التعريف بموضوع الكتاب:
ألَّف أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطَّحَاوي الفقيه الشهير (ت: 321)، في مذهب الإمام أبي حنيفة وأصحابه كتاب (المختصر)، الذي يُعَدُّ من أهم المتون المعتبرة والمعتمدة في المذهب وأقدمها، وقد جمع فيه خلاصة كُتُب ظاهر الرواية لمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة رحمهم الله تعالى جميعاً.
ولمكانة كتاب المختصر العالية، اهتم كبار أئمة المذهب بتدريسه وشرحه والتعليق عليه، وكان من أهم هذه الشروح وأنفسها روايةً ودرايةً شرح أبي بكر أحمد بن علي الرازي الشهير بالجصاص (ت: 370).
دعم الجصاص في شرحه للمختصر أقوال أئمة المذهب بالأدلة، وذكر مبانيها من الكتاب والسنة والنظر مع بيان وجه الدلالة منها. كل ذلك جاء في هذا الشرح بشكل مختصر غير موسع، فقد قال مؤلفه الجصاص في مقدمته: (وأتحرى في جميع ذلك الاختصار والإيجاز). إلا أنه يطيل أحياناً في بعض المسائل بسبب سعة الخلاف الموجود فيها.
والكتاب بهذا يُعَدُّ من أفضل كتب الحنفية التي تُعنى بذكر الدليل، هذا مع ذكر أقوال المخالفين للحنفية، وعرض أهم أدلتهم، حيث يوردها الشارح على سبيل الاعتراض بقوله: (فإن قيل)، ولا يصرح باسمهم إلا قليلا، ثم يخوض في غمار معارك النقاش العلمي، والأخذ والرد، ويجيب عنها بقوله: (قيل له)، فهو بهذا يعد أيضا من كتب الفقه المقارن التي تعنى بالأدلة والمناقشات.
ومن مزايا هذا الشرح إمامة كل من صاحب المختصر، والشارح، واعتمادهما الكبير في المذهب.
ثم إن الطحاوي رحمه الله تعالى في تأليفه لهذا المختصر يمثل طوراً جديدا في المذهب، حيث ضمن معظم مسائل المذهب التي لا يسع جهلها ولا التخلف عنها، فحررها بين دفتي هذا المختصر مع بيان أقوال أئمة المذهب فيها.
ثم جاء الجصاص ليعمل طوراً آخر في المذهب، حيث بين مأخذ ومبنى تلك المسائل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغيرها، مع التعليل والمناقشة، ومع زيادةٍ في تحرير المذهب وتدقيقه فيما تعقبه على الطحاوي، ولم يخل أيضا من تفريعات ومسائل جديدة أضافها.
وقد قسم الجصاص كلام الطحاوي إلى مسائل، وعنون في الغالب لكل منها بقوله: (مسألة)، وأحيانا يورد بعضاً من كلامه الذي يصلح لأن يكون مسألةً بذاتها، فلا يعنون له، فوضع له محققوا هذا الشرح عنوان (مسألة) أيضا، إلحاقاً بأمثاله، كما وضع المحققون لتلك المسائل عناوين فقهية مناسبة لها، وجعلت بين معكوفيتن فوق نص الطحاوي، إلا إذا كان نص المسألة صالحاً لأن يكون عنواناً بذاته.
ومن الجدير بالذكر أنه قد مضى على هذا الكتاب أكثر من ألف سنة وهو حبيس رفوف المخطوطات، إلى أن يسَّر الله تعالى إخراجه محققاً ومعتنىً به من قبل أربعة باحثين خدم كل منهم ربع الكتاب في رسائل جامعية، والكتاب لا يستغني عنه طالب علم مهتم بعلم الفقه.