قراءة وتعريف

كل بِدعة ضلالة - قراءة ناقدة وهادئة لكتاب: ((مفهوم البِدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة)) الطبعة الثانية
book
عَلَوي بن عبد القادر السَّقَّاف
عنوان الكتاب: كل بِدعة ضلالة - قراءة ناقدة وهادئة لكتاب ((مفهوم البِدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة))
النـاشر: مؤسَّسة الدُّرر السَّنية – الظَّهران
الطبعة: الثانية
سـنة الطبع: 1434هـ
عدد الصفحات: 142

التعريف بموضوع الكتاب:
كتابُ هذا الأسبوع هو الطبعة الثانية من كتاب (كل بدعة ضلالة) للشيخ عَلَوي بن عبد القادر السَّقَّاف، والذي ردَّ فيه على الكتاب الموسوم بـ (مفهوم البِدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة) للدكتور عبدالإله العرفج. حيث قرَّر الأخير فيه أنَّ البدع تنقسم إلى: بِدعة واجبة, ومستحبَّة, وجائزة, ومكروهة, ومحرَّمة. وقد ردَّ عليه المؤلِّف أنَّ البدعة من حيث معناها اللُّغوي منها الحسن ومنها السيِّئ, وهذا ما عليه عامَّة العلماء، ومن حيث معناها الشرعي فلم يُنقل عن أحد من المتقدِّمين القول بهذا التَّقسيم، وكلهم متَّفقون على أنَّ كل بدعة ضلالة، وأوَّل مَن قال بهذا التقسيم هو العِزُّ بن عبد السَّلام.

وبما أنَّ الكتاب قد سبق التعريف به بما يُغني عن الإعادة والتَّكرار؛ فإنَّنا في هذا التعريف سنستعرض بعض الزِّيادات على الكتاب, والتي تنحصر في مقدِّمة المؤلِّف لهذه الطبعة والتي تقع في (22 صفحة)، وقد ردَّ فيها على ما دوَّنه الدكتور العرفج في طبعته الثانية من كتابه رادًّا فيه على هذا الكتاب.

وقف المؤلِّف مع ردود الدكتور العرفج (16 وقفة) نستعرض في هذه العجالة بعضًا منها:
فمن ذلك وقفتُه مع ما ظنَّه الدكتور العرفج أنَّ المؤلِّف يرى أنَّ الاستفادة من عالم تعني موافقتَه في كلِّ شيء، محتجًّا عليه باختصاره لكتاب الإمام الشاطبي ((الاعتصام)) مع كون الإمام الشاطبي أشعريًّا في عقيدته, وهنا أوضح الشَّيخ السَّقَّاف أنَّ هناك فرقًا كبيرًا بين من يأخُذ من عالم ما وافق فيه السُّنة, وبين مَن يأخذ منه بِدعته ويؤيِّده فيها.

ومِن الوقفات كذلك: وقفة متعلِّقة بالاحتفال بالمولد النبوي, ودفاع الدكتور عنه، حيث زعم أنَّهم لا يُخصِّصون يوم الثاني عشر من ربيع الأوَّل لإقامة المولد، إلَّا أنَّ المؤلِّف بيَّن أنَّ في هذا تغافلًا عن نصوص لكثير من محسِّني المولد, وموسِّعي مفهوم البِدعة, تؤكِّد تقديسهم لهذا اليوم, وتعظيمهم له, وتخصيصه للاحتفال بمولده صلَّى الله عليه وسلَّم, وإنْ كان ذلك لا يمنع من إقامته في أيِّ وقت آخر، وأوْرد بعض الشَّواهد التي تطفَح بها كتُب القوم.

ومن هذه الوقفات أيضًا: وقفة بيَّن فيها المؤلِّف أنَّ الدكتور يظنُّ - واهمًا - أنَّ من سمَّاهم بالمضيِّقين يجب ألَّا يختلفوا في مسألة واحدة إنْ كانت بِدعةً أم لا، ويرى أنَّ من التناقض أن يقول أحدهم ببدعية مسألة ما ولا يقول بها آخر، وأوضح أنَّ هذا الوهم إنما جاءه من ظنِّه أنَّ قاعدتهم في التَّبديع واحدة؛ وعليه فينبغي ألَّا يختلفوا عند تطبيقها، وإلَّا كان الخلاف دليلًا على خطأ هذه القاعدة, وقد نقضه المؤلِّف من وجهين:

الوجه الأول:
بيَّن فيه أنَّ ما يقال في المضيِّقين للبدعة يقال في الموسِّعين لها, فقاعدتهم واحدة، ومع ذلك تراهم يختلفون في كثير من المسائل عند التطبيق، وعند عرض هذه المسائل على قواعد الشَّريعة، وإذا جاز للموسِّعين أن يختلفوا وقاعدتهم واحدة، جاز للمضيِّقين أن يختلفوا عند التطبيق مع أنَّ قاعدتهم واحدة.

الوجه الثَّاني:
قرَّر فيه أنَّ سبب اختلاف العلماء في الحُكم على مسألة من المسائل أنَّها بدعة، هو نفسه سبب اختلافهم في مسألة من المسائل أنَّها حرام أو واجبة، وإنِ اتَّفقوا في القواعد والأصول.
كما بيَّن أنَّ الحقيقة العلمية لديه غير حقيقة الدكتور العلميَّة؛ إذ الحقيقة العلمية عند المؤلِّف هي أنَّ كلَّ بدعة ضلالة، وليس هناك بِدعة حسنة، فمتى اتَّفق عالِمان على فعل تعبُّديٍّ أنه بدعة، فإنَّه يجب عليهما التحذير منه، ومع ذلك فقد يختلف عالمان في فِعل تعبُّدي فهذا يرى أنَّه مشروع لثبوت الحديث عنده – مثلًا - أو لسبب آخر، والآخر يرى أنَّه بِدعة لعدم ثبوته، ولا تثريبَ على أيٍّ منهما ما دام ملتزمًا بالقاعدة النبويَّة: ((كلُّ بِدعةٍ ضَلالةٌ)).

والحقيقة العلميَّة عند الدكتور: هي أنه ليس كلُّ بِدعة ضَلالة؛ فالبدع منها الحسن ومنها القبيح، فإن اتَّفق عالِمان على فعل تعبُّدي أنه بدعة، فإنَّه إمَّا أن يكون عند كليهما بِدعة حسنة، أو عند كليهما بِدعة سيِّئة، أو عند كليهما بِدعة، لكنَّه عند أحدهما بدعة حسنة يُتعبَّد الله بها، وعند الآخر بدعة سيِّئة لا يجوز أن يُتعبَّد الله بها.

ومِن الوقفات كذلك: ردُّه على الدكتور في زعْمه أنه جعل من المهرجانات الشعبيَّة والتراثية التي ذكرها الدكتور كمثال على محدَثات سكت عنها العلماء المعاصِرون, جعل منها مغمزًا عليه, متناسيًا كلَّ المحدَثات الأخرى المذكورة, فبيَّن المؤلِّف أنه قد سرد جلَّ المحدَثات الدُّنيويَّة التي ذكرها وزعم أنها دِينيَّة، ونقل ما ذكره منها حرفيًّا, تاركًا للقارئ التعليق.
وأجاب في هذه الوقفة عن تساؤل الدكتور الذي طرحه: أيُّهما أوْلى بوصف البِدعة: المهرجانات الشعبيَّة أم غَسْل السِّكِّين قبل الذبح؟! قاصدًا بسؤاله هذا فتوى شيخ الإسلام ابن تيميَّة ببدعية غسل السِّكِّين قبل الذبح, وغسل اللَّحم قبل الطبخ.

وقد بيَّن المؤلِّف أنَّ من يُحسن الظنَّ بشيخ الإسلام - وليس هناك ما يدفعه للاتِّهام والتجهيل - ووقف عند هذه العبارة وحاول فَهمها على حقيقتها، وقرأ ما قبلها وما بعدها والدافع لها، فسيَفهم ما أراد بها شيخُ الإسلام, وإنْ لم يفتح الله عليه فليسألْ أهلَ العلم والذِّكر، ومَن قرأ ما قاله ابن تيمية قبل هذا الكلام بأسطر يُمكنه أن يستنبط علَّة التبديع.

كما بيَّن المؤلِّف في وقفة من هذه الوقفات أنَّ الدكتور العرفج يَهوَى ضرْب فتاوى العلماء بعضها ببعض، ويُكثر من إيراد الاستشكالات على أقوالهم, فاختلاف أقوال العلماء تُشكِّل عنده معضلةً كبرى، وقدْ حشَد أمثلة كثيرة على ذلك.
إلى غير ذلك من الوقفات المهمَّة التي أوردها المؤلف في مقدمته لهذه الطَّبعة.