مقالات وبحوث مميزة

 

 

الموقف الشرعي من وفاة أهل البدع والضلال

علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف

 

 

إنَّ المُسلِمَ الحقَّ كما يَحزَنُ لموتِ العُلماءِ والدُّعاةِ إلى اللهِ تعالى المتَّبِعين لسُنَّةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، يَفرَحُ بهَلاكِ أهلِ البِدعِ والضَّلالِ والدُّعاةِ إلى الباطِلِ، خاصَّةً إذا كانوا رُؤوسًا ورُموزًا ومُنظِّرين؛ يَفرَحُ لأنَّ بهَلاكِهم تُكسَرُ أقلامُهم، وتُحسَرُ أفكارُهم التي يُلبِّسون بها على النَّاسِ.
 

ولم يَكُن السَّلفُ الصَّالِحُ يَقتصِرونَ على التَّحذيرِ مِن أمثالِ هؤلاءِ وهم أحياءٌ فقط، فإذا ماتوا تَرَّحموا عليهم وبَكَوْا على فِراقِهم، بل كانوا يُبيِّنون حالَهم بعدَ مَوتِهم، ويُظهرونَ الفَرحَ بهَلاكِهم، ويُبشِّرُ بعضُهم بعضًا بذلك.

ففي الصَّحيحَينِ من حَديثِ أبي قَتادَةَ الأنصاريِّ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال عن موتِ أمثالِ هؤلاءِ: ((يَستريحُ منه العبادُ والبِلادُ والشَّجرُ والدَّوابُّ))؛ فكيف لا يَفرَحُ المسلمُ بموتِ مَن آذَى العِبادَ وأفْسَدَ في البلاد؟!

ولَمَّا جاء خَبرُ موتِ المِرِّيسيِّ الضالِّ وبِشرُ بنُ الحارثِ في السوقِ، قال: (لولا أنَّه كان موضِعَ شُهرةٍ لكانَ موضِعَ شُكرٍ وسُجودٍ، والحمدُ للهِ الذي أماتَه).[تاريخ بغداد: 7/66] [لسان الميزان: 2/308].

وقيل للإمامِ أحمدَ بنِ حَنبلٍ: الرَّجُلُ يَفرَحُ بما يَنزِلُ بأصحابِ ابنِ أبي دُؤاد؛ عليه في ذلك إثمٌ؟ قال: (ومَن لا يَفرَحُ بهذا)؟! [السنة للخلال: 5/121]

وقال سَلَمةُ بنُ شَبيبٍ: كنتُ عند عبد الرَّزَّاقِ- يعني الصَّنعانيَّ-، فجاءَنا موتُ عبد المجيدِ، فقال: (الحمدُ للهِ الذي أراحَ أُمَّةَ محمَّدٍ مِن عَبدِ المجيدِ). [سير أعلام النبلاء: 9/435]، وعبدُ المجيدِ هذا هو ابنُ عبد العَزيزِ بنِ أبي رَوَّاد، وكان رأسًا في الإرجاءِ.

ولَمّا جاءَ نعيُ وَهبٍ القُرشيِّ- وكان ضالًّا مُضِلًّا- لعبدِ الرَّحمنِ بنِ مَهديٍّ، قال: (الحمدُ للهِ الذي أراحَ المُسلِمينَ منه). [لسان الميزان لابن حجر: 8/402].

وقال الحافظُ ابنُ كثيرٍ في [البداية والنهاية 12/338] عن أحدِ رُؤوسِ أهلِ البِدعِ: (أراحَ اللهُ المُسلِمينَ منه في هذِه السَّنةِ في ذِي الحِجَّةِ منها، ودُفِن بدارِه، ثم نُقِل إلى مَقابرِ قُرَيشٍ؛ فللهِ الحمدُ والمِنَّةِ. وحين ماتَ فرِحَ أهلُ السَّنَّة بموتِه فرحًا شديدًا، وأظْهَروا الشُّكرَ لله؛ فلا تَجِدُ أحدًا منهم إلَّا يَحمَدُ الله)!
وقال أيضًّا: (عُبيد الله بنُ عبدالله بن الحُسين، أبو القاسم الخفَّاف المعروف بابن النَّقيب، كان من أئمة السُّنَّة وحين بلغه موتُ ابن المُعْلِّم جلس للتهنئة، وقال ما أبالي أيَّ وقتٍ متُّ بعد أن شاهدتُ موتَ ابنِ المعلِّم)[البداية والنهاية 15/604]، وكان ابن المعلِّم فقيه الشيعة.

هكذا كان موقِفُ السَّلفِ الصَّالِحِ رحِمهم اللهُ عندَما يَسمَعون بموتِ رأسٍ مِن رُؤوسِ أهلِ البِدعِ والضَّلالِ.

وقد يَحتجُّ بَعضُ النَّاس على ضدِّ هذا الموقف بما نقلَه الحافظُ ابنُ القيِّم في [مدارج السالكين: 2/345] عن موقِف شيخِه شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميَّةَ من خُصومِه، حيث قال: (وجئتُ يومًا مُبشِّرًا له بموتِ أكبرِ أعدائِه وأشدِّهم عَداوةً وأذًى له، فنَهرَني وتَنكَّر لي واسترجَع،...).

ولكن مَن تأمَّلَ ذلك وجَدَ أنَّه لا تَعارُضَ بين الأَمرينِ؛ فمِن سَماحةِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميَّةَ أنَّه لا يَنتقِمُ لنَفْسِه؛ ولذلك عندما أتاه تلميذُه يُبشِّرُه بموتِ أحدِ خُصومِه وأشدِّهم عَداوةً وأذًى له= نَهَره وأَنكَر عليه؛ فالتلميذُ إنَّما أبْدَى لشَيخِه فَرحَه بموتِ خَصمٍ من خُصومِه، لا فَرحَه بموتِه؛ لكونِه أحدَ رُؤوسِ البِدعِ والضَّلالِ.
 

وفي مُقابِلِ هذا الفَرحِ- مع الأسفِ- يحزنُ آخَرون ويبكون أَسَفًا وحُزنًا إذا مات أحَدُ هؤلاء، ويدعُون اللهَ أنْ يُخلِفَ على المُسلِمينَ مِثلَه!- لا أجابَ اللهُ دُعاءَهم-؛ فأمثالُ هؤلاء يُخشَى على دِينِهم إذا كانوا يَعْلَمون ضَلالَهم؛ لأنَّه ما مِن مُسلمٍ يَخشَى اللهَ ويَغارُ على هذا الدِّينِ إلَّا ويَفرَحُ بهلاكِ مَن يَعلَمُ أنَّ ببَقائِه هَدْمَ الإسلامِ، ومَن بمَوتِه يَنكسِرُ مِعوَلٌ مِن مَعاولِ هذا الهدْمِ.

 

نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يُفرِحَنا بهلاكِ كلِّ داعيةٍ إلى ضلال، وأنْ يُرِيَنا الحقَّ حقًّا ويَرزُقَنا اتِّباعَه، وأنْ يُرِيَنا الباطِلَ باطلًا ويَرزُقَنا اجتِنابَه، وأنْ يُثبِّتَنا على دِينِه وعلى التَّمسُّكِ بكِتابِه وسُنَّةِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّمَ.