موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الرَّابِعُ: أبو تَمَّامٍ


هو أبو تَمَّامٍ، حَبيبُ بنُ أوْسِ بنِ الحارِثِ بنِ قَيْسٍ، الطَّائِيُّ، وُلِدَ أيَّامَ الرَّشيدِ، وكانَ حَدَثًا يَسْقي النَّاسَ الماءَ بمِصْرَ، ثُمَّ جالَسَ الأُدَباءَ وأخَذَ عنهم، وكانَ نَصْرانِيًّا فأسْلَمَ.
كانَ أوَّلَ أمْرِه في الشِّعْرِ أن قَدِمَ بَغْدادَ، فجَلَسَ إلى الشُّعَراءِ في زِيِّ الأعْرابِ، وطَلَبَ مِنهم أن يَسْتَمِعوا له، فخَضَعوا له وشاعَ أمْرُه وذاعَ صيتُه، حتَّى سَمِعَ المُعْتَصِمُ به فاسْتَقْدَمَه إلى سُرَّ مَن رأى، وصارَ شاعِرَ الخَليفةِ الأوَّلَ، فظَلَّ يَمدَحُ الخُلَفاءَ والوُزَراءَ والأُمَراءَ وغيْرَهم.
وقد كانَ البُحْتُريُّ إذا سُئِلَ عنه أو فاضَلَ أحَدٌ بيْنَه وبَيْنَه قالَ: إنِّي تابِعٌ له، وواللهِ ما أكَلْتُ الخُبْزَ إلَّا به، وكانَ يقولُ: جَيِّدُ شِعْرِه خَيْرٌ مِن جَيِّدي، ورَديئي خَيْرٌ مِن رَديئِه.
وقد تُوفِّيَ أبو تَمَّامٍ سَنَةَ 231ه، وقيلَ: 232ه، وقيلَ: 228ه [608] يُنظر: ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (9/ 157)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (11/ 63). .
وقد سُئِلَ الشَّريفُ الرَّضِيُّ عن أبي تَمَّامٍ والبُحْتُريِّ والمُتَنبِّي، فقالَ: (أبو تَمَّامٍ خَطيبُ مِنبَرٍ، والبُحْتُريُّ واصِفُ جُؤْذُرٍ، والمُتنَبِّي قائِدُ عَسْكَرٍ) [609] يُنظر: ((سلم الوصول إلى طبقات الفحول)) لحاجي خليفة (2/ 9). .
ومِن جَيِّدِ شِعْرِه قَوْلُه في عليِّ بنِ الجَهْمِ الشَّاعِرِ، وقد كانَ صَديقَه:
هي فُرْقةٌ مِن صاحِبٍ لك ماجِدِ
فغَدًا إذابةُ كلِّ دَمْعٍ جامِدِ
فافْزَعْ إلى ذُخْرِ الشُّؤونِ وغَرْبِهِ
فالدَّمْعُ يُذهِبُ بعضَ جَهْدِ الجاهِدِ
وإذا فَقَدْتَ أخًا ولم تَفقِدْ لهُ
دَمْعًا ولا صَبْرًا فلستَ بِفاقِدِ
أعليُّ يا بنَ الجَهْمِ إنَّك دُفْتَ لي
سُمًّا وخَمْرًا في الزُّلالِ البارِدِ
لا تَبعُدَنْ أبَدًا ولا تَبعُدْ فما
أخْلاقُك الخُضْرُ الرُّبا بِأباعِدِ
إِن يُكْدِ مُطَّرَفُ الإخاءِ فإنَّنا
نَغْدو ونَسْري في إخاءٍ تالِدِ
أو يَخْتلِفْ ماءُ الوِصالِ فماؤُنا
عَذْبٌ تَحَدَّرَ مِن غَمامٍ واحِدِ
أو يَفْترِقْ نَسَبٌ يُؤَلِّفُ بيْنَنا
أدَبٌ أقَمْناهُ مَقامَ الوالِدِ
لو كنْتَ طَرْفًا كنْتَ غيْرَ مُدافَعٍ
لِلأشْقَرِ الجَعْدِيِّ أو لِلذَّائِدِ
أو قَدَّمَتْكَ السِّنُّ خِلْتُ بأنَّهُ
مِن لَفْظِك اشْتُقَّتْ بَلاغةُ خالِدِ
أو كنْتُ يَوْمًا بالنُّجومِ مُصَدِّقًا
لَزَعَمْتُ أنَّك أنت بِكْرُ عُطارِدِ
صَعْبٌ فإن سومِحْتَ كنْتَ مُسامِحًا
سَلِسًا جَريرُك في يَمينِ القائِدِ
أُلْبِستَ فوقَ بَياضِ مَجْدِك نِعْمةً
بَيْضاءَ حَلَّتْ في سَوادِ الحاسِدِ
ومَودَّةً لا زَهَّدَتْ في راغِبٍ
يَوْمًا ولا هي رَغَّبَتْ في زاهِدِ
غَنَّاءُ ليس بِمُنكَرٍ أن يَغْتَدي
في رَوْضِها الرَّاعي أمامَ الرَّائِدِ
ما أَدَّعي لك جانِبًا مِن سُؤْدُدٍ
إِلَّا وأنت عليهِ أعْدَلُ شاهِدِ [610] ((ديوان أبي تمام)) (ص: 86).

انظر أيضا: