قراءة وتعريف

الأساطيرُ في الكُتب المدرسيَّة الإيرانيَّة
book
نبيل علي العتوم و عادل علي العبدالله
عنوان الكتاب: الأساطيرُ في الكُتب المدرسيَّة الإيرانيَّة
اسم المُؤلِّف: د/ نبيل علي العتوم – د/ عادل علي العبداللهِ
الناشر: دار الدراسات العلمية للنشر والتوزيع
سنة الطبع: 2014
عدد الصفحات: 297

التَّعريفُ بموضوع الكتاب:

عُرِف الإنسانُ منذ القِدَم بارتِباطِه بالأساطيرِ، وتَعَلُّقِه بالخُرافات، وحُبِّه لِرُوحِ الغُموضِ والمُغامَرة، وظَهَر هذا جَلِيًّا في الأدبِ اليونانيِّ والإغريقيِّ والرُّوماني، وكذلك في الأدبِ العربيِّ وخُصوصًا الجاهلي، وقد انعَكسَ ذلك على كثيرٍ مِن الثَّقافاتِ التي باتت تجعَلُ مِن الأساطيرِ والخُرافاتِ أُسلوبًا تَعليميًّا ومَنهجًا تَربويًّا تُقِرُّه على طُلَّابِها في المدارسِ والجامعاتِ، وبين أيدينا نُموذجٌ على تأثيرِ انعكاسِ الأساطيرِ والخُرافاتِ على مُجتمعٍ بِعَينه حتَّى صارت أدَبًا يُدَرَّسُ وفِكرًا يَنتشِرُ بين الطُلَّاب.
 

كتاب هذا الأسبوع: (الأساطير في الكُتب المدرسيَّة الإيرانيَّة) يَستعرِضُ فيه الباحثانِ أثَرَ الأساطير والخُرافات على المُجتمع الإيرانيِّ، وتَوَغُّل هذا النَّمَط التَّعليميِّ في الكُتب المدرسيَّة الإيرانيَّة.
 

لم يُقَسِّم الباحثانِ الكتابَ إلى فُصولٍ أو أقسام؛ إنَّما بَدَآ بمُقدِّمةٍ تَمهيديَّة، ثم ذَكَرَا بعضَ تَعاريف الأُسطورة، ثم عَرَضَا أنواعَ الأساطير، ثم عَدَّدَا مَناهِج دِراسَة الأساطير طِبْقًا لاختِلافِ أنواعِها، وأخيرًا شَرَعَا في استِعراضِ الأساطيرِ التي حَظِيَت بها الكُتبُ المدرسيَّة الإيرانيَّة، واسْتَفاضَا في ذلك، وفي النِّهايَة عَرضَ الباحثانِ مجموعةً مِن النَّظريَّاتِ المُهِمَّة التي تَحكُم الشَّخصيَّةَ الإيرانيَّة، والتي استَقرآها مِن خِلال ما وَردَ في كُتبهِم المدرسيَّة.
 

بدأ الباحثانِ الكتابَ بمُقدِّمة بَيَّنَا فيها طبيعةَ الشَّخصيَّة الإيرانيَّة، وكيف تَشَكَّلَت تلك الشَّخصيَّةُ مِن مُرَبَّع: (الإنسان، والتَّاريخ، والبيئة ، والمَذْهب) ومِن خِلال فَهْمِ وتَحليل ودِراسَة تلك المَحاوِر يُمكِنُ تَحديدُ مَلامِح الشَّخصيَّة الإيرانيَّة، ومِن ثَمَّ إدراك كَيفيَّة تَكوين الأساطير والخُرافات التي تَحوَّلت فيما بعدُ إلى مَناهِجَ تَعليميَّةٍ يَدرُسُها الطُّلَّابُ في الكُتب والمَدارِس.
 

ثم ذَكَر الباحثان تَعريفَ الأُسطورة وبَيَّنَا أنَّها: عبارةٌ عن حِكايةٍ ذاتِ أحداثٍ عَجيبة خارِقة للعادة، أو وَقائِعَ تاريخيَّةٍ قامت الذَّاكرةُ الجَماعيَّة بتَغييرها وتَحويلِها وتَزيينِها، وهي حكاياتُ النَّاس التي تَنتقِل شَفاهةً مِن جيلٍ إلى آخر، وتُحفَظُ مِن الضَّياع بِقُوَّةِ ذاكِرة الذين يَتَوارثونَها طَبَقةً بعدَ طَبَقةٍ، وهي تَخدُم غَرَضَينِ أَساسِيَّينِ: فهي مِن ناحِيةٍ تُحَدِّثُنا بتاريخ الشُّعوب، ومِن ناحِيةٍ أُخرى هي ثَقافةٌ تَصويريَّة تُحَدِّد مَكانَة صاحبِها في المُجتمع الذي يَعيش فيه.
 

ثم فَصَّل الباحثان تَركيبَ الأساطير ووَضَّحا أنَّ الأساطيرَ قِصَصٌ مُقَدَّسةٌ، كان أصحابُ الحضارات السَّابقة يُؤمِنون بها على أنَّها كُتُبُهم المُقدَّسة، حيث تَتَميَّز الأساطيرُ بعُمْقِها الفَلسفِي الذي يُميِّزها نَوْعًا ما عن الحِكايات الشَّعبيَّة، فمُحتَوياتُ الأُسطورة أمرٌ مُسَلَّمٌ به لا شَكَّ فيه، حيث تحكي الأُسطورةُ تَفسيرَ ظَواهر الطَّبيعَة، أو نُشوء الكَون، أو خَلْق الإنسان، وغيرها مِن الحِكايات الإنسانيَّة عُمومًا والفَلسفِيَّة خُصوصًا.
 

ثم عَرَض الباحثان أنواعَ الأساطير وأَجمَلاها في أربعة أنواع:

1- الأُسطورة الطُّقوسيَّة: وهي التي تُمثِّلُ الجانبَ الكَلاميَّ لِطُقوس الأفعالِ التي مِن شأنها أن تَحفَظ للمُجتمع رَخاءَهُ.

2- أُسطورة التَّكوين: وهي التي تُصَوِّر لنا عَملِيَّة خَلْق الكَونِ.

3- الأُسطورة التَّعليليَّة: وهي التي يُحاولُ الإنسانُ البَدائيُّ عن طَريقِها تَعليلَ ظاهرة تَستَدعي نَظرَه؛ ولَكِنَّه لا يَجِد لها تَعليلًا، ومِن ثَمَّ يَخلُق حِكايةً أُسطوريَّةً تَشرَح سِرَّ وُجود هذه الظَّاهِرة.

4- الأُسطورة الرَّمزيَّة: وهي التي تَتَضمَّن رُموزًا تَتَطلَّب التَّفسيرَ.
 

ثم بَيَّنَ الباحثانِ أنَّ تَنَوُّعَ الأساطير أَدَّى إلى تَنَوُّع المناهجِ التي تَتَناول الأساطيرَ بالدِّراسَة؛ وبالتَّالي ظَهرَت مَناهِجُ مُختلِفة طِبْقًا لاخْتِلاف أنواع الأساطير.
 

وعَدَّدَ الباحثان مَناهِج دِراسَة الأساطير في سِتَّة مَناهِج:

1- المنهج اليوهيمري: وهو الذي يَرَى الأساطيرَ قِصصًا لِأمجادِ أبطالٍ وفُضَلاءَ غابِرينَ، ويُعَدُّ المنهجُ اليوهيمريُّ مِن أقدم مَناهِج دِراسةِ الأساطيرِ.

2- المنهج الطَّبيعي: وهو الذي يَعتَبِر أبطالَ الأساطيرِ ظَواهِرَ طَبيعيَّةً تَمَّ تَشخيصُها في أُسطورة اعتُبِرَت بعدَ ذلك قِصَّةً لِشَخصِيَّات مُقدَّسة.

3- المنهج المَجازي: وهو الذي يَرَى الأُسطورةَ قِصَّةً مَجازِيَّةً تُخفي أعمَق مَعاني الثَّقافة.

4- المنهج الرَّمزي: وهو الذي يَرَى أنَّ الأُسطورةَ قِصَّةً رَمزِيَّة تُعَبِّرُ عن فَلسَفة كامِلةٍ لِعَصْرِها؛ لذلك يجب دِراسَة العُصور نَفْسِها لِفَكِّ رُموز الأُسطورة.

5- المنهج العَقلي: وهو الذي يَذهَب إلى نُشوء الأُسطورة نَتيجةَ سُوءِ فَهْمٍ ارتَكَبه أفرادٌ في تَفسيرهِم أو قِراءتهِم أو سَرْدِهم لِرِوايةٍ أو حادِث.

6- منهج التَّحليل النَّفسِي: وهو الذي يَرَى الأُسطورةَ رُموزًا لِرَغباتٍ غَريزيَّة وانفِعالاتٍ نَفسِيَّة.
 

ثم شَرَع الباحثانِ في استِعراض أساطيرِ الكُتُب المَدرسيَّة الإيرانيَّة باستِفاضةٍ بالِغةٍ، فذَكَرَا ما يَربو على ثلاثين أُسطورة وخُرافة، يُفَصِّلانِ كُلَّ أُسطورة تَفصيلًا مَنهَجِيًّا، ثم يُحَلِّلانِها تَحليلًا نَقديًّا، ويُوضِّحانِ مَظاهِرَ التَّأثُّر بها في المُجتمع الإيراني، وانعِكاس ذلك على العاداتِ والتَّقاليدِ والفِكرِ والأدَبِ، ثمَّ يَذكُرانِ الآثارَ المُتَرتِّبةَ عليها.
 

وكان مِن أغربِ الأساطيرِ التي ذَكَرَها الباحثان:

1-  أُسطورة التَّطَيُّر والتَّشاؤم:

لَدَى الإيرانيِّين نَصيبٌ وافِر مِن التَّشاؤم؛ حيث يَتَشاءمون مِن بعضِ الأوقات والأرقام والأفعال؛ فَهُم يُؤمِنون بأنَّ شهر صَفَر نَحْسٌ، وخاصَّة يوم 13 منه، وأنَّ السَّفَر في هذا الشَّهر يُعَرِّض المُسافِرَ للخَطَر، وأنَّ الرقم 13 نَحْسٌ.
 

وأنَّ تَقليمَ الأظافيرِ وغَسلَ الثِّيابِ وكَنْسَ المَنزِل يومَ الأربعاءِ فَألٌ سَيِّئٌ، وَهُم يَتفاءلونَ بكَنْسِ المَنزِل في أوَّلِ أيَّام الشَّهر، ويَتَشاءمون مِن الضَّيْف الذي يَزورُهم مَساءَ يومِ الأربعاء، ويَتَحاشَونَ زِيارةَ المَريضِ مَساءَ يومِ الأربعاء أيضًا.

ويَعتقِدون أنَّ مَن يَقطَع الخُبزَ بالسِّكِّين يكون مُذنِبًا، وأنَّ رَشَّ المياه على شَخْصٍ دليلٌ على فُتور العَلاقةِ.

ويَعتَقِدون أنَّ الشَّخصَ الذي يَبني مَقبَرةً خاصَّةً به يَطولُ عُمُرُه، والشَّخْصَ الذي يَبني مَسجِدًا ويُتِمُّه يموتُ بَعدَها؛ ولهذا السَّبب فإنَّ الشَّخصَ الذي يَبنِي مَسجدًا يَترُك جُزءًا منه ناقِصًا.
 

ولدَيهم آدابٌ خاصَّة بالزَّواجِ، وعَقْدِ القِران، وليلة الدُّخلَة، والحَمْل، ولهم طُقوسٌ خاصَّة بوِلادَة المولود، ولَديهم مُعتقَدات خاصَّة بالسَّفَر، وآدابٌ خاصَّةٌ بالشِّفاءِ مِن الأمراض، وآدابٌ خاصَّة بِتَلبيةِ الحاجاتِ، مثل تَناوُل أَطعِمة مُعيَّنةٍ في أوقات مُعيَّنةٍ، وهم يُوَقِّرونَ المِلحَ والماءَ، ويقولون: إنَّهما كانا مَهرَ فاطمةَ الزَّهراء؛ لهذا يجب عدمُ تَلويثِهما.
 

 ويَعتقِدونَ أنَّ المولودَ الذي يُولَدُ في عيدِ الأضحى لا بُدَّ أن يُؤدِّيَ فَريضَة الحَجِّ حينما يَكبَرَ، وأنَّ الطِّفلَ الذي يَبكي كثيرًا سيكونُ صاحِبَ صَوتٍ حَسَنٍ.
 

2- خُرافة تَقديس الماء:

وكذلك يُؤمِنون بقَداسةِ الماء؛ لذلك فهُم لا يَقرَبونَه إلَّا للشُّربِ ورَيِّ الأرض، ولا يَستخدِمونَه في غَسلِ الأشياءِ القَذِرةِ، فإذا كان على الثَّوبِ مَنِيٌّ أو دَمٌ أو قَيْءٌ أو نَجَسٌ، فإنَّه يُمَزَّق ثم يُدفَن.
 

كذلك لا يَستطيعونَ أن يُلْقوا بجُثَّة المَيِّتِ في الماء حتَّى لا يَتَدنَّسَ، بل مَن وَجَد جُثَّةَ مَيِّت في البحرِ وَجبَ عليه أن يَخلعَ نَعلَه وثِيابَه ويُخرِجَ هذه الجُثَّةَ مِن الماء، وإذا أراد أَحدُهم تَطهيرَ الماء فإنَّه يُنشِدُ على الماء بعضَ التَّعاوِيذِ ثم يَستخدِمُه، فإنَّه قد طَهُرَ.
 

3- خُرافة تَقديس التُّراب:

ويَعتقِدون قَداسَة التُّرابِ أيضًا؛ فمَن يَمَسُّ جَسدَ مَيِّتٍ، فإنَّه يَنْجَسُ، وبالتَّالي يَحرُمُ عليه الاقترابُ مِن النَّار والماء والتُّراب، ويَعْزِلُ نَفسَه في مَحَلِّ الاعتزالِ داخلَ المَنزِل تِسْعَ ليالٍ، يَغسِلُ جِسمَه وثِيابَه بِبَولِ ثَورٍ وبالماءِ.
ومَن يَموت فإنَّه لا يُدفَنُ في التُّراب؛ إذ إنَّ الجُثَّةَ نَجِسَةٌ، والتُّراب طاهِرٌ ومُقدَّس، فلا تُوضَع الجُثَّة النَّجِسَةُ داخِل التُّراب الطَّاهِر المُقدَّس؛ ولكن تُوضَع في أبراجٍ تُسَمَّى أبراجَ الصَّمتِ.
 

4- أُسطورة الشَّعوذةِ وقراءة الحَظِّ:

وفيها يُطلَبُ مِن كُلِّ أُسرةٍ أن تَقومَ بإعدادِ مائدةٍ مُكوَّنةٍ مِن سَبعة أنواعٍ مِن الفَواكِه المُجَفَّفة: (التِّين - الزَّبيب - التَّمر - التُّوت المُجَفَّف – البُندُق - الفُسْتُق - اللَّوْز) وسبعةِ أطعِمةٍ أُخرى تَبدأُ بحَرفِ الميم، ويُوضَعُ كُلُّ ذلك على مائدةٍ، ويُشتَرطُ أن يَتناولَ كُلُّ فَردٍ مِن أفراد الأسرةِ ذلك بِنِيَّةِ الصِّحَّةِ والحَظِّ والنَّصيبِ الجَيِّد، وبعدَ إعدادِ المائدة يَظَلُّ الجميعُ في صَمْتٍ وانتظارٍ؛ إيذانًا بِرَحيلِ العامِ واستِقبال عامٍ آخرَ جديدٍ.
 

وأخيرًا في نِهايَة الكتابِ استخلصَ الباحثان مَجموعةً مِن النظَريَّاتِ التي رأيَا  أنَّها تَحكُم الشَّخصيَّةَ الإيرانيَّة، وذلك باستيعابِ ما ورد في الكُتُبِ الإيرانيَّةِ المَدرسيَّة ودِراسَتِه وتَحليلِه.
 

وكان مِن أَهَمِّ تلك النَّظَرِيَّات:

1- الكُتُبُ المَدرسيَّةُ الإيرانيَّة تُطالِبُ الطَّالِبَ الإيراني بالتَّضامُن والتأَثُّر بالشَّخصِيَّات الإيرانيَّة، ثم بالشَّخصِيَّات العالَميَّة؛ ولكنَّه غيرُ مُطالَب بالتَّضامُن مع الشَّخصِيَّات العربيَّة والعُلماءِ العَرَب.

2- الحرب المُقدَّسة القادِمَة، حيث تَسعى إيران بجُهْدٍ وقُوَّةٍ لأن تَصِلَ في أسرعِ وقتٍ مُمكِن إلى وَضْعٍ يكونُ الجيشُ الإيراني فيه جاهِزًا ومُستعِدًّا للحربِ النِّهائيَّة الإلهيَّة.

تَدعيم دَولة إيران القائِمَة على فِكرة إمامَةِ المَهديِّ في تَحقيقِ الخَلاصِ النِّهائيِّ؛ استِجابةً للأمرِ الإلهيِّ الذي فَرض على الإيرانيِّين الشِّيعَةِ أداءَ وَظيفةٍ حَضارِيَّة تَتَمثَّل في قِيادَةِ الإنسانيَّة المُعَذَّبَة نحوَ الكَمالِ الرُّوحيِّ.