موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ الثَّاني: فائِدةُ دِراسةِ الأدَبِ


دِراسةُ الأدَبِ العَربيِّ ليست مِن قَبيلِ التَّرَفِ العِلميِّ فحَسْبُ، بل لها فَوائِدُ غَزيرةٌ تَعودُ على الفَرْدِ والمُجْتمَعِ على حَدٍّ سواءٍ؛ إذِ الأدَبُ ما هو إلَّا تَعْبيرٌ عن النَّفْسِ وآمالِها وآلامِها، وعن الواقِعِ بمُكَوِّناتِه ومُشْكِلاتِه، وعن القِيَمِ بأُصولِها وفُروعِها وتَشابُكِها معَ الحَياةِ... وهذا كلُّه بأُسلوبٍ مُنمَّقٍ يَجذِبُ القارِئَ والمُستمِعَ ويُؤثِّرُ فيه، فنحن إذْ نَدرُسُ أدَبَ الأُمَّةِ العَربيَّةِ إنَّما نَدرُسُ خُلاصةَ عُقولِها ونَفْسيَّاتِها وواقِعِها وتَجرِبتِها الطَّويلةِ في الحَياةِ (فأدَبُ أيِّ أُمَّةٍ هو نِتاجُ عَواطِفِها ومَشاعِرِها وعُقولِها، وهو عُصارةُ مِزاجِها النَّفْسيِّ، وطابَعُ رُوحِها... فهو خُلاصةُ وِجهةِ نَظَرِها في الحَياةِ مُستمَدَّةً مِن داخِلِها) [20] ((خصائص الأدب العربي في مواجهة نظريات النقد الأدبي الحديث)) لأنور الجندي (ص16). .
وانْطِلاقًا مِن هذه المَعاني يُمكِنُنا إجْمالُ فَوائِدِ دِراسةِ الأدَبِ فيما يأتي:
1- دِراسةُ الأدَبِ تُعِينُ على فَهْمِ اللُّغةِ العَربيَّةِ، وتَذوُّقِها، والوُقوفِ على تاريخِها، وتاريخِ الفُصَحاءِ والبُلَغاءِ مِن أهْلِها، على اختِلافِ عُصورِهم وأحْوالِهم وأساليبِهم.
2- تَكسِبُ دِراسةُ الأدَبِ صاحِبَها المَلَكةَ اللُّغويَّةَ السَّليمةَ، وتَرْتقي بجَودةِ خِطابِه، ورَصانةِ تَعْبيرِه.
3- تُنَمِّي دِراسةُ الأدَبِ في نفْسِ صاحِبِها المَعانيَ الإنْسانيَّةَ الرَّاقيةَ، وتَكسِبُه الحِسَّ الجَماليَّ، فتَرْتقي به في جَوانِبِ الحَياةِ المَعْنويَّةِ والرُّوحيَّةِ، كما ارتَقَتْ بالجَوانِبِ اللُّغويَّةِ التَّعْبيريَّةِ عِنْدَه.
4- تُعِينُ على مَعْرفةِ أسْبابِ ارْتِقاءِ اللُّغةِ وانْحِطاطِها، على اخْتِلافِ وتَنوُّعِ هذه الأسْبابِ؛ لتُصبِحَ هذه المَعْرفةُ وَسيلةً لسُلوكِ سُبُلِ الارْتِقاءِ، واجْتِنابِ أسْبابِ الانْحِطاطِ.
5- تَتَبُّعُ تاريخِ الأدَبِ والأُدباءِ مَصدَرٌ غَنِيٌّ مِن مَصادِرِ دِراسةِ التَّاريخِ بوَجْهٍ عامٍّ، والوُقوفِ على كَثيرٍ مِن أحْداثِه على لِسانِ مَن عاصَرَ وعايَشَ هذه الأحْداثَ [21] يُنظر: ((الوسيط في الأدب العربي وتاريخه)) مصطفى العناني وأحمد السكندري (ص5)، ((خصائص الأدب العربي في مواجهة نظريات النقد الأدبي الحديث)) أنور الجندي (ص: 17)، ((تاريخ الأدب العربي)) أحمد حسن الزيات (ص3، 4). .
6- تَجْسيدُ الأدَبِ للقِيَمِ الإنْسانيَّةِ والتَّجارِبِ الحَياتيَّةِ المُخْتلِفةِ في كلِّ عَصْرٍ مِن العُصورِ يَكسِبُ الدَّارِسَ الفَهْمَ العَميقَ للقِيَمِ وللإنْسانِ بصورةٍ عَمَليَّةٍ مَلْموسةٍ؛ إذ يُمكِنُ القَولُ بأنَّ أدَبَ أيِّ أُمَّةٍ إنَّما يُشكِّلُ ضَميرَ الأُمَّةِ، إضافةً إلى القِيَمِ الفِكريَّةِ والرُّوحيَّةِ الَّتي تَعْتنِقُها، إضافةً لجَوهَرِ اللُّغةِ.
7- الأدَبُ أحَدُ أعظَمِ أسْبابِ حِفْظِ اللُّغةِ، واللُّغةُ بمَنزِلةِ العَمودِ الفِقْريِّ الَّذي يَشُدُّ جَسَدَ أبْناءِ الأُمَّةِ، ويَحفَظُ عليه تَماسُكَه وثَباتَه؛ ومِن هذا المَنْحى فإنَّ دِراسةَ الأدَبِ سَبيلٌ لحِفْظِ وَحْدةِ الأمَّةِ واسْتِمرارِها [22] يُنظر: ((تاريخ الأدب العربي)) أحمد حسن الزيات (ص4). .

انظر أيضا: