موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ الأوَّلُ: كيفيَّةُ مَعرِفةِ الأصليِّ مِنَ الزَّائِدِ


الحَرفُ الأصليُّ هو الحَرفُ الَّذي يَلزَمُ في جَميعِ التَّصاريفِ، حَتَّى ولَو حُذِفَ الأصلُ لعِلَّةٍ عارِضةٍ، فيَكونُ مَوجودًا مُقَدَّرًا، مِثْلُ: (لم يَغْزُ)، بحَذفِ لامِ الفِعْلِ (الواوِ) للجَزْمِ، و(يَعِدُ) مُضارِعِ (وَعَدَ) بحَذفِ الواوِ؛ لوُقوعِها بينَ ياءٍ وكَسرةٍ؛ إذ إنَّ أصلَه: (يَوْعِدُ) [55] يُنظر: ((الشرح الملوكي)) لابن يعيش (ص: 108، 109). .
ويُعرَفُ الحَرْفُ الأصليُّ مِنَ الزَّائِدِ بعَدَدٍ مِنَ الأدِلَّةِ نُجمِلُها فيما يأتي:
1- الاشتِقاقُ:
هو أن تَكونَ إحدى الكَلِمَتينِ مَأخوذةً مِنَ الأُخرى، أو تَكونَ الكَلِمَتانِ مَأخوذَتينِ مِن أصلٍ واحِدٍ ولَم يُعرَفْ زِيادَتُها.
والِاشتِقاقُ -كما يَرى ابنُ يَعيشَ- مِن أقوى الأدِلَّةِ في مَعرِفةِ الأصليِّ مِنَ الزَّائِدِ، ودَلالَتُه عَلى الزِّيادةِ والأصالةِ قَطعيَّةٌ [56] يُنظر: ((الشرح الملوكي)) لابن يعيش (ص: 119). .
كيفيَّةُ مَعرِفَتِه: إذا ورَدَتِ الكَلِمةُ وفيها بَعضُ حُروفِ الزِّيادةِ، ورَأيتَ ذلك الحَرفَ سَقَطَ في بَعضِ تَصاريفِها، فاحكُمْ عليه بالزِّيادةِ، مِثلُ: الهَمزةِ في (أحمَرَ) ففِعلَه (حَمِرَ يَحمَرُ)، والمَصدَرُ هو الحُمرةُ، وليس فيها هَمزةٌ؛ فالأصلُ ثابِتٌ لا يَسقُطُ [57] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 325)، ((الشرح الملوكي)) لابن يعيش (ص: 119). .
2- التصريفُ:
هو تَغييرُ صيغةِ الكَلِمةِ إلى صيغةٍ أُخرى، كما تَبني مِن ضَرَبَ مِثالَ: جَعْفَرٍ: تَقولُ: ضَرْبَبٌ، ومِثلُ تَغييرِها بالتَّصغيرِ والتَّكسيرِ، والتَّصريفُ أعَمُّ مِنَ الِاشتِقاقِ، فإن كانَ الِاشتِقاقُ يَختَصُّ بما جاءَ عَنِ العَرَبِ مِن تَصريفِ الكَلِمةِ عَلى مُختَلِفِ الوُجوهِ، فإنَّ التَّصريفَ يَشمَلُ ما جاءَ عَنِ العَرَبِ وما يُحدِثُه العُلَماءُ بالقِياسِ، فكُلُّ اشتِقاقٍ تَصريفٌ، وليس كُلُّ تَصريفٍ اشتِقاقًا.
وإذا كانَ الِاستِدلالُ عَلى الزِّيادةِ في الِاشتِقاقِ بالعَودةِ للأصلِ، فإنَّ الِاستِدلالَ عَلى الزِّيادةِ والأصالةِ في التَّصريفِ يكونُ بالفَرعِ، مِثلُ: أَيْصَرٍ، استُدِلَّ عَلى زيادةِ الياءِ في (أيصَرٍ) بجَمعِه عَلى إصارٍ، والجَمعُ فَرْعٌ، فأيصَرٌ ليسَ مُشتَقًّا مِن إصارٍ، إنَّما إصارٌ تَصريفٌ مِن تَصاريفِه [58] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 46، 47). .
3- الكَثرةُ:
هو أن تَجِدَ حَرفَ الزِّيادةِ يَكثُرُ زائِدًا في مَوضِعٍ مِنَ المَواضِعِ -فيما عُرِفَ اشتِقاقُه- فتَحكُمُ عليه بالزِّيادةِ فيما لم يُعرَفْ أمرُ اشتِقاقِه؛ حَملًا عَلى الأكثَرِ.
مَثَلًا: الهَمزةُ جاءَت زائِدةً إذا ما كانَ بَعدَها ثَلاثةُ أصولٍ، مِثْلُ: أحمَرَ وأصفَرَ، إلَّا في ألفاظٍ قليلةٍ، مِثْلُ: أرْطًى وأيْطَل وأيْصَر وأوْلَق وإِمَّعَة [59] الأرْطى: شجرٌ من شَجَرِ الرَّملِ. وهو فَعْلَى؛ لأنَّك تقولُ: أديم مأرُوطٌ: إذا دُبغ بذلك، والأَيْطَلُ: الخاصرةُ، والإصارُ والأيْصَرُ: حبلٌ قصيرٌ يُشَدُّ به في أسفَلِ الخِباءِ إلى وَتِدٍ، والأوْلَقُ: الجنونُ، والإمَّعَةُ: الذي يكونُ رأيُه ضعيفًا مع كلِّ أحدٍ. ينظر: ((الصحاح)) للجوهري (3/ 1114)، و(2/ 579)، و(4/ 1623)، و(4/ 1447)، و(3/ 1183). ، فنَحكمُ عليها بأنَّها زائِدةٌ في مِثْلِ: أفْكَل [60]  الأَفْكَلُ: الرِّعْدةُ. ينظر: ((الصحاح)) للجوهري (5/ 1792). ، الَّذي لا يُعرَفُ له اشتِقاقٌ ولا تَصريفٌ؛ حَملًا للمَجهولِ عَلى المَعلومِ، ويَجِبُ هُنا ألَّا نَلتَفِتَ إلى ما جاءَت فيه الهَمزةُ أصليَّةً وبَعدَها ثَلاثةُ أصولٍ (أَرْطى وأخَواتِه)؛ لقِلَّةِ ذلك [61] يُنظر: ((الشرح الملوكي)) لابن يعيش (ص: 121). .
4- اللُّزومُ:
يُشبِهُ العُنصُرَ السَّابِقَ (الكَثرةَ) إلَّا أنَّه بلا استِثناءاتٍ؛ فهو يَعني أنَّ الحَرفَ قد لزِمَ الزِّيادةَ في مَوضِعٍ مِنَ المَواضِعِ في كُلِّ ما عُرِفَ له اشتِقاقٌ أو تَصريفٌ، فيُحكَمُ عليه إذا جاءَ في هَذا المَوضِعِ بالزِّيادةِ فيما لا يُعرَفُ له اشتِقاقٌ أو تَصريفٌ.
مَثَلًا: النُّونُ إذا وقَعَت ثالِثةً ساكِنةً وبَعدَها حَرفانِ ولَم تَكُن مُدْغَمةً، فهي زائِدةٌ أبَدًا، مِثلُ: جَحَنْفَل، فإذا جاءَت في مِثلِ: عَبَنْقَس [62] والعَبَنْقَسُ: السَّيِّئُ الخُلُقِ، والعَبَنْقَسُ: النَّاعِمُ الطَّوِيلُ مِنَ الرِّجَالِ. ينظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (6/ 130). ممَّا لا يُعرَفُ له اشتِقاقٌ أو تصريفٌ، جُعِلَت نونُه زائِدةً حملًا على ما عُرِفَ له اشتِقاقٌ وتصريفٌ [63] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 48). .
5- لُزومُ حَرْفِ الزِّيادةِ البِناءَ:
أن يَكونَ حَرفُ الزِّيادةِ مُختَصًّا ببِنيةٍ مُعَيَّنةٍ لا يُمكِنُ أن يَحُلَّ مَحَلَّه في تِلكَ البِنيةِ حَرفٌ غَيرُ صالِحٍ للزِّيادةِ، مِثلُ: حِنْطَأْو، وسِنْدَأو، وكِنْثَأو [64] والحِنْطَأْوُ والحِنْطَأْوةُ: الْعَظِيمُ البطن. والحِنْطَأْوُ: القصيرُ، وقيل: العظيمُ. ينظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 62)، والسِّنْدَأْوُ: الخفِيفُ، والجَرِيءُ المُقْدِمُ، والقَصِيرُ، والكِنْثأْوُ: الجَمَلُ الشديدُ، والعظيمُ اللِّحْيةِ. ينظر: ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (1/ 37)، و(1/ 50). ، وَزْنُها: فِنْعَلْو، والنُّونُ زائِدةٌ؛ إذ لو كانَت أصليَّةً لجاءَ في مَوضِعِها مِن هَذا البِناءِ حَرفٌ مِنَ الحُروفِ الَّتي لا تَدخُلُها الزِّيادةُ؛ مِثلُ الدَّالِ: سِرْدَأو، ولم يأتِ مِثْلُ ذلك [65] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 48، 49). .
6- الزِّيادةُ لِمعنًى:
أن تَكونَ الزِّيادةُ لِمَعنًى، مِثلُ: حُروفِ المُضارَعةِ، وياءِ التَّصغيرِ، فإنَّ إعطاءَ الحَرفِ مَعنًى يَجعَلُه زائِدًا؛ لأنَّه لا حَرفَ أصليٌّ في الكَلِمةِ يُعطي مَعنًى.
وهَذا الدَّليلُ يُمكِنُ الِاستِغناءُ عَنه بالِاشتِقاقِ والتَّصريفِ؛ لأنَّه ليسَ هُناكَ كَلِمةٌ فيها حَرفٌ له مَعنًى إلَّا ولَها اشتِقاقٌ أو تَصريفٌ، لكِنَّه دَخلَ ضِمنَ الأدِلَّةِ؛ لأنَّه يُمكِنُ أن يُعلَمَ به الزِّيادةُ دونَ النَّظَرِ إلى الِاشتِقاقِ أوِ التَّصريفِ [66] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 49). .
7- النَّظيرُ:
أن يَكونَ في الكَلِمةِ حَرفٌ لا يَكونُ إلَّا زائِدًا، ثُمَّ يُسمَعُ في هَذِه الكَلِمةِ لُغةٌ أُخرى يُحتَمَلُ فيها أن يَكونَ الحَرفُ أصلًا ويُحتَمَلُ أن يَكونَ زائِدًا، فيُحكَمُ عَلى الحَرفِ بالزِّيادةِ؛ لثُبوتِ زيادَتِه في اللُّغةِ الأُولى.
مِثلُ: تَتْفُل [67] التتفل: الثعلب. ينظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (11/ 77). ؛ فيه لُغتانِ:
(تَتْفُل) وعَلى تِلكَ اللُّغةِ تَكونُ التَّاءُ زائِدةً؛ إذ لو كانَت أصليَّةً لكانَ وزنُه (فَعْلُل)، وهو وزنٌ لم يَرِدْ في كَلامِ العَربِ.
و(تُتْفُل)، وعلى تلك اللُّغةِ يُمكِنُ أن تكونَ التَّاءُ أَصليَّةً ويكونَ الوَزنُ (فُعْلُل)، وهو وَزنٌ ورد في كَلامِ العَرَبِ (بُرثُن)، فنَحكُمُ حينئذٍ بزيادةِ التَّاءِ في هذه اللُّغةِ لزِيادتِها في اللُّغةِ الأُولى [68] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 49). .
8- الخُروجُ عن النَّظيرِ:
ومَعناه: إنِ اعتَبَرنا الحَرفَ زائِدًا كانَ لوَزنِ الكَلِمةِ نَظيرٌ فيما ورَدَ مِن كلامِ العَرَبِ، وإنِ اعتَبَرْنا الحَرفَ أصليًّا لم يَكُنْ له نَظيرٌ، والعَكسُ، وهُنا لا بُدَّ أن يُحمَلَ عَلى ما لا يُؤَدِّي إلى خُروجِ اللَّفظِ عَنِ النَّظيرِ؛ مِثْلُ: غِزْوِيت:
فإذا قَدَّرْنا التَّاءَ أصلِيَّةً كان الوَزْنُ (فِعْوِيل) وهو وَزنٌ لم يَرِدْ في كَلامِ العَرَبِ.
إذا قَدَّرْنا التَّاءَ زائِدةً كان الوَزْنُ (فِعْلِيت) وهو وَزنٌ مَوجودٌ في كلامِهم، مِثْلُ: عِفْرِيت.
فحَكْمنا بزيادةِ التَّاءِ في غِزْوِيت حَملًا لِلَّفْظِ عَلى نَظيرِه؛ إذ لو حَكَمْنا بأصالةِ التَّاءِ لخَرَجَتِ الكَلِمةُ عَن نَظائِرِها [69] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 50). .
9- الدُّخولُ في أوسَعِ البابَينِ عِندَ لُزومِ الخُروجِ عن النَّظيرِ:
وهو أن يَكونَ في الكَلِمةِ حَرفٌ زائِدٌ؛ إن حُمِلَ عَلى الأصالةِ كانَ عَلى وزنٍ لم يَأتِ في كلامِ العَربِ، وإن حُملَ عَلى الزِّيادةِ كانَ عَلى وزنٍ لم يَأتِ أيضًا في كَلامِ العَرَبِ، هُنا نَحمِلُه عَلى الزِّيادةِ؛ لأنَّ أبنيةَ الزَّوائِدِ كثيرةٌ وأبنيةَ الأُصولِ قَليلةٌ، وهَذا مَعنَى أوسَعِ البابَينِ، مِثْلُ: كَنَهْبُل [70] الكَنَهْبَل، بِفَتْحِ الْبَاءِ وضمِّها: شَجَرٌ عِظام وَهُوَ مِنَ العِضاهِ. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (11/ 603). :
إذا جُعِلَت النُّونُ أصْليَّةً يكونُ على وَزنِ (فَعَلُّل)، وهو وَزنٌ لم يَرِدْ في كَلامِ العَرَبِ.
إذا جُعِلَت النُّونُ زائِدةً يكونُ وَزنُه على (فَنَعْلُل)، ولَم يَأتِ أيضًا، فيُحمَلُ عَلى الزِّيادةِ؛ لأنَّ أوزانَ المَزيدِ كثيرةٌ، وأوزانَ الأُصولِ قَليلةٌ [71] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 50)، ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 358، 359). .

انظر أيضا: