موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثاني: إعمالُ أحَدِ العامِلَينِ


يَعمَلُ في المتعلِّقِ الظَّاهِرِ أحدُ العاملَيْنِ لا كِلاهما، ويجوزُ عند جُمهورِ النُّحاةِ إعمالُ أيِّ العامِلَينِ، واختار بعضُهم إعمالَ الأوَّلِ، وبعضُهم إعمالَ الأخيرِ؛ لأنَّه الأقرَبُ للمَعمولِ.
فإن أعمَلْنا الثَّانيَ أضمَرْنا في الأوَّلِ ما يحتاجُه من ضَميرِ الرَّفعِ. تَقولُ: قام وقعد زيد. قام: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ تقديره هو.
ويتجَلَّى ذلك عند تثنيةِ المتعَلَّقِ به وجمعِه. تَقولُ: قاما وقعد أبواك؛ فالألِفُ في الأوَّلِ هي الفاعِلُ. وتَقولُ: ضربَاني وضربتُ الزيدينِ؛ فالألف في الفِعْل الأوَّلِ هي الفاعِلُ، وتَقولُ: بَغَيَا واعتدى عبداكَ.
غيرَ أنَّه لا يجوزُ أن يُضمَرَ فيه ضَميرا النَّصْبِ أو الجَرِّ؛ لأنَّهما فَضلةٌ لا يجوزُ إضمارُهما قبل ذِكْرِهما، وإنما جاز ذلك في المرفوعِ؛ لأنَّه عمدةٌ، فجاز إضمارُه قَبْلَ ذِكْرِه.
وعليه فلا يجوزُ أن تَقولُ: رأيتُهما وأكرمتُ أبويك؛ فإنَّ الهاءُ ضَميرٌ على المفعولِ؛ فلا يجوزُ أن يعودَ على متأخِّرٍ لفظًا ورتبةً، وهو فَضلةٌ.
وكذلك لا يجوز: مررتُ بهم وأعطيتُ المحتاجينَ؛ لأنَّ الهاءَ ضَميرٌ على مَجرورٍ، وهو فضلةٌ لا يجوزُ إضمارُه قبل ذِكْرِه. وأمَّا قَولُ الشَّاعِرِ:
إِذَا كُنْتَ تُرْضِيهِ وَيُرْضِيكَ صَاحِبٌ
جِهَارًا فَكُنْ فِي الْغَيْبِ أَحْفَظَ لِلْوُدِّ
فهو من الضَّرورةِ الشِّعريَّةِ فحَسْبُ؛ حيث أضمَرَ في "ترضيه" ضميرًا منصوبًا يعودُ على صاحِب المتأخِّرِ لفظًا.
ويُسْتثنى من ذلك: ما يمتَنِعُ حَذفُه، مِثلُ المُضْمَرِ عن مَفعولَيْ ظنَّ وأخواتِها؛ فتَقولُ: ظننتُ مُنطَلِقةً وظنَّتْنِي مُنطَلِقًا هندٌ إيَّاها؛ فإنَّ "ظننتُ" قد عمل النَّصْبَ في "إيَّاها" ولا يجوزُ حَذْفُه؛ لأنَّه مفعولها الأوَّلُ، كما لا يجوزُ تقديمُه؛ ليُؤْمَنَ حَذفُ ما لا يجوزُ حَذْفُه.
وإن أعمَلْنا الفِعْلَ الأوَّلَ؛ فإن اقتضى العامِلُ الثاني الرَّفعَ أُضمِرَ فيه وجوبًا. تَقولُ: يحسِنُ ويُسيئان ابناك؛ فأضمر في "يُسيئان" الألف، وهي ضميرٌ في مَحَلِّ رَفعٍ الفاعِلِ. وتَقولُ: بغى واعتَدَيا عبداك، وضَرَبتُ وضَرَباني الزيدين.
وإن اقتضى النَّصْبَ أو الجَرَّ فالغالِبُ أن يُضمَرَ فيه. تَقولُ: ضربني وضرَبْتُهم قومُك؛ فإنَّ الفِعْل "ضرَبْتُهم" أضمِرَ فيه الهاءُ، وهي المفعولُ، وفي المجرورِ تَقولُ: رَأَوْنِي ومررتُ بهم قومُك. ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
إِذَا هِيَ لَمْ تَسْتَكْ بِعُودِ أَرَاكَةٍ
تَنَخَّلَ فَاسْتَاكَتْ بِهِ عُودُ إِسْحِلِ
فلمَّا عَمِل "تَنَخَّلَ" الرَّفعُ في "عود" أضمَرَ في "استاكت" ضميرًا مجرورًا فقال: "استاكت به".
وقد يحذفُ ضَميرُ النَّصْبِ كذلك؛ لأنَّه فضلةٌ؛ فتَقولُ: ضربني وضربتُ قومُك، وأكرمني وأكرمتُ الزَّيدانِ.
غيرَ أنَّه لا يُحذَفُ كذلك مع مَفعولَي "ظَنَّ". تَقولُ: ظنَّنِي وظننتُ زيدًا عالِمًا إيَّاه؛ فـ"إيَّاه" مفعولٌ ثانٍ لـ(ظنَّني)، وهو كالمفعولِ الأوَّلِ في امتناعِ تقديمِه وحَذْفِه.
وقد يجِبُ ذِكرُ المفعولِ في بابِ "ظَنَّ" ويمتَنِعُ إضمارُه، وذلك إذا كان الضَّميرُ خَبَرًا عمَّا يخالِفُ المفَسَّرَ في الإفرادِ والتثنيةِ والجمعِ أو في التذكيرِ والتأنيثِ. تَقولُ: "ظنَّاني عالِمًا، وظننتُ الزيدينِ عالِمَينِ"؛ فإنَّ "الزَّيدينِ" و"عالِمَينِ" مفعولَا (ظَننتُ)، و(عالِمًا) ثاني مفعولي (ظَنَّاني) وجيءَ به مُظهرًا؛ لأنَّه لو أُضمِرَ فإمَّا أن يجعَلَ مُطابقًا للمُفَسَّر، وهو ثاني مفعولي (ظَنَنتُ) وإمَّا أن يُجعَلَ مُطابقًا لِما أُخبِرَ به عنه، وهو الياءُ مِن (ظَنَّاني). وكلاهما غيرُ جائزٍ يُنظَر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (2/ 164)، ((شرح ألفية ابن مالك)) لابن الناظم (ص: 184)، ((توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك)) للمرادي (2/ 629). .

انظر أيضا: