قراءة وتعريف

العَقلُ الفِقهيُّ
book
نوار بن الشلي
عنوان الكتاب: العَقلُ الفِقهيُّ
اسم المؤلف: د. أبو أمامة نوار بن الشلي
الناشر: دار السلام - مصر
سنة الطبع: 1429- 2008
عدد الصفحات: 188

هذا الكتاب إسهامٌ في علاجِ بَعضِ الأدواءِ التي يعيشُها العَقلُ الفِقهيُّ، والدَّلالة على بعضِ المناهجِ والأفكارِ الواجِبِ استحضارُها في محاولاتِ إصلاحِ الخَلَلِ، وترشيدِ الجُهدِ وتعبئةِ الطَّاقات؛ فهو دراسةٌ تنظيريَّةٌ تبحثُ في الماضي لتُصلِحَ الحاضِرَ، وتستشرِفُ المستقبلَ مع دَعمِها بالأمثلةِ والتَّطبيقاتِ بالقَدرِ الذي يوضِّحُ الفكرةَ ويُجَلِّيها.

والكتابُ يتكون بعد المقَدِّمة من خمسةِ فُصولٍ.

فبدأ في الفصل الأول بالحديثِ عن الفَرقِ بين الخِلافِ الفقهي- الذي يُراد به أن تكونَ اجتهاداتُ الفُقهاءِ وآراؤُهم وأقوالُهم في مسألةٍ ما متغايرةً- وبين النَّقدِ الفِقهيِّ، الذي يرادُ به مُطلَق التَّغايُر في الرأيِ، فلا تقتصِرُ دائرَتُه على الأحكامِ، بل قد يتعلَّقُ بالنَّظَريَّاتِ أو القواعد الأصوليَّة، أو غير ذلك من فنونِ الفِقهِ.
 

ثم تكلَّم عن أصولِ النَّقدِ وقواعِدِه عند الفُقَهاءِ، فأشار إلى أنَّ النَّقدَ الفِقهيَّ يَقومُ على جملةٍ مِن الأصولِ والقواعِدِ الكليَّة، يستمِدُّ مشروعيَّتَه منها، ومن جُملةِ هذه الأصولِ:

- القرآنُ الكريمُ، كَقولِه تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18] فاتِّباعُ الأحسَنِ مِن القَولِ يتقَدَّمُه الاستماعُ الواعي للتَّمييز والنَّظَر لاحقًا، وأشار المؤلِّفُ إلى أنَّ ذلك هو الهَدَفُ مِن النَّقدِ.
 

- السنَّةُ النبويَّة المُطهَّرة: وأشار المؤلِّفُ كذلك إلى أنَّ السنَّة حَفَلت بنصوصٍ كثيرةٍ، فيها تقريرٌ لِمَنهجِ النَّقدِ، وتصويبُ المُخطئين بالرِّفقِ والحسنى؛ كقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم مرَّاتٍ كثيرةً مُوجِّهًا ومصححًا السُّلوكيَّاتِ: (ما بالُ أقوامٍ...).
 

- سنَّةُ الصَّحابةِ رضي الله عنهم: وذكر أنَّ دَواوينَ السنَّةِ قد نقَلَت لنا كثيرًا مِن الانتقاداتِ التي وجَّهَها الصَّحابةُ بعضُهم لبعضٍ، ولم يكن في ذلك أدنى غَضاضةٍ لأحدٍ منهم. وغير ذلك.
 

ثم تكلَّم عن اتِّجاهاتِ النَّقدِ في الفِكرِ النَّقدي، وأشار إلى أنَّ ما سيذكُرُه ليس للحَصرِ، ولكنَّها نماذِجُ يقدِّمها للقارئ؛ ليتسنَّى له مزيدٌ مِن التأمُّلِ، فذكر سبعةَ اتِّجاهاتٍ؛ منها:

 - نقدُ الأحكامِ والفتاوى.

 - نقدُ التأصيلِ والتقعيد.

 - نقدُ أسلوبِ الحُكم.

 - نقدُ الواقِعِ البشري.

 - نقدُ طرائِقِ التَّدوين. وغيرها من الاتِّجاهات.
 

ثم تناول بعضَ الوَسائلِ التي تُعينُ على تفعيلِ النَّقدِ والدِّراساتِ النَّقدية في الواقِع المُعاصِر، وممَّا ذكره من الوسائِل:

- إشاعةُ التفَتُّح على المذاهبِ.

- توجيهُ البحوثِ الأكاديميَّة.

- مُحاربةُ الفَسادِ العِلميِّ.

- تشجيعُ النَّشر في مَيدانِ النَّقد.

- رصدُ جوائِزَ للدِّراسات النَّقدية الفقهيَّة. وغيرها.
 

ثم كان الفصل الثاني وهو بعنوان (العَقلُ المُخالِف)، فذكر فيه ضوابِطَ الخِلافِ في الرأي، وذكر منها الآتي:

- ليس الخلافُ مِن حُجَجِ الإباحةِ.

- ليس في الخلافِ توسعةٌ.

- ليس للمُقَلِّد أن يتخيَّرَ في الخِلافِ.

- لا يُفتَى بالقَولينِ المُختلِفينِ معًا.

- ليس كلُّ خلافٍ مُعتبرًا.

- ما خالف مقطوعًا به طُرِح.

- لا اعتدادَ بِخلافِ أهلِ الأهواءِ.

- الخروجُ من الخلافِ مُستحَبٌّ.

وغيرها من الضوابِطِ.
 

ثم تكَلَّم عن موضوعِ أهليَّة الاعتدادِ بالرأي المُخالِف، وتناولها تحت عناوينَ؛ منها:

- حريةُ التَّفكير الفقهي.

- النَّقد الفقهي مجالٌ رَحبٌ لحريةِ الرَّأي.

- عوارضُ الحريَّة الفِقهيَّة.

- تنكيلُ السُّلطةِ بالمُخالفينَ في الرأي.
 

ثم عرَضَ لضوابِطِ الاعتدادِ بالخِلافِ، وذكر عددًا منها، وممَّا ذكره:

- أنه لا اعتدادَ بما خالف مقطوعًا به.

- لا اعتدادَ بخلافٍ سببُه عارِضٌ.

- لا اعتدادَ بخلافٍ رجَعَ فيه المُخالِف عن رأيِه.

- لا اعتدادَ بِخلافٍ صدَر عن خَفاءِ الدَّليلِ وعَدَمِ مُصادَفَته.

- لا اعتدادَ بِخلافٍ أمكَنَ فيه الجمعُ بين المتعارِضَينِ.
 

أمَّا الفصل الثالث فكان بعنوانِ (العقلُ الجامدُ والعقلُ الإحيائيُّ)، فتناول فيه حقيقةَ الجُمودِ في العقل الفِقهيِّ، وقام بحصرِ الأسبابِ الباعِثة على (الجُمود الفقهي) في أربعةٍ أمورٍ هي:

- الوقوفُ مع ظاهِرِ اللَّفظِ بإطلاقٍ.

- التعصُّب المذهبيُّ.

- غَلْقُ بابِ الاجتهادِ.

- آصارُ الشَّرحِ على المُتون.
 

ثم تكلَّم عن حقيقةِ الإحياءِ في العَقلِ الفِقهيِّ، وذكر أنَّ مَعالِمَ التَّجديدِ الفقهي هي:

- العودةُ إلى أصولِ السَّلَفِ في التَّفقُّه.

- تيسيرُ المَصادِر وتذليلُ المُصطَلَحاتِ.

- رفْضُ النَّزعةِ الظَّاهريَّة.

- الاستعانةُ بثَقافةِ العَصرِ وعُلومِه.
 

وفي الفصل الرابع الذي كان بعُنوان (العَقلُ المؤَثِّر والعَقلُ المُتأثِّر) تكلَّم عن ارتباطِ الزَّمَن في الفِقه بجُملةِ التشريعات والأحكامِ التي أخذَت صِبغةَ الظَّرفيَّةِ أو الاستمراريَّة، فتناول الحديثَ في هذا الأمرِ تحت عددٍ من العناوينِ؛ منها:

- لا يُنكَر تغيُّرُ الأحكامِ بتغيُّرِ الزمان.

- من استعجَلَ الشَّيءَ قبل أوانه عُوقِبَ بحِرمانِه.

- نظريَّةُ الاستصحابِ.

- الفِقهُ التَّقديريُّ والبُعدُ الزَّمني.
 

وتحت عنوان (الشيخ والتلميذ) تناول الحديثَ عن مدى تأثُّر العَقلِ الفِقهيِّ المتأخِّر بمن سَبَقَه، وتناوَلَه تحت عناوينَ:

- فقه الأئمة بين التَّدوين والمنع منه.

- نشأةُ التَّخريج: وعرَّفَ التَّخريجَ بأنَّه التقيُّد بمذهبِ إمامٍ مِن الأمَّة والتفَقُّه عليه، وتفريعِ الأحكامِ انطلاقًا مِن أقوالِه وقواعِدِه.
 

ثم تكلَّم عن الباعِثِ على التَّخريجِ، وذكر مِن أهم الأسباب التي دفعَت إلى نُشوءِ التَّخريج:

- الإفراط في الإعجابِ، والتأثُّر بآراء السَّابقينَ.

- تمهيد القَواعِد، ووضعَ أُسُس الاستنباطِ.

- التوسُّع في الاجتهادِ بالرَّأي.
 

أما الفصل الخامس والأخير، والذي عنون له المؤلف بـ (العقل الباحث)، فتكلَّم فيه عن عددٍ مِن المسائِل فتحَت عنوانَ التَّجميعِ والتَّفريق، أشار إلى أنَّ العَقلَ الفِقهيَّ دائرٌ بين أمرين:
 

- التَّجميعُ بِضَمِّ المُتشابهات والبَحث عن الرَّوابِط والصِّلات، والوجوه الجامعة بين المسائِل والأفراد: وقَدَّم نماذِجَ للجَمعِ في العَقلِ الفِقهيِّ؛ منها: الأشباه والنظائر، النظريات الفقهيَّة، القياس، جمعُ المسائِلِ الفرعيَّة المتعلِّقة بموضوعٍ واحدٍ.

- التفريقُ بالبَحثِ عن فُروقٍ، وملاحظة الاستثناءات والخلافاتِ المانعة من الجَمعِ: ومن النماذِجِ التي قدَّمها على هذا الأمر موضوعُ: الاستحسان، التَّفريق بين المسائِلِ الفرعية أو الأحكام الجزئيَّة.
 

ومن المواضيع التي طَرَقَها المؤلِّفُ في هذا الفصل أيضًا:

- موضوعُ التَّوقُّف: وعنى به التوقُّفَ إلى أنْ تتبدَّى الحقيقةُ واضحةً أمام العَقلِ الفِقهي، وهو أشدُّ ما يكونُ انسجامًا مع ذاتِه، وأقربُ ما يكون التزامًا بمقتضياتِ البَحثِ، وتمسُّكًا بمتطلباتِ المَعرفةِ ومَناهِجِها.

- والتوفيق: وعنى به التوفيقَ بين الآراءِ المُتعارِضة والأفكار المتضارِبَة.

- والتلفيق: والمقصود به: أنَّ الجمعَ بين القَولينِ المُختلفَينِ، كما يُتصوَّرُ في حَقِّ المُجتَهِد، متصوَّرٌ أيضًا في حَقِّ المقَلِّد العامِّي.

وذكر أنَّه قد يقع التَّلفيق والتوفيق بين الرأيينِ المختلفينِ في المسألةِ الواحدة، كمن أخذ بقولِ الشَّافعي في الاحتجامِ، وبقول أبي حنيفة في عَدَمِ ركنيَّةِ الفاتحة للصَّلاة، وكمن يتزوَّجُ بلا صداقٍ- اتِّباعًا لقولِ الإمامَينِ أبي حنيفة والشَّافعي- ولا شهودٍ- اتِّباعًا لقَولِ مالك- ولا وليٍّ- على قول أبي حنيفةَ- فهذا النكاحُ وما تقدَّم من صلاةٍ: باطلٌ بالإجماعِ.

ثم ختم المؤلِّفُ بحثَه بعنوانِ (التوسط بين الغُلوِّ والشُّذوذ في الرأي)، وذكر فيه أنَّ الأخذ بالشَّاذِّ من آراء الفقهاء مُجانِبٌ للتوسُّطِ والاعتدال، وطرح سؤالًا هو: بماذا يُعرفُ من الأقوالِ ما كان شاذًّا؟

وأجاب بأنَّ ذلك من وظائف المجتهدينَ؛ بناءً على أن المخالَفةَ لأدلَّة الشَّرع ليست على رتبةٍ واحدةٍ؛ فمنها المخالِفُ لدليلٍ قطعيٍّ، ومنها المخالِفُ لدليلٍ ظَنيٍّ.
 

ثم ذكر أمثلةً لبعض الشُّذوذات في العصر الحاضرِ، فذكر منها قولَ بعضِ العُلَماء بجوازِ الفائدةِ البنكيَّة من مثل 2% أو 5%؛ لإجماعِ الفقهاء قاطبةً أنَّ كُلَّ زيادةٍ نظيرَ الأجَلِ، فهي ربًا؛ لأن النصَّ الوارِدَ في هذا ورَدَ قطعيًّا: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } [البقرة: 279] وكذلك إفتاءُ بعض العُلَماء بنُصرةِ الكُفَّارِ وإعانَتِهم على المسلمينَ بالعَدَد والعُدَّة، تحت مُسَوِّغاتٍ مختلفة، رغم وضوحِ النُّصوصِ، وإجماعِ السَّلَفِ على تحريمِ ذلك.