موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ الحادي والعِشرونَ: أبو القاسِمِ الزَّجَّاجيُّ (ت: 340هـ)


أبو القاسِمِ، عَبدُ الرَّحمنِ بنُ إسحاقَ البغداديُّ، النهاونديُّ، الزجاجيُّ، شيخ العَرَبيَّة، النَّحْويُّ.
مِن مَشَايِخِه:
مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ اليَزيديُّ، وأبو الحَسَنِ عليُّ بنُ سُلَيمانَ الأخفَشُ، وإبراهيمُ بنُ السَّرِيُّ الزَّجَّاجُ، وأبو بكرِ بنُ دُرَيدٍ، ونِفْطَوَيْه.
ومِن تَلَامِذَتِه:
أحمَدُ بنُ عَلِيِّ الحبال الحَلبيُّ، وأبو الحَسَنِ الستيتيُّ، وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عُمَرَ بنِ نَصرٍ، وأبو مُحَمَّدِ بنُ أبي نَصرٍ.
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:
لزم أبا إسحاقَ الزجَّاجَ فنُسِبَ إليه، وكان حَسَنَ السَّمْتِ، مَليحَ الشَّارةِ، حتى قيل عنه: إنَّه ما بيَّض مسألةً في الجُمَلِ إلَّا وهو على وُضوءٍ؛ فلذلك بورك فيه، وكان مرافقًا لأبي عليٍّ الفارسيِّ، فوردت مسائِلُ إلى العِراقِ مع بَعضِ الطَّلَبةِ وقف عليها أبو عليٍّ الفارسيُّ، فقال: لو رآنا الزَّجَّاجيُّ لاستحيا أن يتكلَّمَ فيه، وصنَّف كتابَ الجُمَل بمكَّة، وكان إذا فرغ من بابٍ طاف به أُسبوعًا، ودعا اللهَ أن يغفِرَ له، وأن ينفَعَ به قارِئَه؛ فلهذا انتَفَع به الطَّلَبةُ.
عَقيدتُه:
ذكَرَ أصحابُ التَّراجِمِ أنَّه دخل دِمَشْقَ، غَيرَ أنَّ أهلَها أخرجوه منها لأنَّه كان مُتَشيِّعًا لآلِ البَيتِ، وليس هذا معناه التشَيُّعَ بالمفهومِ العَقَديِّ المعروفِ، وإنَّما حبُّ آلِ البَيتِ ونُصْرَتُهم واعتقاُد أنَّ الحقَّ كان مع عَليٍّ في قِتالِ مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنهما. وقد كان في أهلِ دِمَشْقَ بقايا من النَّصْبِ، وهو بُغضُ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه وآلِ البَيتِ؛ ولهذا كان الزَّجَّاجيُّ يَغسِلُ مكانَ دَرْسِه كلَّ يومٍ [311] ينظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (15/ 476)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) للفيروزآبادي (ص: 181). .
ولأبي القاسِمِ كِتابُ: "اشتقاق أسماءِ اللهِ"، بان منه حُسْنُ اعتقادِه، فمِن ذلك قَولُه: ((اعلَمْ أنَّ الصِّفاتِ في كلامِ العَرَبِ على ضربَينِ: إذا كان الاسمُ عند من يخاطِبُه ملتَبِسًا بغَيرِه ممَّن يَشْرَكُه في بِنْيَتِه، فهو حينَئِذٍ محتاجٌ إلى الوَصْفِ، ووَصْفُه إيضاحٌ له وتبيينٌ.
وإذا كان الاسمُ مَعروفًا عند من تخاطِبُه إمَّا بتقديمِ مَعرِفَتِه به وتحصيلِه إيَّاه أو بشُهرتِه، كان مُستغنيًا عن النَّعْتِ، وكانت نُعوتُه ثناءً عليه، ومَدْحًا أو ذَمًّا.
فصِفاتُ اللهِ عزَّ وجَلَّ كُلُّها ثناءٌ عليه ومَدحٌ له مَدَح بها نَفْسَه، ونبَّه العِبادَ عليها وتعَبَّدَهم بوَصْفِه بها؛ لأنَّه عزَّ وجَلَّ ليس كمِثْلِه شَيءٌ، ولا يحتاجُ إلى الصِّفاتِ إيضاحًا كما يحتاجُ غَيرُه، وبيانًا له مِن غَيرِه؛ لأنَّه ليس كمِثْلِه شَيءٌ، وإنَّما يُمدَحُ بصِفاتِه ويُثنى بها عليه؛ ولذلك قد بان بما وصَفْنا من شَرحِ أسمائِه أنَّها كُلَّها صفاتٌ له وثناءٌ عليه، وليس منها اسمٌ موضوعٌ للفَصلِ بمنزلةِ الأسماءِ الأعلامِ -التي قدَّمْنا ذِكْرَها- والمُضْمَراتِ والمُبهَماتِ والمُضافات؛ لأنَّه عن ذلك عزَّ وجَلَّ مُستَغْنٍ)) [312] ينظر: ((اشتقاق أسماء الله)) للزجاجي (ص: 275). .
وقال في شَرحِ اسمِ اللهِ "البصير": ((... هو مُبْصِرٌ للأشياءِ المُبصَراتِ مُدْرِكٌ لها، كما قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ، فإدراكُ المرئيَّاتِ وإبصارُها سَواءٌ [313] ينظر: ((اشتقاق أسماء الله)) للزجاجي (ص: 67). .
وفي شَرحِ اسمِ اللهِ "العليم": ((وقد يأتي عليمٌ على تأويلٍ آخَرَ يُفارِقُ فيه «عَلِم»، وهو أن يرادَ بعَليمٍ مَدْحُ الذَّاتِ بالعِلْمِ فيرادُ به أنَّ ذاتَه عالِمةٌ لا يجوزُ عليه الجَهْلُ، فيصيرُ مِن بابِ ظريفٍ وشريفٍ وكريمٍ، ... مِن مَدْحِ الذَّاتِ بالعِلْمِ وأنَّها مخالِفةٌ لذاتِ ما يَجهَلُ أو يجوزُ عليه الجَهْلُ، لا أنَّه يرادُ به إيقاعُ الفِعْلِ)) [314] ينظر: ((اشتقاق أسماء الله)) للزجاجي (ص: 51). .
إلَّا أنه جَانَبَ الصَّوابَ في تفسيرِ بعضِ الصِّفَاتِ؛ فقال في اسمِ اللهِ "القَريب": (وكلُّ هذا يُرادُ به -واللهُ أعلمُ- إحاطةُ عِلمِه بكلِّ شيءٍ، وكونُ كلِّ شَيءٍ تحْتَ قُدرتِه وسُلطانِه وحُكمِه وتَصرُّفِه، ولا يُرادُ بذلك قُربُ المكانِ والحُلولُ في بعضِه دونَ بعضٍ، جَلَّ اللهُ وتعالى عما يقولُ الظَّالِمون عُلُوًّا كَبيرًا) [315] ينظر: ((اشتقاق أسماء الله)) للزجاجي (ص: 147). . فنَفى عنه سُبحانه عُلُوَّه، وأنَّه في السَّماءِ فوْقَ عَرشِه.
مُصَنَّفَاتُه:
 مِن مُصَنَّفَاتِه: كتابُ: ((الجُمَل الكبرى))، وكتاب: ((اشتقاق أسماء الله))، وكتاب: ((الإيضاح في عِلَل النَّحْو))، وكتاب: ((الزَّاهر))، وكتاب: ((شَرْح الألِفِ واللَّامِ للمازني)).
وَفَاتُه:
تُوفِّي سَنةَ أربعينَ وثلاثِ مِائة، وقيل: سنة سبعٍ وثلاثين وثلاثِ مائة [316] يُنظَر: ((طبقات النحويين واللغويين)) لمحمد بن الحسن الزُّبَيدي (ص: 119)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقفطي (2/ 160)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (15/ 475)، ((سلم الوصول إلى طبقات الفحول)) لحاجي خليفة (2/ 251). .

انظر أيضا: