مقالات وبحوث مميزة


 

البراهينُ الجَلِيَّة في الدِّفاعِ عن أُصولِ المدرسةِ السَّلَفيَّة

نقضٌ لأصولِ الأفكارِ الواردةِ في كتابِ (حُجِّيَّة فَهْم السَّلَفِ) لسَعد العَجَمي

الجزءُ الأوَّلُ والثَّاني معًا
 

د. سلطان بن عبد الرَّحمن العميري

 

الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرف الخَلقِ... وبعد:

فقد كتب الأستاذُ الفاضلُ سعد العَجَمي كتابًا عن حُجِّيَّة فَهْم السَّلَف، ينتقِدُ فيه تقريراتِ السَّلَفيَّة المُعاصِرةِ في تعامُلِها مع مبدأ (الإلزام بفَهمِ السَّلَفِ)، وقد كتبتُ تقريرًا مختصَرًا عن كتابه، ضمَّنتُه عددًا من الأغلاط المنهجيَّة التي  وقع فيها، مُبيِّنًا وجهَ غلَطِه، بقدرٍ مِن الاستدلالِ الإجماليِّ، ولم أقصِدْ إلى النَّقدِ التَّفصيليِّ لِما في الكتاب، مع أنِّي قد أشرتُ إلى أنِّي سأقومُ بذلك.
 

ثمَّ كتَب -سلَّمه الله- تعقيبًا على قِراءتي النَّقديَّة لكتابه، وقد تضمَّن تعقيبُه عددًا من الأغلاطِ في الفَهمِ، والخروجَ عن الموضوعِ، والدُّخولَ في موضوعاتٍ أخرى ليست هي المقصودةَ بالكلامِ المطروحِ، وتضمَّن عددًا من الأفكارِ الصَّائِبةِ.

وقد افتتحَ تعقيبَه بكلامٍ طويلٍ عن كتابِه، وأنَّه كان من أكثَرِ الكُتُبِ مَبيعًا في بعضِ المعارضِ، وأنَّ النَّاسَ أقبلوا عليه إقبالًا كبيرًا.

وذكر أنَّ ((سُيوفَ الرُّدودِ مُشرَعةٌ على الكتابِ مِن أكثَرَ من بروفيسور وأستاذٍ جامعيٍّ وباحثٍ وطالبِ علمٍ!))، وكان هذا في سياقِ الثَّناءِ على كتابِه وبيانِ أهمِّيَّتِه!

ولم يكتفِ بذلك، بل صوَّر أنَّ  أتباعَ المذهَبِ السَّلَفيِّ يعيشون حالةً مِن الاضطرابِ  والقَلَقِ مِن كتابه؛ (فهُم بين ناقدٍ وناقمٍ، وغاضبٍ وشاتمٍ)!!
 

وبغَضِّ النَّظَرِ عن دِقَّةِ وَصفِه ومُطابقتِه للواقِعِ، فإنَّ كثرةَ الرُّدودِ على بحثٍ ما ليست دليلًا على أهمِّيَّتِه، ولا على قُوَّتِه العِلميَّةِ، وإنَّما في أحيانٍ كثيرةٍ قد تكونُ راجِعةً إلى طبيعةِ الموضوعِ، وهذه الطَّبيعةُ لا فَضلَ للباحِثِ فيها إلَّا أنَّه شارك فقط، وقد تكونُ راجعةً إلى أُسلوبِه المُستفِزِّ، وعباراتِه الاستعلائيَّةِ، أو غيرِ ذلك!
 

ولو كانت كثرةُ الرُّدودِ دليلًا على أهميَّةِ بحثٍ ما وقوَّتِه العِلميَّةِ، لكان كتابُ (الإسلام وأصول الحكم) لعلي عبد الرَّازق، مِن أقوى الكُتُبِ وأكثَرِها تماسُكًا، والحقيقةُ أنَّ الأمرَ ليس كذلك!

ولو أنَّ الباحِثَ تَرَك مِثلَ هذه المقدِّمة التي تدُلُّ في الحقيقةِ على أحدِ أمرينِ: إمَّا استِعلاءٍ لا يليقُ بباحثٍ عن الحقِّ، وإمَّا شَكٍّ وتردُّدٍ في قيمةِ ما جاء به؛ وتَرَك الحُكمَ للنَّاسِ- لكان ذلك أكمَلَ وأحسَنَ!
 

وحتى لا يكونَ الكلامُ دائرًا حول آراءٍ ومقالاتٍ خارجةٍ عن صُلبِ الموضوع، اخترتُ أن يكونَ تعقيبي عليه هذه المرَّةَ مُتعلِّقًا بالموضوعاتِ نَفسِها، من غيرِ وقوفٍ مع أغلاطِه التَّفصيليَّةِ التي وقع فيها في تعقيبِه الأخيرِ، ومع ذلك سأعلِّقُ على كلِّ ما يستحِقُّ التَّعليقَ، ولكِنَّ ذلك سيكونُ بالتَّبَعِ لا بالقَصدِ.
 

وأكَرِّرُ ما قلتُه عن الكتابِ مِن قَبلُ: فالكِتابُ بالنِّسبةِ للجادِّينَ في البحثِ العِلميِّ يُمثِّلُ صَدمةً وخَيبةَ أملٍ؛ فهو لم يقَدِّمْ بَحثًا مُثرِيًا للقضيَّةِ المَركزيَّةِ التي تناولَها، وإنَّما قدَّم تَصوُّرًا سَطحيًّا عن مَفهومِها وحدودِها وأدلَّتِها عند المؤسِّسينَ لها، وحديثًا طويلًا عن فُروعٍ مُتعلِّقةٍ بها لا أثَرَ لها في صُلبِها.
 

وسيكونُ الحديثُ في هذه الورقةِ مُركَّزًا على إثباتِ هذه الحقيقةِ

 

تحميل الملف pdf