصل السادس: علم الفلك والتنجيم ناقش فيه الموضوعات الآتية:
 هل هناك علاقة - اثنتا عشرة أم ثلاث عشرة شخصية- تأثير أي تأثير- نظرة تاريخية- الفرق بين العلم والهوى- ألا له الخلق والأمر.
ثانياً: النقد
1- ادعاؤه أن الرؤية وسيلة يمكن تغيرها بتغير الزمان وتقدم العلم فيمكن الاستعاضة عنها بالحساب الفلكي:
وهذه خلاصة فكرة الكتاب أن الظواهر الطبيعية التي نصت الشريعة عليها لتحديد بدء زمن تكليف شرعي ليست مقصودة بذاتها، بل المقصود هو العبادة التي جاءت الظاهرة لتحديد بدايتها، وأن هذه الظاهرة الطبيعية ما هي إلا وسيلة أو أداة لتلك العبادة، ثم ذكر الأدلة على أن الظواهر الطبيعية وسائل وبلغت ثلاثين دليلًا، ومنها أن الرسل وسيلة لتبليغ دين الله فهل يتعبد بهم مع أنهم أتوا بكل العبادات لا برؤية الهلال فقط إلى غير ذلك.
2- تأويله لحديث (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب).
فقد تعرض لحديث (نحن أمة أمية...) ووجهه إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقر حالة ولا يشرع أمراً، ولا يدعو فيه إلى نبذ الحساب، متَّهمًا من يقول بالاعتماد على الرؤية فقط بأنه ينظر إلى الشرع نظرة انتقائية أحادية ظاهرية، وأنه يناقض آيات وأحاديث أخرى تلزم الحساب كحساب المواريث والكتابة كتابة الدين.
3- قياسه حساب دخول الأشهر وخروجها على حساب مواقيت الصلاة .
فيذكر أن مواقع الشمس استخدمت في تحديد أوقات الصلوات وأيضا لتحديد الإمساك والإفطار، مبيناً تطور الوسائل القديمة المستخدمة في تحديد ذلك بين ما كان في عهد الرسول وما وجد اليوم من جداول وساعات مبرمجة، ويستنكر بعد ذلك الإصرار على التفسير الظاهري لحديث مواقع الهلال والرؤية الطبيعية .
4- تأويله لحديث (صوموا لرؤيته) ليشمل العلم به عن طريق الحساب الفلكي
فإنه تحت عنوان (معنى رؤيته) يقرر أن من معاني (رؤيته)- أي الواردة في الحديث- النظر بالعين المجردة أي المشاهدة، والرؤية بالعين المجردة لكن غير حقيقية أي نفسية، أو التلاقي والاقتراب، أو الرؤية بالقلب أو بالعقل أو العلم بالشيء أو الإيمان بالخبر أو قال وأشار ونصح أو معرفة الحال وبمعنى الرؤيا في المنام إلى غير ذلك، ليدلِّل على أن هذا الحديث ليس معناه محصورا في رؤية العين المجردة بل أيضا العلم بالشيء أي الحساب بدخول الشهر.
5- ادعاؤه قطعية الحساب الفلكي.
فهو يذكر عدة آيات كقوله {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن : 5] وقوله {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس : 39] إلى غير ذلك ويقول كيف يأخذ فرد ما بحساب الشمس ولا يأخذ بحساب القمر، ويدَّعي أن فلك القمر منتظم على مدى السنين، ومعرفة البشر لهذا الفلك دقيقة بشكل مدهش، منكرًا على من يدَّعي أن حساب مواقع القمر غير قطعي رغم قبوله بالحساب المتعلق بالشمس في أوقات الصلوات والإمساك والإفطار. ويقرر أن الاختلاف وارد بين علماء الفلك في إمكانية الرؤية لا في ولادة الهلال.
ويقول: (وأما الاحتجاج على ردِّ علم الفلك بقوله: (إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب) متفق عليه فهو احتجاج فيه نظر، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى رفع التكليف عنا في الأخذ بالحساب ومستلزماته من قراءة وكتابة، ويذكر تعليل ذلك بأننا أمة أمية، ولكن بعد أن تغيرت الحال وأخذنا بقسطنا من تعلم الحساب والقراءة والكتابة والعلوم المختلفة من فلك وعلوم طبيعية من هندسة وطب تقنيات مختلفة، هل يبقى العذر لنا قائمًا في انتفاء التكليف، والحال أننا بعلمائنا المختصين في علوم الفلك والقراءة والكتابة نستطيع) .
6- تشدده في موضوع توحيد الرؤية على الحساب الفلكي
 تحت عنوان (اختلاف المطالع) يذكر المشكلات المترتبة على اختلاف المطالع ، كالاختلاف في مدة شهر رمضان للأمة الإسلامية والعشر الأواخر وليلة القدر وعيد الفطر وتعدد عيد الأضحى من جهة وتفرد يوم عرفة من جهة أخرى، ويتصور وجود أربع بدايات لدخول شهر رمضان، وما يترتب على ذلك، ويرتِّب على الخلاف في رمضان أن نختلف أيضا في دخول شهر ذي الحجة وبالتالي يكون هناك اختلاف في وقفة عرفة.
يقول: (لقد أثبت الحديث ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) دخول الشهر بخبر واحد أو اثنين يدعيان رؤية الهلال بالعين المجردة حيث كانت هي الوسيلة الممكنة والملائمة لمستوى الأمة فكيف يتصور أن يرفض وسيلة لا يتطرق إليها الخطأ أو الوهم أو الكذب، كما أن الوسيلة متاحة للجميع وقابلة للفحص وسيلة الحساب العلمية بلغت درجة اليقين والقطع، ويمكن أن تجتمع عليها أمة الإسلام في شرق الأرض وغربها، وتزيل الخلاف الدائم والمتفاوت في الصوم والإفطار والأعياد إلى مدى ثلاثة أيام تكون فرقًا بين بلد وآخر، وهو ما لا يعقل ولا يقبل لا بمنطق العلم ولا بمنطق الدين، ومن المقطوع به أن أحدهما هو الصواب والباقي خطأ بلا جدال).
والجواب عما ذكره المؤلف:
1- أن الشرع علق الأحكام التعبدية الشهرية على الأهلة بالرؤية أو الإكمال وقد جاءت النصوص بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكي فيها التواتر. ومنها (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمِّي عليكم فأكملوا العدة).
2- أن الشرع أناط الحكم بأول الشهر بوجود الهلال حقيقة لا بوجوده تقديرًا، فإذا انتفى العلم به بحاسة البصر فقد جعل الشرع المصير إلى تعليق الحكم بمناط آخر يستوي فيه عموم البشر، وهو إكمال شعبان مثلًا ثلاثين يومًا.
3- مسألة اعتماد الحساب الفلكي نقل غير واحد الإجماع على المنع منه، وأنه غير معتبر، وممن نقل الإجماع على ذلك الجصاص الحنفي والباجي الشافعي وابن رشد الجد والحفيد المالكيان وابن تيمية الحنبلي والسبكي الشافعي وابن عابدين الحنفي. يقول شيخ الإسلام: (إنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب، أنه يرى أو لا يرى، لا يجوز، والنصوص المستفيضة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة. وقد أجمع المسلمون عليه، ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلًا، ولا خلاف حديث، إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غمَّ الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حقِّ نفسه بالحساب، فإن كان الحساب دلَّ على الرؤية صام وإلا فلا. وهذا القول وإن كان مقيدًا بالإغمام ومختصًّا بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصحو، أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مُسلِمٌ).
وبهذا الإجماع يردُّ على ادعاء أن معنى الرؤية هنا لا يقتصر على الرؤية البصرية وأنه قد يكون المراد بها العلم عن طريق الحساب.
4- أن كثيرًا من المجامع الفقهية منعت من الاعتماد على الحساب الفلكي، ومنها قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عام 1401هـ : ( في مسألة الأهلة ذهب (المجمع) إلى إثباتها بالرؤية البصرية لا على اعتمادها على الحساب الفلكي كما تشهد به الأدلة الشرعية القاطعة، كما ذهب إلى اختلاف المطالع، لما في ذلك من التخفيف على المكلفين مع كونه هو الذي يقتضيه النظر الصحيح، فما يدعيه القائلون من وجوب الاتحاد في يومي الصوم والإفطار مخالف لما جاء شرعاً وعقلاً .. وعلى ضوء ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي إنه لا حاجة إلى الدعوة إلى توحيد الأهلة والأعياد في العالم الإسلامي، لأن توحيدها لا يكفل وحدتهم كما يتوهمه كثير من المقترحين لتوحيد الأهلة والأعياد، وأن تترك قضية إثبات الهلال إلى دور الإفتاء والقضاء في الدول الإسلامية لأن ذلك أولى وأجدر بالمصلحة الإسلامية العامة، وأن الذي يكفل توحيد الأمة وجمع كلمتها هو اتفاقهم على العمل بكتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه سلم ـ في جميع شؤونهم، والله ولي التوفيق) .
ورفض العمل بالحساب الفلكي أيضا هيئة كبار العلماء بالسعودية.
5- أما دعوى أن الحساب الفلكي يقيني قطعي، فلا دليل عليها يكسب إفادته اليقين إلا شهادة بعض الفلكيين لأنفسهم بأن حسابهم يقيني، ومع ذلك فقد قامت الأدلة على أن الحساب أمر تقديري اجتهادي يدخله الغلط، وذلك في النتائج الحسابية التي ينشرها الحاسبون في الصحف من تعذر ولادة شهر رمضان أو شهر الفطر مثلًا ليلة كذا، ثم تثبت رؤية الهلال بشهادة شرعية معدلة، أو رؤية فاشية في ذات الليلة التي قرروا استحالته فيها.
- ومنه ما حدث في هلال الفطر شهر شوال من هذا العام (1406ه)ـ فإن الحاسبين أعلنوا النتيجة في الصحف باستحالة رؤية هلال شوال ليلة السبت (30) من شهر رمضان، فثبت شرعًا بعشرين شاهدًا في المملكة العربية السعودية في مناطق مختلفة، ورؤي في بلدان إسلامية أخرى. وكذلك ما حدث سنة (1413هـ) و ( 1425هـ) و (1428ه)ـ.
- ومن الشواهد أيضًا على ذلك أنا رأينا بعض البلدان الإسلامية تعلن الصوم والفطر بموجب الحساب الفلكي، والفارق بينها وبين البلدان التي تثبته بالرؤية يومان أو ثلاثة، فهل يكون في الدنيا فارق في الشهور القمرية الشرعية كهذه المدة.
- ودليل آخر وهو: التضارب الحاصل بالنتائج والتقاويم المنتشرة بحساب المعاصرين، فإنها متفاوتة مختلفة في إثبات أوائل الشهور، وما زال اختلافها قائمًا في الولاية الواحدة ومن ولاية إلى أخرى، فهذا دليل على دفع يقينيته أو ظنيته الغالبة.
- وكذلك فإن الطب مثلًا في العصر الراهن بلغ من الدقة ما هو مشاهد ومعلوم لعموم الناس، ومع هذا فيقع فيه من الخطأ والغلط ما يكون ضحيته نفس معصومة أو عضو محترم إلى غير ذلك، هذا مع أن لوازمه مدركة بالحواس العاملة فيه من سمع وبصر ولمس.. فكيف بحال الحساب الفلكي؟!
- أيضا فالحساب الفلكي المعاصر قائم على الرصد بالمراصد الصناعية الحديثة، والمرصد كغيره من الآلات التي يؤثر على صلاحيته نتائجها: أي خلل فني فيها قد لا يشعر به الراصد، هذا فيه ظنية من حيث الآلة.
5- أما قوله صلى الله عليه وسلم هنا: ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) فقد قرنه بقول (( الشهر هكذا... )) أي مرة ثلاثين ومرة تسعة وعشرين، فهو محض خبر من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته: أنها لا تحتاج في أمر الهلال إلى كتاب ولا حساب، إذ هو إما ثلاثون يومًا أو تسعة وعشرون يومًا، ومرد معرفته بالرؤية للهلال أو بالإكمال، كما في الأحاديث الثابتة المشعرة بالحصر في هذين الطريقين لا بكتاب ولا بحساب، وهو خبر يتضمن نهيًا عن الاعتماد على الكتاب والحساب في مسألة الهلال.
6- أما مسألة توحيد الرؤية وعدم الاعتداد باختلاف المطالع، فلا شك أنه وقع خلاف بين الفقهاء في ذلك ولكلٍّ أدلته، واختلاف المطالع ليس له آثار كبيرة، نظرا إلى أنه لم تمرَّ فترة على الأمة الإسلامية توحَّدت فيها رؤيتها للهلال، ولا ينبغي التهويل في أن اختلاف أهل الأقطار الإسلامية في يومي الصوم والإفطار مدعاة إلى التفكك والتفرق، فالواجب هو التوحد على العقيدة الصحيحة، والعمل على حمايتها من أسباب الزيع والانحراف، وتحكيم شرع الله بين المسلمين .
هذا بعض ما تيسر من بيان للحق في هذه المسألة.
ومن أراد الاستزادة فيمكنه الاطلاع على المصادر الآتية:
1- أحكام الأهلة والآثار المترتبة عليها لأحمد بن عبد الله الفريح
2- حكم إثبات أول الشهر القمري وتوحيد الرؤية للشيخ بكر أبو زيد

3- رؤية الهلال والحساب الفلكي لشيخ الإسلام ابن تيمية.