طَعنُ الأشاعِرةِ في عُلَماءِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ ونَبْزُهم وتكفيرُهم
إعدادُ القِسمِ العلميِّ بمؤسَّسةِ الدُّررِ السَّنيَّةِ
16 جمادى الآخرة 1447
الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ، يَسَّر سُبُلَ الهِدايةِ للخَلقِ أجمَعينَ، وأمَر عِبادَه بسُلوكِها لِيكونوا مِن المُتَّقينَ، ونَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شَريكَ له؛ إلهُ الأوَّلينَ والآخِرينَ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
ونَشهَدُ أنَّ نَبيَّنا مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُه، اختارَه مِن خَلْقِه، وجعَلَه أمينًا على وَحيِه، وسَفيرًا بيْنَه وبيْنَ عِبادِه، بعَثَه بالدِّينِ القَويمِ، والمَنهَجِ المُستَقيمِ، وأرسَلَه رَحمةً للعالَمينَ، وافتَرَض على العِبادِ طاعتَه وتوقيرَه، ومَحبَّتَه والقِيامَ بحُقوقِه، وعَلَّق السَّعادةَ على مُتابَعتِه، وجَعَل الشَّقاوةَ في مُخالفتِه، صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم.
أمَّا بعدُ:
فإنَّ الأشاعرةَ لم يكتَفُوا بمخالفةِ السَّلفِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ فحسب، بل ناصبوا لهم العَداءَ، ووصفُوهم بأبشَعِ الأوصافِ، ونبزوهم وشَتَموهم وبدَّعوهم، بل كَفَّروهم أيضًا، فللَّذينَ يتباكَون على الأشاعِرة ويتَّهِمون أهلَ السَّنَّةِ والحديثِ والأثرِ بأنَّهم أغلظوا القولَ فيهم، إليهم هذه العباراتُ النَّابيةُ والاتهاماتُ الخطيرةُ مِن كبارِ أئمَّةِ الأشاعرةِ، وقد اقتَصَرنا هنا على ذِكرِ عُلَمائِهم المتقَدِّمين، وأهمَلنا المعاصِرين مع أنَّهم لا يختَلِفون عن سلفهم من تبديعِ وتكفيرِ أعلامٍ من أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، وقد ملؤوا فضاءَ الشَّبَكةِ الإلِكترونيَّةِ ووَسائِلَ التَّواصُلِ الحديثةَ وعَدَدًا مِن كُتُبِهم بذلك.
أولًا: نَبْزُهم علماءَ أهلِ السُّنَّة والجماعة ووصفُهم بأبشَعِ الأوصافِ
لقَّبَ الأشاعرةُ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ بألقابٍ بشِعةٍ لتنفيرِ النَّاسِ منهم، وصدِّهم عن الجلوسِ معهم والاستماعِ لهم، مِثلُ: الحَشْويَّةِ، والمشَبِّهةِ، والمجسِّمةِ(1)، وهذه بعضُ أقوالِهم:
1- قال أبو المعالي الجُوَيْنيُّ: (وذهبَتِ المُشبِّهةُ إلى أنَّه -تعالى عن قولِهم- مُختصٌّ بجهةِ فَوقٍ)(2).
وقال أيضًا: (ذهبَتِ الحَشْويَّةُ المُنتمونَ إلى الظَّاهرِ إلى أنَّ كلامَ اللهِ قديمٌ، ثمَّ زعَموا أنَّه حُروفٌ وأصواتٌ(3)، وقطَعوا بأنَّ المسموعَ من أصواتِ القُرَّاءِ ونَغَماتِهم عينُ كلامِ اللهِ)(4).
ونقَل تقيُّ الدِّينِ السُّبْكيُّ عن أبي المعالي الجُوَينيِّ في قَدحِ الإمامِ السِّجزيِّ الحنَفيِّ(5) ما يندَى له الجبينُ، وهذه مقتَطَفاتٌ من كلامِه النَّابيِّ: (أبدَى -أيْ: الإمامُ السِّجزيِّ- مِن غمَراتِ جَهلِه فُصولًا، وسوَّى على قصَبةِ سَخافةِ عَقلِه نُصولًا، ومَخايِلُ الحُمْقِ في تَضاعيفِها مَصقولةٌ، وبَعثاتُ الحَقائقِ دونَها معقولةٌ). وقال عنه: (هذا الجاهلُ الغِرُّ، المُتمادي في الجَهلِ المُصِرُّ)، ومنها قولُه عنه: (وقد كسا هذا التَّيْسُ الأئمَّةَ صِفاتِه) و (أبدى هذا الأحمَقُ كَلامًا ينقُضُ آخِرُه أوَّلَه في الصِّفاتِ، وما يَنبغي لمِثلِه أنْ يتكلَّمَ في صفاتِ اللهِ تعالى على جَهلِه وسَخافةِ عَقلِه)، ومن وصفه له: (اللَّعينُ الطَّريدُ المَهينُ الشَّريدُ) ومن دعائه عليه: (عليه لَعائنُ اللهِ تَتْرى، واحدةً بعد أخرى)، ومنها قولُه عنه بعد نقلِه كلامًا عن نُزولِ الربِّ سبحانه وتعالى: (ومَن قال بذلك حَلَّ دَمُه)(6).
2- وقال أبو حامد الغَزالِيُّ: (أمَّا الحَشْويَّةُ فإنَّهم لم يتمكَّنوا من فَهمِ مَوجودٍ إلَّا في جِهةٍ، فأثبَتوا الجِهةَ -أي: للهِ- حتى لزِمَهم بالضَّرورةِ الجِسْميَّةُ)(7).
3- وقال الرَّازيُّ: (قالتِ المُشبِّهةُ: قولُه تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] هذا يدُلُّ على أنَّ الإلهَ -تعالى- فوقَهم بالذَّاتِ)(8).
وقال أيضًا -بعد أن ساقَ حُجَّةً تدُلُّ عندَه على وجوبِ النَّظَرِ- وهي: (تدُلُّ على فَسادِ قولِ الحَشْويَّةِ الذين يقولونَ: نستفيدُ مَعرفةَ اللهِ والدِّينِ من الكتابِ والسُّنَّةِ)(9).
وقال أيضًا: (واعلَمْ أنَّ محمدَ بنَ إسحاقَ بنِ خُزَيمةَ(10) أورَدَ استدلالَ أصحابِنا بهذه الآيةِ في الكتابِ الذي سمَّاه «التَّوحيدَ»، وهو في الحقيقةِ كتابُ الشِّركِ، واعترَضَ عليها، وأنا أذكُرُ حاصِلَ كلامِه بعدَ حذفِ التَّطويلاتِ؛ لأنَّه كان رَجُلًا مُضطَرِبَ الكلامِ، قليلَ الفَهمِ، ناقِصَ العَقلِ!)(11).
4- وقال الآمِديُّ: (وبهذا ثبَتَ فَسادُ قولِ الحشْويَّةِ: إنَّ الإيمانَ هو التَّصديقُ بالجَنانِ، والإقرارُ باللِّسانِ، والعمَلُ بالأركانِ(12))(13).
5-وقال السُّبكيُّ: (إنَّما المصيبةُ الكُبْرى، والدَّاهيةُ الدَّهياءُ: الإمرارُ على الظَّاهرِ، والاعتقادُ أنَّه المرادُ، وأنَّه لا يستحيلُ على الباري، فذلك قولُ المُجسِّمةِ؛ عُبَّادِ الوَثَنِ الذين في قُلُوبِهم زَيغٌ)(14).
ويصِفُ السُّبْكيُّ المُرادَ عندَ الأشاعرةِ بالحَشْويَّةِ، فيقولُ: (هم طائفةٌ ضَلُّوا عنِ السَّبيلِ وعَمِيَتْ أبصارُهم، يُجْرون آياتِ الصِّفاتِ على ظاهرِها، ويعتقِدونَ أنَّه المُرادُ)(15).
6- وقال السَّنوسِي: (التَّمسُّكُ في أصولِ العقائدِ بمجرَّدِ ظواهِرِ الكِتابِ والسُّنَّةِ مِن غيرِ بصيرةٍ في العَقلِ: هو أصلُ ضَلالةِ الحَشْويَّةِ، فقالوا بالتَّشبيهِ والتَّجسيمِ والجِهةِ؛ عملًا بظاهرِ قولِهِ تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥]، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦]، {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75])(16).
ثانيًا: تكفيرُ الأشاعرةِ مَن ليس على مَذهَبِهم من العُلَماءِ
كثيرًا ما نسمَعُ ونقرأُ لبعضِ الأشاعِرةِ اتِّهامَ السَّلَفِ أهل ِالسُّنَّةِ والجماعةِ بالتَّبديعِ والتَّكفيرِ لغيرِهم، وهم أَولى بهذه التهمة(17)، وهذه أقوالُ كِبارِ عُلَمائِهم:
1- قال أبو منصورٍ عبدُ القاهِرِ بنُ طاهرٍ البَغداديُّ (ت: 429هـ): (إنَّ الأشعريَّ وأكثَرَ المتكَلِّمين قالوا بتكفيرِ كُلِّ مبتدعٍ كانت بدعتُه كُفرًا أو أدَّت إلى كُفرٍ؛ كمن زعَم أنَّ معبودَه صورةٌ(18)، أو أنَّ له حدًّا ونهايةً، أو أنَّه يجوزُ عليه الحَركةُ والسُّكونُ(19))(20).
2- وقال أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ عليِّ بنِ يوسُفَ الشِّيرازيُّ(21) (ت: 476هـ): (فمَن اعتقَد غيرَ ما أشَرْنا إليه من اعتقادِ أهلِ الحَقِّ المنتَسِبين إلى الإمامِ أبي الحسَنِ الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، فهو كافِرٌ(22))(23).
3- وقال يوسُفُ الأُرمويُّ(24) الشَّافعيُّ الأشعَريُّ (ت:612هـ) في جوابِ استفتاءٍ، عمن يعتقد أنَّ اللهَ سبحانَه يتكلَّمُ بحرفٍ وصوتٍ(25).
أجاب الأرمويُّ: (ما نُصَّ عليهم أعلاه اقتَرَفوا حَوبةً عظيمةً يجِبُ عليهم القُفولُ عمَّا اعتقَدوه، وهم كُفَّارٌ عندَ أكثَرِ المتكَلِّمين، وكيف يسوغُ قَبولُ أقوالِهم؟! ويجِبُ على مَن إليه الأمرُ إحضارُهم واستتابتُهم عمَّا هم عليه، فإن تابوا وإلَّا قُتِلوا، وحُكمُهم في الاستتابةِ حُكمُ المرتَدِّ في إمهالِه ثلاثةَ أيَّامٍ، ولا يُقتَلُ في الحالِ)(26).
4- وقال الخطيبُ محمَّدُ بنُ إبراهيمَ الحَمَويُّ(27) (ت:615هـ): (مَن قال: إنَّ اللهَ متكَلِّمٌ بحرفٍ وصوتٍ، فقد قال قولًا يلزَمُ منه أنَّ اللهَ جِسمٌ، ومن قال: إنَّه جسمٌ، فقد قال بحدوثِه، ومن قال بحدوثِه فقد كَفَر، والكافِرُ لا تَصِحُّ ولايتُه، ولا تُقبَلُ شهادتُه، واللهُ أعلَمُ)(28).
5- وقال تقيُّ الدِّينِ السُّبكيُّ (ت: 756هـ) عن تقيِّ الدِّينِ بنِ تيميَّةَ: (أحدَثَ ابنُ تيميَّةَ ما أحدث في أصولِ العقائدِ، ونَقَض من دعائِمِ الإسلامِ الأركانَ والمعاقِدَ، بعد أن كان مستَترًا بتَبعيَّةِ الكتابِ والسُّنَّةِ، مُظهِرًا أنَّه داعٍ إلى الحقِّ هادٍ إلى الجنَّةِ، فخرج من الاتِّباعِ إلى الابتداعِ، وشَذَّ عن جماعةِ المُسلِمين بمخالفةِ الإجماعِ... فلم يدخُلْ في فِرقةٍ من الفِرَقِ الثَّلاثةِ والسَّبعين التي افترقت عليها الأمَّةُ، ولا وقَفَت به مع أمَّةٍ من الأمَمِ هِمَّةٌ، وكُلُّ ذلك وإن كان كُفرًا شنيعًا ممَّا تَقِلُّ جملتُه بالنِّسبةِ لِما أحدَث في الفُروعِ!)(29).
وقال في حَقِّ ابنِ القِيِّمِ: (فهو المُلحِدُ، عليه لعنةُ اللهِ! ما أوقَحَه! وما أكثَرَ تجرُّؤَه! أخزاه اللهُ!)(30).
وقال عنه أيضًا: (انتهى كلامُ هذا المُلحِدِ، تبًّا له! وقطَع اللهُ دابِرَ كلامِه! انظُرْ هذا الملعونَ...)(31).
6- وقال تقيُ الدِّينِ الحِصْنيُّ الأشعريُّ (ت: 829هـ): (إنَّ ابنَ تَيميَّةَ الَّذي كان يوصَفُ بأنَّه بَحرٌ في العِلمِ لا يُستَغرَبُ فيه ما قاله بعضُ الأئِمَّةِ عنه مِن أنَّه زِنديقٌ مُطلَقٌ!...)(32).
وقال المقريزيُّ عن الحِصْنيِّ هذا: (كان شديدَ التَّعصُّبِ للأشاعِرةِ، منحَرِفًا عن الحنابلةِ انحرافًا يخرُجُ فيه عن الحَدِّ، فكانت له معهم بدِمَشقَ أمورٌ عديدةٌ، وكان يُفحِشُ في حقِّ ابنِ تيميَّةَ ويجْهَرُ بتكفيرِه من غيرِ احتشامٍ، بل يَصْرُخُ في الجوامِعِ والمجامِعِ بأن ابن تيميَّة كافرٌ، فتلقَّى ذلك عنه أتباعُه واقتَدَوا به فيه جريًا على عادةِ أهلِ زمانِنا في تقليدِ من اعتقدُوه)(33).
7- قال ابن حجر في ترجمةِ ابنِ تَيميَّةَ: (ثمَّ بلَغ المالِكيَّ أنَّ النَّاسَ يتردَّدون إليه(34)، فقال: يجِبُ التَّضييقُ عليه إنْ لم يُقتَلْ، وإلَّا فقد ثبت كُفرُه، فنقلوه ليلةَ عيدِ الفِطرِ إلى الجُبِّ)(35).
8- وقال أحمدُ بنُ حَجَرٍ الهَيتميُّ الشَّافعيُّ الأشعَريُّ (ت: 974هـ) عن ابنِ تيميَّةَ وابنِ القَيِّمِ: (لهما في هذا المقامِ من القبائِحِ وسوءِ الاعتقادِ ما تَصَمُّ عنه الآذانُ، فيُقضى عليه بالزُّورِ والكَذِبِ والضَّلالِ والبُهتانِ، قبَّحهما اللهُ، وقبَّح من قال بقولِهما، والإمامُ أحمدُ وأجلَّاءُ مذهَبِه مبرَّؤون عن هذه الوَصمةِ القبيحةِ، كيف وهو كُفرٌ عندَ كثيرينَ؟!)(36).
- وقال أيضًا: (وإيَّاك أن تُصغيَ إلى ما في كتُبِ ابنِ تيميَّةَ وتلميذِه ابنِ قَيِّمِ الجوزيَّةِ وغيرِهما ممَّن اتَّخذ إلهَه هواه، وأضَلَّه اللهُ على عِلمٍ وخَتَم على سمعِه وقَلبِه وجَعَل على بصرهِ غِشاوةً، فمَن يهديه مِن بعدِ اللهِ، وكيف تجاوَز هؤلاء الملحِدون الحدودَ، وتعدَّوا الرُّسومَ وخرَقوا سياجَ الشَّريعةِ والحقيقةِ، فظنُّوا بذلك أنَّهم على هدًى من ربِّهم، وليسوا كذلك، بل هم على أسوَأِ الضَّلالِ، وأقبَحِ الخِصالِ، وأبلَغِ المقْتِ والخُسرانِ، وأنهى الكَذِبِ والبُهتانِ؛ فخَذَل اللهُ مُتَّبِعَهم، وطَهَّر الأرضَ من أمثالِهم)(37).
- وقال أيضًا: (ابنُ تيميَّةَ عبدٌ خذَله اللهُ وأضلَّه وأعماه وأصمَّه وأذَلَّه... والحاصِلُ ألَّا يقامَ لكلامِه وَزنٌ، بل يُرمى في كلِّ وَعْرٍ وحَزنٍ، ويُعتقَدُ فيه أنه مُبتدِعٌ ضالٌّ ومُضِلٌّ جاهِلٌ غالٍ، عاملَه اللهُ بعَدلِه، وأجارنا مِن مِثلِ طريقتِه وعقيدتِه وفِعلِه)(38).
9- وقال إسماعيلُ الحامِديُّ(39) (ت: 1316هـ) عن ابنِ تَيميَّةَ: (الحَنبليُّ المشهورُ، زِنديقٌ، وبُغضُه للدِّينِ وأهلِه لا يخفى)(40).
10- وقال محمَّد زاهد الكَوثريُّ (ت: 1371هـ) حامِلُ رايةِ الدِّفاعِ عن مَذهَبِ الماتُريديَّةِ والأشاعِرةِ والصُّوفيَّةِ: (ومَن أطلَق الكُفرَ على إثباتِ الِجهةِ في غايةٍ من الكثرةِ بينَ الأئمَّةِ)(41).
وقال عن ابنِ القَيِّمِ: عندَه (زندقةٌ مكشوفةٌ، ومُروقٌ ظاهرٌ، وإصرارٌ على اعتقادِ الإيمانِ كُفرًا. قبَّحه اللهُ! ... أنَّ هذا النَّاظِمَ -يعني ابنَ القَيِّمِ- بلَغ في كُفرِه مبلغًا لا يجوزُ السُّكوتُ عليه، ولا يحسُنُ لمؤمِنٍ أن يُغضيَ عنه، ولا أن يتساهَلَ فيه)(42).
وازِنْ بينَ أقوالِ مَن تقدَّمَ من عُلَماءِ الأشاعِرةِ وبَينَ أقوالِ ابنِ تيميَّةَ صاحِبِ كتابِ: «رَفْع الملام عن الأئمَّةِ الأعلام» الَّذي بسَطَ العُذرَ فيه لأئمَّةِ الإسلامِ، والذي قال: (المُتأوِّلُ الذي قَصْدُه متابعةُ الرَّسولِ لا يُكفَّرُ، بل ولا يُفَسَّقُ إذا اجتهد فأخطَأ، وهذا مشهورٌ عِندَ النَّاسِ في المسائِلِ العَمَليَّةِ، وأمَّا مسائِلُ العقائِدِ فكثيرٌ من النَّاسِ كفَّر المُخطِئينَ فيها، وهذا القَولُ لا يُعرَفُ عن أحَدٍ من الصَّحابةِ والتَّابعينَ لهم بإحسانٍ، ولا عن أحَدٍ من أئمَّةِ المُسلِمينَ، وإنَّما هو في الأصلِ من أقوالِ أهلِ البِدَعِ، الذين يبتَدِعون بدعةً ويُكَفِّرون من خالَفهم، كالخوارجِ والمُعتَزِلةِ والجَهميَّةِ، ووقَع ذلك في كثيرٍ من أتباعِ الأئمَّةِ، كبَعضِ أصحابِ مالِكٍ والشَّافعيِّ وأحمدَ وغَيرِهم... وإذا لم يكونوا في نفسِ الأمرِ كُفَّارًا لم يكونوا مُنافِقينَ، فيكونونَ من المؤمِنينَ، فيُستغفَرُ لهم ويُترحَّمُ عليهم. وإذا قال المؤمِنُ: { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] يقصِدُ كُلَّ مَن سبَقه من قُرونِ الأمَّةِ بالإيمانِ، وإن كان قد أخطَأ في تأويلٍ تأوَّله فخالَف السُّنَّةَ، أو أذنب ذنبًا؛ فإنَّه من إخوانِه الذين سبَقوه بالإيمانِ، فيدخُلُ في العُمومِ، وإن كان من الثِّنتَينِ والسَّبعينَ فِرقةً، فإنَّه ما من فِرقةٍ إلَّا وفيها خَلقٌ كثيرٌ ليسوا كُفَّارًا، بل مُؤمِنينَ فيهم ضَلالٌ وذنبٌ يَستحِقُّونَ به الوعيدَ، كما يستحِقُّه عُصاةُ المؤمِنينَ. والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُخرِجْهم من الإسلامِ، بل جعَلهم من أمَّتِه، ولم يقُلْ: إنَّهم يُخلَّدونَ في النَّارِ، فهذا أصلٌ عظيمٌ ينبغي مراعاتُه؛ فإنَّ كثيرًا من المُنتَسِبينَ إلى السُّنَّةِ فيهم بِدعةٌ)(43).
وقال: (وليس كُلُّ مَن خالف في شيءٍ من هذا الاعتقادِ يجِبُ أن يكونَ هالِكًا؛ فإنَّ المنازِعَ قد يكونُ مجتَهِدًا مخطِئًا يغفِرُ اللهُ خطأَه، وقد لا يكونُ بلَغَه في ذلك من العِلمِ ما تقومُ به عليه الحُجَّةُ، وقد يكونُ له من الحسَناتِ ما يمحو اللهُ به سَيِّئاتِه، وإذا كانت ألفاظُ الوعيدِ المتناوِلةُ له لا يجِبُ أن يدخُلَ فيها المتأوِّلُ والقانتُ، وذو الحسَناتِ الماحيةِ، والمغفورُ له وغيرُ ذلك؛ فهذا أَولى، بل موجِبُ هذا الكلامِ أنَّ من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقادِ، ومَن اعتقد ضِدَّه فقد يكونُ ناجيًا وقد لا يكونُ ناجيًا، كما يقالُ: مَن صَمَت نجا)(44).
وقال: (ولا رَيْبَ أنَّ مَن اجتَهَدَ في طَلَبِ الحَقِّ والدِّينِ مِن جِهةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأخطَأَ في بعضِ ذلك، فاللهُ يَغفِرُ له خَطَأَه؛ تَحقيقًا للدُّعاءِ الذي استَجابَه اللهُ لنَبيِّه وللمُؤمِنينَ؛ حيثُ قالوا: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: 286].
ومَن اتَّبَعَ ظَنَّه وهواه فأخَذَ يُشنِّعُ على مَن خالَفَه بما وَقَعَ فيه مِن خَطَأٍ ظَنَّه صَوابًا بَعدَ اجتِهادِه، وهو مِن البِدَعِ المُخالِفةِ للسُّنَّةِ، فإنَّه يَلزَمُه نَظيرُ ذلك أو أعظَمُ أو أصغَرُ فيمَن يُعظِّمُه هو مِن أصحابِه، فقَلَّ مَن يَسلَمُ مِن مِثلِ ذلك في المُتَأخِّرينَ؛ لكَثرةِ الاشتِباهِ والاضطِرابِ، وبُعدِ النَّاسِ عن نورِ النُّبُوَّةِ وشَمسِ الرِّسالةِ، الذي به يَحصُلُ الهُدى والصَّوابُ، ويَزولُ به عن القُلوبِ الشَّكُّ والارتيابُ؛ ولهذا تَجِدُ كَثيرًا من المُتَأخِّرينَ مِن عُلَماءِ الطَّوائِفِ يَتَناقَضونَ في مِثلِ هذه الأصولِ ولَوازِمِها، فيَقولونَ القَولَ المُوافِقَ للسُّنَّةِ، ويَنفونَ ما هو مِن لَوازِمِه غَيرَ ظانِّينَ أنَّه مِن لَوازِمِه، ويَقولونَ ما يُنافيه غَيرَ ظانِّينَ أنَّه يُنافيه، ويَقولونَ بمَلزوماتِ القَولِ المُنافي ما أثبَتوه مِن السُّنَّةِ، وربَّما كَّفروا مَن خالفَهم في القولِ المنافي ومَلزوماتِه، فيكونُ مضمونُ قولِهم أن يقولوا قولًا ويُكَفِّروا مَن يقولُه، وهذا يوجَدُ لكثيرٍ منهم في الحالِ الواحِدِ، لعدَمِ تفطُّنِه لتناقُضِ القولينِ، ويوجَدُ في الحالينِ لاختلافِ نَظَرِه واجتهادِه)(45).
أمَّا هؤلاء الذين كذَبوا عليه وظَلمُوه وقذفُوه بأقبح السِّبابِ والشَّتائمِ فقد قال عنهم: (فلا أحِبُّ أن يُنتصَرَ من أحدٍ بسَبَبِ كَذِبِه عَليَّ أو ظُلمِه وعُدوانِه؛ فإنِّي قد أحلَلتُ كُلَّ مُسلمٍ، وأنا أحِبُّ الخيرَ لكُلِّ المُسلِمين، وأريدُ لكُلِّ مؤمنٍ من الخيرِ ما أحِبُّه لنفسي، والذين كَذَبوا وظلَموا فهم في حِلٍّ مِن جِهتي)(46).
ووازِنْ أيضًا كلامَهم بكَلام تِلمِيذِه ابنِ القَيِّمِ: (مَن له عِلمٌ بالشَّرعِ والواقِعِ يَعلَمُ قَطعًا أنَّ الرَّجُلَ الجليلَ الذي له في الإسلامِ قَدَمٌ صالحٌ وآثارٌ حَسَنةٌ، وهو من الإسلامِ وأهلِه بمَكانٍ: قد تكونُ منه الهَفوةُ والزَّلَّةُ هو فيها مَعذورٌ بل ومأجورٌ لاجتهادِه؛ فلا يجوزُ أن يُتَّبَعَ فيها، ولا يجوزُ أن تُهدَرَ مَكانَتُه وإمامَتُه ومَنزِلَتُه في قُلوبِ المُسلِمينَ)(47).
هذا، وقد قال ابنُ القَيِّمِ عن شَيخِه ابنِ تيميَّةَ: (وكان بعضُ أصحابِه الأكابِرِ يقولُ: وَدِدْتُ أنِّي لأصحابي مِثلُه لأعدائِه وخُصومِه! وما رأيتُه يدعو على أحَدٍ منهم قَطُّ، وكان يدعو لهم، وجئتُ يومًا مُبَشِّرًا له بموتِ أكبَرِ أعدائِه، وأشَدِّهم عَداوةً وأذًى له، فنَهَرني وتنكَّرَ لي واسترجَعَ! ثمَّ قام مِن فَورِه إلى بيتِ أهلِه فعَزَّاهم، وقال: إنِّي لكم مكانَه، ولا يكونُ لكم أمرٌ تحتاجون فيه إلى مساعدةٍ إلَّا وساعدتُكم فيه! ونحوَ هذا من الكلامِ، فسُرُّوا به، ودَعَوا له، وعَظَّموا هذه الحالَ منه)(48).
نسألُ اللهَ العَليَّ القَديرَ أنْ يُرِيَنا الحَقَّ حقًّا ويَرزُقَنا اتِّباعَه،
وأنْ يُرِيَنا الباطِلَ باطلًا ويَرزُقَنا اجتِنابَه.
والحمدُ للهِ ربِّ العالَمين
-----------------------------------
[1] أخرج اللَّالَكائيُّ في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (1/200، 201) عن ابنِ أبي حاتمٍ قال: سمعتُ أبي يقول: (علامةُ أهلِ البِدَعِ الوقيعةُ في أهلِ الأثرِ، وعلامةُ الزَّنادقةِ تسميتُهم أهلَ السُّنَّةِ حَشْويَّةً، يريدونَ إبطالَ الآثارِ، وعلامةُ الجَهميَّةِ تَسميتُهم أهلَ السُّنَّةِ مُشَبِّهةً، وعلامةُ القَدَريَّةِ تسميتُهم أهلَ الأثَرِ مُجبرةً، وعلامةُ المُرجِئةِ تسميتُهم أهلَ السُّنَّةِ مُخالِفةً ونُقصانيَّةً، وعلامةُ الرَّافضةِ تسميتُهم أهلَ السُّنَّةِ ناصبةً. ولا يَلحَقُ أهلَ السُّنَّةِ إلَّا اسمٌ واحدٌ، ويستحيلُ أن تجمَعَهم هذه الأسماءُ).
وفي لفظٍ عندَه (3/588) قال: (علامةُ الجَهميَّةِ تسميتُهم أهلَ السُّنَّةِ مُشَبِّهةً، وعلامةُ القَدَريَّةِ تَسميتُهم أهلَ السُّنَّةِ مُجبرةً، وعلامةُ المُرجِئةِ تسميتُهم أهلَ السُّنَّةِ نُقصانيَّةً، وعلامةُ المُعتَزِلةِ تسميتُهم أهلَ السُّنَّةِ حَشْويَّةً، وعلامةُ الرَّافِضةِ تسميتُهم أهلَ السُّنَّةِ نابتةً).
ويُنظر مقال: ((براءةُ الأشاعرةِ من مَذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ)) لسلطان العميري.
[2] ((الشاملُ في أصولِ الدِّينِ)) (ص: 511).
[3] هذه عقيدةُ السَّلفِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ.
[4] ا((لإرشادُ إلى قواطعِ الأدلةِ في أصولِ الاعتقادِ)) (125).
[5] هو الإمامُ الحُجَّةُ، العالمُ، الحافظُ، المجوِّدُ، شيخُ السُّنَّة، أبو نَصرٍ عُبَيدُ اللهِ بنُ سعيدِ بنِ حاتمِ الوائليُّ، البكريُّ، السِّجِستانيُّ، شيخُ الحَرَمِ. يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (17/654).
[6] ((السيفُ الصقيلُ)) (ص: 25).
[7] ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص: 72).
[8] ((تفسير الرازي)) (7/218).
[9] المصدر السابق: (8/56).
فالرَّازيُّ إمامُ الأشاعرةِ يرى أنَّ من فسادِ القول: مَعرفةَ اللهِ والدِّينِ من الكتابِ والسُّنَّةِ.!!
[10] قال عنه الذَّهَبيُّ: (الحافظُ، الحُجَّةُ، الفقيهُ، شيخُ الإسلامِ، إمامُ الأئمَّةِ، أبو بكرٍ السلميُّ النَّيسابوريُّ، الشَّافعيُّ، صاحبُ التَّصانيفِ). ((سير أعلام النبلاء)) (14/365).
[11] ((تفسير الرازي)) (27/582).
والعَجَبُ لا ينقضي من ادِّعاءِ الأشاعِرةِ انتِسابهم للسَّلفِ أهلِ السُّنَّة والجماعةِ، وإمامُهم والمقَدَّمُ فيهم يقولُ عن أحَدِ أئِمَّةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ بلا مُنازِعٍ؛ الإمامِ ابنِ خُزَيمةَ: إنَّه كان رَجُلًا مُضطَرِبَ الكلامِ، قليلَ الفَهمِ، ناقِصَ العَقلِ. وعن كتابِه العظيمِ (كتابِ التَّوحيدِ): كتابُ الشِّركِ! وهو من أعظمِ كُتُبِ التَّوحيدِ عند السَّلَفُ!!
[12] هذه عينُ عقيدةُ السَّلفِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، وهو عند الأشاعرةِ قولٌ فاسدٌ.
[13] ((غاية المَرام في علم الكلام)) (ص: 311).
[14] ((طبقات الشافعيَّة)) (5/192).
أئمة السَّلفِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ أطبقوا على مقولتِهم في الصِّفات: (أمرِّوها على ظاهرِها) أو (أمرِّوها كما جاءت) أيْ: من غير تكيِيفٍ. وإمامُ الأشاعرةِ السُّبكيُّ يرى أنَّ هذه المقولةَ مصيبةًٌ كُبْرى، ودَّاهيةٌ دهْياء وأنَّها مقولةُ المُجسِّمةِ؛ عُبَّادِ الوَثَنِ الذين في قُلُوبِهم زَيغٌ.
[15] ((الإبهاج في شرح المنهاج)) (1/361).
[16] ((شرح أم البراهين)) للسنوسي (ص: 292).
[17] التَّاريخُ يَشهَدُ أنَّه حَصَل نِزاعٌ بين الحنابلةِ والأشاعرة واعتدى كلُّ فريقٍ منهم على الآخَر، لكِنَّ المقصودَ هنا إيضاحُ حقيقةِ الأشاعِرةِ الذين يتَّهِمون غيرَهم بالتَّكفيرِ والتَّضليلِ، ويُبَرِّئون ساحتَهم منها.
[18] أورده الكَوثريُّ في حاشيتِه على ((السَّيفِ الصَّقيلِ)) للسُّبكيِّ (ص: 34) بلفظِ: (كمَن زعَمَ أنَّ لمعبودِه صورةً)، أي: كمن يُثبِتُ الصُّورةَ للهِ عزَّ وجَلَّ، ويعني بهم السَّلَفَ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ؛ وهي ثابتةٌ في أكثر من حديثٍ صحيحٍ منها حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((...فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ في صُورَةٍ غيرِ صُورَتِهِ الَّتي رَأَوْهُ فِيهَا أوَّلَ مَرَّةٍ، فيَقولُ: أنَا رَبُّكُمْ، ...)) رواه البخاري (7439).
[19] يعني بهم السَّلَفَ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ المثبِتينَ لصفةِ النُّزولِ للهِ تعالى، الثَّابتةِ في الحديثِ الصَّحيحِ الذي رواه البخاريُّ (7494) ومسلمٌ (6551) عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فيَقولُ: مَن يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له)).
[20] يُنظر: ((الأسماء والصفات)) (3/87) تحقيق أنس الشرفاوي، ((الأسماء والصفات)) (2/727) تحقيق أحمد رجب.
[21] إمامُ الشَّافعيَّةِ والأشاعرةِ في زمانِه، صاحِبُ ((التنبيه)) و((اللُّمَع))، وصاحِبُ كتابِ ((المهذَّب في فقهِ الإمامِ الشَّافعيِّ))، الذي شرح بعضَه النَّوويُّ في ((المجموع)). يُنظر: ((طبقات الشافعية)) للسبكي (4/215)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (18/452).
[22] انظر كيف يكفِّر جميعَ المسلمين عدا الأشاعرة وهو إمام الشَّافعيَّة والأشاعرة في زمانه!!
[23] ((شرح اللمع)) (1/111).
[24] يوجَدُ بهذا الاسمِ اثنانِ لهما عنايةٌ بالعِلمِ؛ أحَدُهما: يوسُفُ بنُ أبي الفَضلِ الأرمويُّ، قاضٍ فقيهٌ متقدِّمٌ، عاش في القرنِ الخامِسِ الهِجريِّ، لم نجِدْ نصًّا على تاريخِ وفاتِه، والآخَرُ: هو يوسُفُ ابنُ محمَّدٍ الأرمويُّ، صاحِبُ حديثٍ، متأخِّرٌ عنه، وهو حفيدُ المحدِّثِ المعروفِ أبي الفَضلِ الأرمويِّ، ولعلَّه المقصودُ، توفِّيَ في ربيعٍ الآخِرِ سنةَ (612 هـ). يُنظر: ((المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي)) للذهبي (15/375، 376)
[25] وهو معتقد السَّلفِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ.
[26] ((نجم المهتدي ورجم المعتدي)) لابن المعلم القرشي (2/467).
فعنده المثبتُ أنَّ اللهَ سبحانَه يتكلَّمُ بحرفٍ وصوتٍ كافرٌ مرتدٌ يُستتابُ فإنْ تابَ وإلا قُتِل.!!
[27] لعَلَّه أبو عبدِ اللهِ الغَسَّانيُّ الحَمَويُّ، المعروفُ بابنِ الجاموسِ، ترجمه السُّبكيُّ في ((طبقات الشافعية الكبرى)) (8/45)، وقال: (تفقَّه بحَماة، ثمَّ توجَّه إلى القاهرةِ، ووَليَ خَطابةَ الجامعِ العتيقِ بمِصرَ، والتَّدريسَ بمشهدِ الحُسَينِ، توفِّيَ في ربيعٍ الأوَّلِ سنةَ خمسَ عشرةَ وسِتِّمائةٍ)، وقد جزم محقِّقُ ((نجم المهتدي)) (2/468) بأنَّه بدرُ الدِّينِ ابنُ جماعةَ، المتوفَّى سنةَ (733 هـ)!
[28] ((نجم المهتدي ورجم المعتدي)) لابن المعلم القرشي (2/468)، يقولُ هذا وهو يعلَمُ أنَّ أهلَ الحديثِ وغيرَ المفوِّضةِ من الحنابلةِ كُلُّهم يقولون بهذا، ولا يتورَّعُ عن تكفيرِهم جميعًا!
[29] ((الدرة المضية في الرد على ابن تيمية)) (ص: 6، 7).
[30] ((السيف الصقيل)) (ص: 41).
[31] المصدر السابق: (ص: 53).
[32] ((دفع شبه من شبه وتمرد)) (ص: 64).
[33] ((درر العقود الفريدة، في تراجم الأعيان المفيدة)) (1/142).
وما أكثَرَ الأشاعِرةَ المُعاصِرينَ الذين يُكَفِّرونَ ابنَ تيميَّةَ! فإن كان الحصنيُّ يُكفِّرُه على المنابِرِ فهم يُكَفِّرونَه على المنابِرِ وفَضاءِ الإنتَرْنِت ووَسائِلِ التَّواصُلِ الحَديثةِ.
[34] أي أنَّ القاضي المالكيَّ الأشعريَّ الذي أمر بحبسِ ابن تيمية بلغَه أنَّ النَّاس يتردَّدون عليه في الحبس فاستشاط غضبُه.
[35] ((الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة)) (1/171).
[36] ((أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل)) (ص: 173).
[37] ((الفتاوى الحديثية)) (ص: 144).
[38] المصدر السابق: (ص: 83، 84).
وللهيتميِّ من جنسِ هذا التَّهَوُّرِ شيءٌ كثيرٌ، وقد انبرى للمُحاكمةِ بينَ أحمدَ ابنِ تيميَّةَ وأحمدَ الهَيتميِّ أبو البركاتِ الآلوسيُّ (ت: 1317هـ) في كتابه: ((جلاء العينين في محاكمة الأحمدين)).
[39] من عُلماءِ الأزهر.
[40] ((حواش على شرح الكبرى للسنوسي)) (ص: 62).
[41] ((حاشية السيف الصقيل)) (ص: 40).
[42] ((السيف الصقيل)) (ص: 145).
وللكوثريِّ في هذا البابِ من التَّكفيرِ والتَّفسيقِ والتَّقبيحِ والسَّبِّ واللَّعنِ وغيرِ ذلك ممَّا يُستحيا مِن ذِكرِه ما لا يكادُ يُحصى كثرةً! فعليه إثمُها وإثمُ مَن اتَّبَعه عليها، وكتابُه: ((تبديد الظَّلام المخيم من نونيَّة ابن القَيِّم)) مليءٌ بألفاظِ التَّكفيرِ والسَّبِّ والثَّلبِ لابنِ القَيِّمِ ممَّا يأنفُ الطَّبعُ عن سماعِه!.
[43] ((منهاج السنة النبوية)) (5/239 - 241).
[44] ((مجموع الفتاوى)) (3/179).
[45] ((درء تعارض العقل والنقل)) (2/103، 104).
[46] ((مجموع الفتاوى)) (28/55).
[47] ((أعلام الموقعين)) (5/235).
[48] ((مدارج السالكين)) (2/328، 329).