قراءة وتعريف

التمذهب – دراسة نظرية نقدية
book
خالد بن مساعد الرويتع
عنوان الكتاب: التمذهب – دراسة نظرية نقدية
الناشر: دار التدمرية- الرياض
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1434هـ
عدد الأجزاء: 3
نوع الكتاب: رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراه من قسم أصول الفقه بكلية الشريعة بالرياض بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.


التعريف بموضوع الكتاب:
يعتبر الحديث عن موضوع التمذهب حديثًا مهمًّا جدًّا, وذلك لما له من صلة وثيقة بأبواب الاجتهاد والتقليد التي لها أهمية كبرى في علم أصول الفقه ودراساته, كما تكمن أهمية الموضوع أيضًا في كونه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بطريقة البناء والتكوين العلمي, والتدرج والترقي في طلب العلم الشرعي, وصلته الوثيقة بفقه النوازل الذي يعد علمًا ذا أهمية بالغة.
لهذه الأسباب وغيرها كان على طلاب العلم أن يتطرقوا لهذا الموضوع بالدراسة والتمحيص, والبحث والتفتيش, ليسبروا غوره, ويبينوا مسائله, ويحلُّوا مشكلاته, وهو ما فعله مؤلف كتاب (التمذهب – دراسة نظرية نقدية) الذي سنقف معه وقفات في هذا الأسبوع.
أراد المؤلف – كما بين في مقدمته – أن يسهم في إيجاد علاج مسألة مهمة من مسائل أصول الفقه, وهي مسألة التمذهب, وذلك بطرح دراسة علمية مستوفية لجوانبها النظرية والنقدية, وإسهامًا منه كذلك في تقديم خدمة عظيمة للعمل الشرعي, كما أراد أن يقدم رؤية واضحة للتمذهب من حيث معناه الاصطلاحي, وإظهار الفروق بينه وبين ما يقاربه من مصطلحات كالتقليد والتعصب, مع بيان حكم التمذهب.

الكتاب جعله المؤلف على بابين:
أما الباب الأول فكان للدراسة النظرية لموضوع التمذهب, وقد تألف من ست فصول:
في الفصل الأول درس المؤلف حقيقة التمذهب وتعريفه, فبعد أن ذكر عدة تعريفات للتمذهب نقلها عن عدد من أهل العلم لم يسلم كثير منها من بعض الاعتراضات، عرفه بأنه: التزام غير العامي مذهب مجتهد معين في الأصول والفروع، أو في أحدهما، أو انتساب مجتهد إليه.
تحدث أيضًا في هذا الفصل عن العلاقة الرابطة بين مصطلح التمذهب وغيره من المصطلحات ذات الصلحة, كالعلاقة بين التمذهب والتقليد, والاجتهاد, والاتباع, والتأسي, والتعصب ... وغيرها من المصطلحات.

انتقل بعد ذلك للحديث عن أركان التمذهب, وبين أن له ثلاثة أركان:
أولها المذهب أو ما أطلق عليه أيضًا (صاحب المذهب), والذي عرفه بأنه: مجتهد مستقل بأصول وفروع وله أتباع يسيرون عليهما. وذكر أن له شروطًا هي شروط الاجتهاد, وقد جعلها على نوعين:
النوع الأول: الشروط المتعلقة بالجانب الشخصي للمجتهد, كالعقل, والبلوغ, والإسلام, والملكة الفقهية. كما ذكر أن هناك أوصافًا شخصية لا تشترط للوصول إلى مرتبة الاجتهاد, كالعدالة، والذكورية، والحرية.
النوع الثاني: الشروط المتعلقة بالجانب العلمي للمجتهد, فذكر أهمَّها وهي: معرفة كتاب الله سبحانه وتعالى, السنة النبوية, والناسخ والمنسوخ, وأسباب نزول الآيات، وأسباب ورود الأحاديث, ومعرفة المسائل المجمع عليها, وعلم أصول الفقه, ولسان العرب,كما بين أنه لا تشترط لبلوغ مرتبة الاجتهاد معرفة علم الكلام، وعلم المنطق، والفروع الفقهية.
ثم تناول المؤلف الطرق التي من خلالها تثبت أقوال إمام, فذكر من ذلك القول, وأراد به: قول إمام المذهب الذي كتبه, أو أملاه, أو تلفظ به, ونقل عنه.

وبين أن هذا القول ينظر له من جهتين:
الجهة الأولى: ثبوت القول عن إمام المذهب.
الجهة الثانية: دلالة قول إمام المذهب.
كما أوضح أن وصول أقوال الإمام إلينا من طريقين:
الأول: مؤلفات إمام المذهب.
الثاني: ذكر التلاميذ قول إمام مذهبهم وتفسيرهم له.
وتناول عددًا من المسائل المهمة المتعلقة بهذه الطريقة, وفصل القول فيها.
ومن طرق إثبات قول الإمام التي ذكرها المؤلف مفهوم القول, وقد قسمه إلى قسمين:
القسم الأول: مفهوم موافقة.
القسم الثاني: مفهوم مخالفة.
ومن الطرق في إثبات أقوال الإمام أيضًا الفعل, وقصده به فعل الإمام لشيء من العبادات أو غيرها هل ينسب إليه القول به؟
ومن الطرق أيضًا السكوت, والتوقف, والقياس على القول, ولازم القول, وثبوت الحديث, وقد فصل المؤلف القول فيه ورجح ما ظهر له رجحانه من الأقوال.

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك إلى الركن الثاني من أركان التمذهب, وهو المتمذهب الذي يعد الركن الأقوى منها, إذ أنه لا توجد حقيقة التمذهب بدونه, فالتمذهب التزام, ولا التزام دون ملتزم.
وبيَّن أن المتمذهب هو: الذي يلتزم مذهباً معيناً في الأصول والفروع، أو في أحدهما، أو من ينتسب إلى مذهب معين .
ثم ذكر له شروطًا عامة, وخاصة.
أما العامة فهي: العقل, والبلوغ, والإسلام.
وأما الشروط الخاصة:
فالأول: أن يكون متهيئاً – أو متأهلًا – للتمذهب.
والثاني: أن يعرف مذهب إمامه في الأصول, والفروع، أو في أحدهما .
ثم عرَّج المؤلف على ذكر العلاقة بين المتمذهب والمخرِّج, مبينًا أن المخرج يمثل قمة الهرم للمتمذهبين, والنسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق, فكل مخرج متمذهب, دون العكس.

ومما ذكره المؤلف أيضًا العلاقة بين المتمذهب والفروعي, وأوضح أنهما يجتمعان في أن كلًّا منهما يلتزم أقوال إمام معين في الفروع, ويفترقان في كون الأخير يمثل طبقة من طبقات المتمذهبين – وهي الطبقة الدنيا -, وعليه فكل فروعي متمذهب, دون العكس, فالنسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق.
ثم تناول المؤلف مسألة أخرى أطال فيها الحديث وهي تمذهب المجتهد, موضحًا أن له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن ينتسب المجتهد إلى مذهب معين، دون أن يكون لهذه النسبة أثر في اجتهاده, وذكر أن الأصل في هذه الحالة هو الجواز.
الحالة الثانية: أن ينتسب المجتهد إلى مذهب معين، ويأخذ بقول إمامه في بعض المسائل على سبيل الاتباع,
ورأى المؤلف الجواز في هذه الحالة أيضًا.
الحالة الثالثة: أن ينتسب المجتهد إلى مذهب معين، ويأخذ بقول إمامه في بعض المسائل على سبيل التقليد, وفي هذه الحالة يبنى الحكم على ما حرره الأصوليون في مسألة: (تقليد المجتهد لغيره من المجتهدين) وهي من المسائل الخلافية، وقد رجح فيها المؤلف القول القائل بمنع المجتهد من تقليد غيره من المجتهدين, إلا إذا تعذر عليه الاجتهاد تعذراً حقيقياً؛ لأي سبب كان، إذا ظن أنه لن يتوصل إلى رأي راجح في المسألة، لكن لابد أن تطمئن نفسُ المجتهد إلى القول الذي قلد فيه غيره.

كما تناول مسألة مذهب العامي, وهي مسألة خلافية رجح فيها أن العامي لا مذهب له، ولا يصح منه التمذهب؛ لفقده أهلية معرفة المذهب.
بعد ذلك تحدث عن الركن الثالث من أركان التمذهب وهو المذهب أو (المتمذهب فيه), فتحدث عن تعريفه, ومن ثم تناول محله, مبينًا أن المراد بمحل التمذهب المسائل الأصولية والفقهية مما يصح فيه الاجتهاد, وبين أن التمذهب فرع الاجتهاد، فما كان من المسائل محلًّا للاجتهاد، فهو محل للتمذهب، سواء أكان من مسائل الفقه، أم من مسائل أصول الفقه، فمحل التمذهب إذن هو الفقه وأصوله مما لم يقم عليه دليل قاطع.

وذكر المؤلف أن محل التمذهب يشمل أمورًا، وهي:
أولاً: مسائل أصول الفقه التي لم يقم عليها دليل قاطع.
ثانياً: مسائل الفقه التي ثبتت بدليل نقلي ظني، وهي على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: المسائل الفقهية التي ثبت بدليل ظني الثبوت، ظني الدلالة.
النوع الثاني: المسائل الفقهية التي ثبتت بدليل ظني الثبوت، قطعي الدلالة.
النوع الثالث: المسائل الفقهية التي ثبتت بدليل قطعي الثبوت، ظني الدلالة.
ثالثاً: المسائل التي لم يرد فيها دليل نقلي أصلاً.

وتحدث المؤلف تحت هذه النقطة عن المسائل التي ليست مجالاً للتمذهب, كالقواعد والأصول التي ثبتت بالدليل القاطع, وما علم من الدين بالضرورة, والمسائل التي ثبتت بالإجماع القاطع.
رابعاً: المسائل الفقهية التي ثبتت بدليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة .
وعن شروط نقل المذهب يحدثنا المؤلف, فيوضح أن الناظر إذا أراد معرفة المذهب ونقله فلذلك طرق, ولكل طريق شروط تخصه وهذه الطرق وهي:
الأول: ما صنفه إمام المذهب.
الثاني: ما نقله تلاميذ إمام المذهب ، ومعاصروه.
الثالث: ما دونه أرباب المذهب في مؤلفاتهم الأصولية والفقهية.
وتحدث عن كل طريق وشروطها. ثم تناول صور الخطأ في نقل المذهب, وألفاظ نقله: كالرواية, والتنبيه, والقول, والوجه, والاحتمال, والتخريج, والنقل وغيرها, وتحدث عن كل لفظ بالتفصيل.

ومما تناوله أيضاً تحت هذا الركن من أركان التمذهب مسألة تفضيل مذهب من المذاهب, وكان الحديث ضمن فقرتين:
الأولى: هل يجوز تفضيل مذهب على غيره؟
وعن الإجابة على هذا التساؤل تلخص رأي المؤلف في أمور وهي: إن كان الداعي للحديث عن فضل المذهب وما يمتاز به إنما هو التعصب له، والقول بوجوب اتباعه والتزامه في جميع مسائله, والقول بتحريم الخروج عنه، حتى ولو خالف الدليل؛ فإنه لا يجوز. وإن كان الحديث عن تفضيل المذهب يتضمن التقليل والحط من قدر أئمة المذاهب الأخرى، أو الطعن فيهم فهو لا يجوز أيضًا.
كما قرر المؤلف نقطة مهمة جدًّا وهي أنه لا يوجد مذهب من المذاهب الفقهية المتبوعة قوله هو الصواب المحض الذي لا خطأ فيه، بل كل المذاهب تصيب في مسائل وتخطئ في أخرى, وعليه: فالقول برجحان مذهب برمته على مذهب آخر لا يخلو من كثير من الحيف .ثم نقل نماذج من أقوال بعض العلماء في تفضيل مذهبهم على غيره.

أتبع ذلك حديثًا عن أقسام التمذهب, وأوضح أنه يمكن تقسيم التمذهب إلى عدة أقسام, باعتبارات مختلفة, نجملها في الآتي:
• فباعتبار محله ينقسم إلى: التمذهب في الأصول, والتمذهب في الفروع, والتمذهب في الأصول والفروع.
• وباعتبار درجة الالتزام بالمذهب ينقسم إلى: التمذهب في جميع المسائل، أو أغلبها, والتمذهب في كثير من المسائل، أو بعضها.
• وباعتبار صفة التمذهب ينقسم إلى: التمذهب الحقيقي, والتمذهب الاسمي.
• أما باعتبار معرفة الدليل فينقسم إلى: التمذهب مع معرفة الدليل, والتمذهب مع عدم معرفة الدليل .
ثم انتقل المؤلف بعد ذلك إلى الفصل الثاني من فصول الباب الأول, وتحدث فيه عن نشأة التمذهب وتاريخه, فعن النشأة تحدث المؤلف فبدأ حديثه عن حالة الناس قبل نشوء المذاهب, وأوضح أنه لم يوجد قبل نشأة المذاهب الفقهية تمذهب بمعناه المعهود، ولا نسبة مذهبية إلى أحد من المجتهدين بعينه.
وعن نشأة المذاهب الفقهية أوضح أن اللبنات الأولى للتمذهب ظهرت بين تلامذة علماء الصحابة رضي الله عنهم, مبينًا أن من أهم الصور العلمية الموجودة قبل وجود المذاهب الفقهية وجود مدرستين: إحداهما تعنى بالأثر، والأخرى تعنى بالرأي, وتنفرد كل واحدة منهما بسمات وخصائص، وهاتين المدرستين قد خرَّجت عددًا من الأئمة المجتهدين، وقد ظهر أثر الاختلاف المنهجي بين المدرستين في أصول المذاهب الفقهية الناشئة عنهما .
وتناول بالذكر أسباب نشوء المذاهب الفقهية, وأسباب بقاء المذاهب الفقهية الأربعة. كما تحدث عن تاريخ التمذهب على عدة فترات, فتناول التمذهب من نشأته إلى نهاية القرن الثالث الهجري, والتمذهب من القرن الرابع الهجري إلى نهاية القرن السابع الهجري, والتمذهب من القرن الثامن الهجري إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري, والتمذهب من منتصف القرن الرابع عشر الهجري إلى العصر الحاضر.
وفي الفصل الثالث تحدث المؤلف عن حكم التمذهب, مهَّد له بتمهيد تناول فيه حكم تقليد الميت, وذكر خلاف العلماء في ذلك, مرجحًا القول القائل بجواز تقليد المجتهد الميت.

ثم بدأ بالحديث عن التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي, فنقل اتفاق العلماء على عدم وجوب التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي. ثم ذكر الخلاف في مسألة (التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي) واستعرض أدلة الأقوال, ومن ثم رجح القول بجواز التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي من جهة التنظير، وأما جهة الإمكان فيبقى محل نظر، والظاهر عدم إمكان التمذهب إلا بمشقة بالغة.

ثم انتقل المؤلف للحديث عن التمذهب بأحد المذاهب الأربعة المشهورة, والتي تعد كبرى مسائل التمذهب التي يدور حولها الجدل بين العلماء في القديم والحديث, ولعل أبرز ما ذكر في هذا المبحث ما يلي:
أنه لا خلاف بين العلماء في قبول وجود المذاهب الفقهية الأربعة, وأن العلماء المجيزون للتمذهب اتفقوا على أن المتمذهب المتأهل إذا خالف مذهبه، وخرج عنه؛ لرجحان غيره من المذاهب، فقد أحسن, ثم حصر المؤلف الخلاف الوارد في المسألة في ثلاث صور:
الصورة الأولى: التزام المتذهب بمذهب إمامه، واكتفاؤه به، بحيثُ لا يخرج عنه، أو التزامه بمذهبه، مع عدم معرفته بدليله.
الصورة الثاني: إعراض المتمذهب المتأهل عن النظر في الأدلة.
الصورة الثالثة: التزام المتمذهب بالمذهب مع مخالفته للدليل.

وبعد أن ذكر المؤلف أقوال العلماء المختلفين في المسألة وأدلتهم انتهى إلى ترجيح التفصيل في المسألة، خلص من خلاله أن التمذهب جائز في الجملة، وأن وطأة الخصومة والنزاع بين المجوزين أو الموجبين للتمذهب، والمانعين منه تخفُّ في المسائل التي لم يرد فيها نص من الشارع.

أما التمذهب بغير المذاهب الأربعة, فقد قسمها المؤلف إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: التمذهب بمذهب مندثر, وفي هذا القسم يرى المؤلف أن الأولى عدم التمذهب بمذهب مندثر.

القسم الثاني: التمذهب بالمذهب الظاهري, وقد أفرده المؤلف بالحديث لما يتمتع به عن بقية المذاهب من تدوين أصوله وفروعه، وتفرده ببعض الآراء الأصولية، وجود من ينتسب إليه من العلماء. وبين المؤلف أن التمذهب به يعني: التزام أصوله، مع القناعة برجحانها عن حجة وبرهان، ومن ثم تطبيق هذه الأصول على الفروع الفقهية، سواء وافق علماء المذهب الظاهري، أم لا.
أما التزام المذهب الظاهري في أصوله وفروعه، وعدم الخروج عنه، في الجملة فإن أصول المذهب الظاهري ترد هذا الالتزام. وأوضح المؤلف أن القول بمنع التمذهب بالمذهب الظاهري صعب، مع أن الأولى ترك التمذهب به؛ لعدد من الاعتبارات.

القسم الثالث: التمذهب بمذهب فقهي لإحدى الفرق المبتدعة, وهنا فصل المؤلف القول, فأوضح أنه إذا كانت بدعة المذهب مكفرة، فلا يجوز التمذهب به, وإن كانت بدعته غير مكفرة، فالأقرب المنع من التمذهب به، لاعتبارات عدة.
في الفصل الرابع تناول المؤلف الأحكام المترتبة على التمذهب, وتناول تحت هذا الفصل عدة مباحث, من ذلك الحديث عن طبقات المتذهبين, وأبرز مناهج المتقدمين والمتأخرين في تقسيم هذه الطبقات, مع الموازنة بين التقسيمات.

ومما تحدث عنه تحت هذا الفصل أيضًا مسألة الانتقال عن المذهب, وبين أن الانتقال إما أن يكون عن المذهب إلى الاجتهاد, سواء الاجتهاد المستقل أو المطلق. وإما الانتقال عن التمذهب بمذهب معين إلى التمذهب بمذهب آخر, وإما الخروج عن المذهب في بعض المسائل.
ومن المسائل التي تناولها المؤلف تحت هذا الفصل مسألة تتبع الرخص, وقد عرفه بأنه: أخذ المكلف فيما يقع له من المسائل بأخف الأقوال, دون اعتبار للقول الراجح.

كما فرق المؤلف بين رخصة العالم وزلته, وبيَّن أن تتبع الرخص من المسائل التي اختلف العلماء في حكمها, وأوضح أنه من الضروري التفريق بين من يتتبع الرخص دائمًا دون حاجة، ومن يأخذ بالرخصة عند وجود ما يدعو إلى الأخذ بها، ورأى أن الأقرب هو القول بحرمة تتبع الرخص.
كذلك تناول المؤلف بالحديث التلفيق بين المذاهب, وقصد بالتلفيق: تركيب كيفية في مسألة واحدة, ذات فروع مترابطة, أو في مسألتين لهما حكم المسألة الواحدة, من قول مجتهدين أو أكثر, بحيث لا يقول بصحتها أحد من المجتهدين.

ومن ثم ذكر له صورتين:
• التلفيق بين قولين في مسألة وفروعها.
• والتلفيق بين أثر القول وقول آخر في مسألة وفروعها.
كما ذكر أقسام التلفيق الثلاثة وهي: التلفيق في الاجتهاد, والتلفيق في التقليد, والتلفيق في التقنين .وذكر حكم كل قسم من هذه الأقسام. كما ذكر عدة فروق بين التلفيق وتتبع الرخص.
في الفصل الخامس تحدث المؤلف عن أحكام المتمذهب, وتناول تحت هذا الفصل عدة مباحث, كعمل المتمذهب إذا خالف مذهبه الدليل, وعمله عند تعدد أقوال إمامه في مسألة واحدة, وأخذ المتمذهب قولًا رجع عنه إمامه, وغيرها من الأحكام. وفي كلٍّ فصل المؤلف القول, ورجح ما أوصله إليه اجتهاده بعد الموازنة.

ثم جاء الفصل السادس وهو آخر فصول الباب الأول, وكان الحديث فيه عن أثر التمذهب في التوصل إلى حكم النازلة, وقصد بالنازلة: الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي.
تحدث بعد ذلك عن التوصل إلى حكم النازلة بتخريجها على أصول المذهب وفروعه, وبيّن أن الكثير من المتمذهبين اعتمدوا عند دراسة النوازل على تخريج حكمها على أصول المذهب وقواعده، وتخريج حكمها على فروع المذهب, وأن المقصود بتخريج حكم النازلة: أن يبين المتمذهب حكم النازلة التي لم ينص إمامه عليه بإلحاقها بقاعدة من قواعد المذهب، أو بإلحاقها بما يشبهها من فروعه. وأوضح افتقار تخريج حكم النازلة على أصول المذهب، وفروعه إلى أمرين مهمين:

• الأمر الأول: صحة نسبة الأصل إلى إمام المذهب أو إلى مذهبه.
• الأمر الثاني: أن يوجد في مذهب الإمام مجتهدون مقيدون بمذهبه، يسيرون على طريقته، ولديهم قدرة على التخريج والإلحاق .
انتقل المؤلف إلى الباب الثاني من الكتاب وهو الخاص بالدراسة النقدية للتمذهب, وقد تألف من أربعة فصول مهَّد لها بتمهيد تناول فيه الحاجة إلى المذاهب الفقهية.

أما الفصل الأول من فصول هذا الباب فتناول فيه آثار التمذهب الإيجابية, فذكر منها:
1. ظهور المناظرات والمساجلات الفقهية والأصولية بين أرباب المذاهب المختلفة؛ بغية الاستدلال للمذهب, والانتصار له بإبراز أدلته.
2. ازدهار النشاط التأليفي في مختلف الموضوعات المتعلقة بالفقه وأصوله، وقد كان النشاط التأليفي في فنون متعددة، منها: التأليف في الفقه المذهبي, والتأليف في الألغاز, والأحاجي, والمطارحات الفقهية, والتأليف في أصول المذهب, وفي قواعد المذهب الفقهية وضوابطه, وغيرها.
3. تجنب الآراء الشاذة.
4. الإلمام الشمولي بالمسائل الأصولية، والفقهية.
5. دعم سبيل الارتقاء إلى مقام الاجتهاد.
6. تجنب التناقض في الاختيار بين الأقوال.
7. بروز فن الفروق الفقهية، والأشياء والنظائر .

وفي الفصل الثاني استعرض المؤلف الآثار السلبية للتمذهب, فذكر منها:
1. ظهور التعصب المذهبي بين أرباب المذاهب المختلفة ، وذكر له صورًا عدة منها: الإعراض عن الاستدلال بالكتاب والسنة الثابتة, ورد دلالة الآيات والأحاديث الثابتة، والتكلف في ذلك, والانتصار للمذهب بالأحاديث الواهية, والاستدلال بالحديث متى ما وافق المذهب, ومخالفة الحديث نفسه في حكم آخر دل عليه؛ لمخالفته المذهب.
2. دعوى غلق باب الاجتهاد، ومحاربة من يدعيه.
3. ظهور الحيل الفقهية.
4. عدم الاطلاع على ما لدى المذاهب الأخرى.

أما الفصل الثالث فخصصه المؤلف للحديث عن أسباب ظهور الآثار السلبية للتمذهب وطرق علاجها, حيث عدد من تلك الأسباب:
1. الغلو في تعظيم أئمة المذاهب.
2. اعتقاد عدم خفاء شيء من الأدلة على إمام المذهب.
3. اتباع الهوى.
4. التعصب للمذهب.
5. المناظرات والجدل.
6. الإلف والاعتياد على مذهب فقهي واحد.
7. الخشية من وقوع الناس في تتبع الرخص ، والتلفيق بين المذاهب.
8. الأوقاف على المذاهب الفقهية.
9. الوقوع في ردة الفعل.
10. الضعف العلمي.
11. الكسل والرغبة في الراحة .
أما عن العلاج من الآثار السلبية للتمذهب فقد قدم المؤلف عدداً من المقترحات وهي:
1. الاهتمام بالكتب المذهبية البعيدة عن التعصب، والتي تعنى بالاستدلال.
2. الاطلاع على بقية المذاهب المتبوعة، ومعرفة أقوال السلف.
3. التقاء علماء المذاهب الفقهية لدراسة ما يهم المسلمين.
4. تربية المتمذهب على احترام المذاهب وأهلها.
5. العناية بالتخصص العلمي.
6. العناية بطرق التعليم.

بعد ذلك ختم المؤلف كتابه بفصل أخير, تناول فيه مشروع توحيد المذاهب الفقهية, وبين فيه أن بعض المعارضين للتمذهب قدم مشروعاً يقترح فيه توحيد المذاهب المتبوعة في مذهب واحد، وهو قائم على الأخذ بالقول الراجح منها, دون انتساب إلى مذهب من المذاهب المعروفة.
كما وجه المؤلف إلى هذا المشروع شيئاً من النقد الذي يبين عدم صلاحيته، كما نبه إلى أن نقد المشروع لا يعني انتقاد من يدعو إلى تعظيم الأدلة، والعمل بها.

وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية هذا الكتاب الماتع, وسلطنا الضوء على أبرز النقاط فيه.