قراءة وتعريف

الاحتجاجُ بالخِلافِ حقيقتُه - وحُكمُه (قراءة وتعريف)
book
أسامة بن محمد الشيبان
عنوان الكتاب: الاحتجاجُ بالخِلافِ (حقيقتُه - وحُكمُه)
اسـم المؤلف: أسامة بن محمد الشيبان
النـاشــر: دار التحبير للنشر والتوزيع
رقم الطبعة: الطبعة الأولى
سنة الطبع: 1440هـ - 2018م
عدد الصفحات:: 144

التعريفُ بموضوع الكتابِ:

إنَّ مِنَ السُّنَن الماضية بين البَشَرِ: الاختلافَ فيما بينهم، بل هي من الطَّبائعِ البَشَريَّةِ والإنسانيَّةِ الكونيَّةِ؛ فالاختلافُ مركوزٌ في الفِطَر، مجبولٌ عليه الخَلقُ، مطبوعٌ عليه بنو آدم؛ قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 118، 119].

ومِن تلك الاختِلافاتِ الاختِلافُ الفِقهيُّ؛ فهو أمرٌ حاصِلٌ وليس بمُستغرَبٍ؛ إذ هو أمرٌ طبيعيٌّ، ووُجِدَ منذ بدايةِ العَصرِ الإسلاميِّ، وبيْنَ الصَّحابةِ تحديدًا، وهاهو مُستمِرٌّ إلى يومنا هذا، وسيبقى ما بَقِيَ النَّاسُ إلى أن تقومَ السَّاعةُ.

وبما أنه واقع ولا بدَّ، وهو اختِلافٌ مشروعٌ، فينبغي التعامُلُ معه تعاملًا حَسَناً رَشيدًا؛ ولذلك وَضَعت الشريعةُ بعضَ الضوابطِ والإرشاداتِ مِن خلالها يحسُنُ التعامُلُ مع هذه الاختلافاتِ الحاصلة، وبيَّن العُلَماءُ الموقِفَ المطلوبَ تجاه الخلافِ، وضوابِطَ التعامُلِ مع الأقوالِ المتعَدِّدة.

وكتابُنا الذي نُعَرِّفُ به هو (الاحتِجاجُ بالخلاف: حقيقتُه - وحُكمُه) يدرُسُ مسألةً في غاية الأهميَّةِ ممَّا يتعَلَّقُ بالخلافِ، وتَكمُنُ أهميَّةُ الكتابةِ في هذه المسألةِ: في أنَّه شاع لدى بعض العامَّةِ تصوُّرٌ خاطئٌ، واعتقادٌ باطِلٌ تجاهَ المسائِلِ الِخلافيَّةِ، وهو اعتبارُهم للخِلافِ في أيِّ قضيَّةٍ دليلًا لهم على الأخذِ بأيِّ الأقوالِ فيها، وكان الدَّافعُ لهم إلى ذلك التَّساهُلَ والجَهلَ واتِّباعَ الهوى، فصار مَن يتَّبِعُ هذا المَسلَكَ الخطيرَ يَعمَدُ إلى الأقوالِ الضعيفةِ أو الشاذَّةِ أو المبتَدَعة ونحوِها في أيِّ مسألةٍ فِقهيَّةٍ، ويأخذُ بها ويَعمَلُ بمُوجِبِها، ويَدَعُ ما عليه الفتوى، ويكونُ مُستندُه للأخذِ بهذا أنَّها مسألةٌ خلافية، فيأخذُ بأيِّ الأقوالِ من دونِ النَّظَرِ في التَّرجيحِ ولا في دليلِ ما اختاروه؛ ظنًّا منه أنَّ كلَّ ما وقع الخلافُ فيه فإنَّه يسوغُ الأخذُ بأيِّ قَولٍ مِن الأقوالِ المُختَلِفةِ فيه! ولا شكَّ في خطورة هذا النَّهجِ الذي يؤدِّي الانزلاقُ فيه إلى هدمِ ركائزِ الشَّريعةِ، وتقويضِ مَصادِرِها وأصولِها؛ إذْ لن يعدمَ صاحِبُ هوًى أن يجِدَ قولًا شاذًّا، أو مسلكًا مُبتدَعًا يتمسَّكُ به.

ومع أهميةِ وخطورةِ هذا الموضوعِ لم يُصَنَّفْ فيه مُصَنَّفٌ مُنفَرِدٌ يَدرُسُه دراسةً مُستقِلَّةً يُوضِّحُ معالِمَه، ويبَيِّنُ إشكالاتِه، ويكشِفُ مُلابساتِه؛ لهذا كان من المهِمِّ إفرادُ الموضوعِ ببَحثٍ كهذا البحثِ.

انتظَمَت خُطَّةُ البَحثِ في: مُقَدِّمة، وتمهيدٍ، وستَّةِ مباحِثَ، وخاتمة.

في المقَدِّمة: ذَكَر المؤلِّفُ أهميةَ الموضوع، وأسبابَ اختياره، ويُعَدُّ ما قدَّمْناه ملخَّصًا لِما ذكره المؤلِّف، وعَرَّج على الدراسات السابقة، وذكَرَ في ذلك أنَّه لم يقِفْ على من أفرد هذا الموضوعَ بالبحثِ، ولا من استوفى الكلامَ فيه بشكلٍ ظاهرٍ، ثمَّ ذكر خُطَّته الإجماليةَ في البحث، والمنهَجَ المتَّبَعَ في إعدادِه وكتابتِه.

ثمَّ بعد ذلك كان التمهيدُ: وكان عن (حقيقةِ الخلافِ وأنواعه)، وأورد فيه مطلبَينِ:

المطلبُ الأوَّلُ: عن (حقيقةِ الخلافِ)، وعرَّف فيه الخِلافَ في اللُّغةِ والاصطلاحِ.

المطلبُ الثَّاني: وأورد فيه (أنواعَ الخلافِ)، وذكر أنَّ الخلافَ ينقسِمُ إلى قِسمَينِ رئيسَينِ:

القِسمُ الأوَّلُ: الخِلافُ المُعتبَرُ: وهو خلافٌ مُعتَدٌّ به لا يُذَمُّ المخالِفُ فيه، ولا يُشَنَّعُ عليه، ويُوصَفُ بالخلافِ السَّائغِ، وضابِطُه: أنَّه خِلافٌ صادِرٌ من أهل العلم في المسائلِ التي ليس فيها نصٌّ صريحٌ، وليست محَلَّ إجماعٍ.

القِسمُ الثَّاني: الخِلافُ غيرُ المُعتبَرِ: وهو خِلافٌ مَذمومٌ غيرُ مُعتَدٍّ به، ويُنكَرُ فيه على المخالِفِ، ويُرَدُّ على صاحِبِه، ويُوصَفُ بالخِلافِ غيرِ السَّائغِ، وضابِطُه: أن يَصدُرَ مِمَّن ليس مِن أهلِ الاجتِهادِ، أو كان على خِلافِ النَّصِّ الصَّحيحِ الصَّريحِ الذي لا مُعارِضَ له، أو الإجماعِ، أو القياسِ الجَليِّ.

وأما المبحثُ الأوَّلُ: فكان عن (المرادِ بالاحتجاجِ بالخلافِ وصُوَرِه وأمثلتِه).

ووضَّح أنَّ المرادَ بالاحتجاج بالخلاف: التمَسُّكُ بصورةِ الخِلافِ ووُجودِه، والاستدلالُ به، واعتبارُه حُجَّةً على جوازِ الأخذِ بأيِّ قَولٍ قيل في المسألةِ أيًّا كان مأخذُه، مِن غيرِ تقليدٍ أو ترجيحٍ أو نظَرٍ في الأدِلَّةِ. وأورد بعد ذلك له أمثلةً وصُورًا.

وفي المبحث الثاني: تطَرَّق إلى (صلةِ الاحتجاجِ بالخِلافِ بمراعاة الخلاف)، فبدأ أوَّلًا ببيان المرادِ بـ (مراعاة الخلاف) وأنَّه: الاعتدادُ بالرَّأيِ المعارِضِ لِمُسَوِّغٍ، وبيَّن أنَّ لِمراعاة الخلافِ حالتين:

الحالةُ الأولى: قبلَ الوقوع: وصورتُها: أن يَظهَرَ للمُجتهِدِ بعد اجتهادِه قُوَّةُ مأخذِ مُخالِفِه، وصِحَّةُ مُتمَسَّكِه؛ بأن يكونَ مُقتضاه آتيًا على وَفقِ الاحتياطِ والاحترازِ، فيأخُذَ بمقتضى اجتهادِ مُخالِفِه ابتداءً قبل الشُّروعِ في الفِعلِ والامتِثالِ.

والحالةُ الثانيةُ: مراعاةُ الخلافِ بعد الوُقوعِ: وصورتُها: أن يجتهِدَ الفقيهُ في المسألة، ويترجَّحَ لديه -مثلًا- جانبُ الحَظرِ والتحريمِ ابتداءً، فإذا وقع الفعلُ بخلافِه راعى دليلَ غَيرِه المرجوحَ عنده؛ لوجهٍ يقتضى رُجحانَه، فيَعمدُ إلى تصحيحِ الفِعلِ وترتيبِ بعضِ آثارِه عليه. ثمَّ تكلَّم بعد ذلك عن صلةِ الاحتجاجِ بالخلافِ بمراعاة الخلافِ.

المبحثُ الثالثُ: صلةُ الاحتجاجِ بالخلافِ بقاعدةِ: (لا إنكارَ في مسائلِ الخِلافِ).

بَيَّن تحت هذا المبحثِ بتفصيلٍ أنَّ مَقولةَ: (لا إنكارَ في مسائلِ الخلافِ) لا تصِحُّ بإطلاقٍ، خُصوصًا ممَّن يقصِدون بها أنَّ كلَّ مسألةٍ وقع فيها الخلافُ بين العلماء فإنَّه لا يصِحُ ولا يحِقُّ لأحدٍ أن ينكِرَ على من خالفه فيها، أو يحمِلَه على رأيِه ومذهبِه؛ فهذا لا يصِحُّ كما وضَّح المؤلِّفُ، وبيَّن بإسهابٍ متى يصِحُّ إطلاقُها، ومتى لا يصِحُّ.

وفي المبحث الرابعِ: الذي كان بعنوان: (صلةُ الاحتجاجِ بالخِلافِ بالتعليلِ بالِخلافِ) بَيَّن أوَّلًا المقصودَ بالتعليلِ بالخلافِ، وأنَّه: استنادُ الفقيهِ إلى تعليلِ بعضِ الأحكامِ الفِقهيَّةِ بحُصولِ الخلاف فيها. ثمَّ تطرَّق للمَقصودِ مِن المبحثِ، وهي الصِّلةُ بين الاحتجاج ِبالخِلافِ بالتعليلِ بالخِلافِ.

وفي المبحث الخامس: الذي كان عن (حُكمِ الاحتجاجِ بالخلافِ)، بدأ بالحديثِ عن بيان المنهجِ الشرعيِّ المطلوبِ من المكَلَّفِ العامِّي للتعاملِ مع خلاف العلماء، وأطال في بيان الضوابطِ لذلك، وذكَرَ تعَدُّدَ الأحوالِ لهذا الأمر مع توضيحِ المطلوبِ مِن العامِّي في كلِّ حال، ثم وضَّح بعد ذلك حُكمَ الاحتجاجِ بالخلافِ، وبيَّنَ أنَّ المحقِّقينَ من العلماء نصُّوا على المنع من اعتبار الخلاف دليلًا وحُجَّةً تُضاهي الأدلَّةَ الشرعيةَ.

 وذكرَ أيضًا أنَّ العلماءَ لم يكتفوا بالنصِّ على المنع من الاحتجاجِ بالخلافِ، بل نقلوا الإجماعَ وحَكَوا الاتِّفاقَ على منعه، وأنَّه لا يسوغُ ولا يجوزُ ولا يحِلُّ، وفاعِلُه فاسقٌ آثمٌ، وأنَّ ذلك جَهلٌ بالشريعةِ واتِّباعٌ للهوى، وخرقٌ للإجماعِ، وذكر نصوصًا من نقولاتِ العلماء في الإجماعِ على ذلك.

أما المبحثُ السادسُ والأخيرُ: فهو عن (أدلَّة حُكم الاحتجاج بالخلاف)، وساق المؤلِّفُ سبعةَ أدلَّةٍ على ما ذكره مِن حُكمِ الاحتجاج بالخلافِ، الذي ذكره في المبحث السابق، وبدأ بدليل الإجماعِ، يليه أنَّ الاحتجاجَ بالخلاف مخالفٌ لصريحِ نصوص الكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمَّة، واستدلَّ لذلك أيضًا بأنَّ الاحتجاجَ بالخلاف مخالفٌ لمنهج سَلَف الأمَّة والأئمَّة المتبوعين، وممَّا استدلَّ به أيضًا أن الاحتجاجَ بالخلاف يُفضي إلى مصادمة مقاصدِ الشريعة، وغير ذلك من الأدلَّة عَدَّدها مُفَصِّلًا لها.

ثم كانت الخاتمةُ: وذكر فيها المؤلِّفُ أهمَّ النتائجِ التي توصَّل إليها من خلال البحثِ.