التَّعريفُ بمَوضوعِ الكتابِ:
لا يخفى أنَّ الإجماعَ أصلٌ عظيمٌ من أصولِ الدِّينِ، ومَصدرٌ من مصادِرِ التَّشريعِ، وهو أحدُ أدلَّةِ الأحكامِ، وقد اعتنى الأئمَّةُ والفُقَهاءُ ببيانِ هذا الأصلِ، وما وقَع فيه الإجماعُ، تدوينًا وتحريرًا، ولا سبيلَ إلى الفِقهِ في دِينِ اللهِ تعالى إلَّا بالعِلمِ بـمواطنِ الاتِّفاقِ ومواطِنِ الخِلافِ بَينَ الفُقهاءِ والعُلَماءِ.
ولَمَّا كان الإجماعُ بهذه الأهمِّيَّةِ وبتلك المنزِلةِ، وكان كثيرٌ من الإجماعاتِ بحاجةٍ إلى التَّحقُّقِ من مدَى صحَّتِها وسلامتِها من وقوعِ المخالَفةِ؛ كانت الحاجةُ ماسَّةً إلى جمعِ الإجماعاتِ في أبوابِ الفِقهِ من مختَلِفِ الكتُبِ الشَّرعيَّةِ، مع بَذْلِ الجُهدِ في التَّحقُّقِ من صِحَّةِ الإجماعِ وعدمِ وجودِ خِلافٍ يَخرِقُ هذا الإجماعَ، وهذا ما تحقَّقَ في هذا السِّفرِ النَّفيسِ في (إجماعات المعاملاتِ المالِيَّةِ)، وقد سبَق نشرُ نظيرٍ له في (إجماعات العباداتِ).
عرضُ الكتابِ:
اشتَمَل الكتابُ على الإجماعاتِ الواردةِ في المعامَلاتِ الماليَّةِ، وهي: (البُيوعُ، الرِّبا، القَرضُ، الإجارةُ، الشَّرِكةُ، الشُّفعةُ، الصُّلحُ، الحَوالةُ، الرَّهنُ، الضَّمانُ والكَفالةُ، الوَكالةُ، الوديعةُ، العاريَّةُ، الوَقفُ، الهِبةُ، الوَصيَّةُ، الوِلايةُ والوِصايةُ، الحَجْرُ، السِّباقُ، الغَصبُ، اللُّقَطةُ، إحياءُ المَواتِ وإقطاعُ الإمامِ).
وقد بلغ مجموعُ المسائِلِ المذكورةِ في الكتابِ ثَلاثَ مِئةٍ واثنَتَينِ وأربعينَ (342) مسألةً.
وجُمِعَت نُصوصُ الإجماعاتِ الثَّابتةِ في مسائِلِ المعامَلاتِ الماليَّةِ في الأبوابِ الَّتي سلف ذِكرُها، والتَّرتيبُ بَينَها حَسَبَ وَفَياتِ ناقِليها.
وكان مِن منهجِ الكِتابِ:
1- أنَّ نَفيَ العِلمِ بالخلافِ -كقَولِهم: (لا أعلَمُ في هذا خِلافًا، أو: لا أعلَمُ خِلافًا بَينَ أهلِ العِلمِ في كذا، أو: لا أعرِفُ بَينَهم خلافًا، ونحوَ ذلك)- لا يُعَدُّ إجماعًا على الرَّاجِحِ من أقوالِ أهلِ العِلمِ، وعليه فقد استُبعِدَت مسائِلُ نصوصِ الإجماعِ التي اشتَمَلت على ذلك إلَّا إذا وُجِد في المسألةِ نصوصُ إجماعاتٍ صريحةٌ، فتُذكَرُ مِثلُ هذه الإجماعاتِ تَبَعًا.
2- خِلافُ الظَّاهِريَّةِ يُعَدُّ خَرقًا للإجماعِ على الرَّاجِحِ، وعليه فقد استُبعِدَت كُلُّ مسألةٍ خالف فيها الظَّاهِريَّةُ.
3- استبعادُ بعضِ الإجماعاتِ غيرِ الواضِحةِ، أو الَّتي تكثُرُ فيها الاستثناءاتُ والاحترازاتُ، مِثلُ بَعضِ إجماعاتِ ابنِ حَزمٍ، وذلك إذا كان في البابِ إجماعاتٌ أُخرى تُغني عنها.
4- الاقتصارُ في الإجماعاتِ المنقولةِ على مَحلِّ الشَّاهِدِ من كلامِ أهلِ العِلمِ ممَّا يتعلَّقُ بالإجماعِ، وحذفُ ما عدا ذلك، كمُستنَدِ الإجماعِ، أو التَّفريعِ في المسألةِ، وغيرِ ذلك، خاصَّةً إذا كان الكلامُ طويلًا.
5- قد يُذكَرُ الخِلافُ في بعضِ مَسائِلَ فيها إجماعاتٌ، ولم يُعتبَرْ خَرقًا للإجماعَ، لأسبابٍ؛ منها:
- أن يُنقَلَ الخِلافُ عن أهلِ البِدَعِ، كالخوارجِ، والرَّافِضةِ، فلا نعتَبِرُ خِلافَهم.
- ألَّا يصحَّ النَّقلُ عمَّن نُقِل عنه الخلافُ، أو أن يكونَ حصَل غَلَطٌ في فَهمِ كَلامِه.
- أن يكونَ من نُقِل عنه الخلافُ قد ثبَت رجوعُه عنه، أو رُوِيَ عنه خِلافُه.
- أنْ ينصَّ بعضُ أهلِ العِلمِ مِن المحقِّقينَ على أنَّ الخِلافَ شاذٌّ ولا يُعتدُّ به.
- أن يُطمَأنَّ إلى ثبوتِ الإجماعِ وانعقادِه، لا سيَّما إذا كان المخالِفُ متأخِّرًا، أو كان خَطؤُه بيِّنًا.
6- تمييزُ الخلافِ -سواءٌ كان غيرَ مُعتَبَرٍ، أو كان في بعضِ صُوَرِ الإجماعِ المعتَدِّ به- باللَّونِ الأحمَرِ، سواءٌ نصَّ على هذا الخلافِ بعضُ ناقلي الإجماعِ، أو وُقِفَ عليه في بعضِ كتُبِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ وغيرِها، مع نقلِ ما يؤيِّدُ حُصولَ الخِلافِ، وتمييزِ مَوضِعِ الشَّاهِدِ منه باللَّونِ الأحمرِ أيضًا.
7- ضَبطُ الكِتابِ بالشَّكْلِ، وذكرُ التَّعريفَ اللُّغَويَّ والاصطِلاحيَّ لكُلِّ بابٍ، معَ تعريفِ بعضِ الكَلِماتِ الغَريبةِ.
والكتابُ نفيسٌ في بابِه، وهو ممَّا تَزدانُ به المكتبةُ الإسلاميَّةُ.