موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ الخامِسُ: مَذاهِبُ العَربِ في تَعْريبِ الاسمِ الأعْجَميِّ (تَغْييراتُ المُعرَّبِ)


سَبَقَ أن عَرَّفْنا المُعرَّبَ بأنَّه الاسمُ الأعْجَميُّ الَّذي دَخَلَ اللُّغةَ العَربيَّةَ سَواءٌ أصَقَلَتْه العَربُ على أوْزانِها أم لا، فلِلعَربِ مَذاهِبُ في التَّعْريبِ مِن حيثُ التَّغْييرُ أو عَدَمُه، ثُمَّ إنَّ لهم في التَّغْييرِ أُسُسًا وقَواعِدَ؛ ومِن ثَمَّ يَنْقسِمُ التَّعْريبُ قِسْمَينِ:
1- التَّعْريبُ دونَ تَغْييرٍ.
2- التَّعْريبُ معَ التَّغْييرِ، وله صُوَرٌ؛ هي:
أ- إبْدالُ حَرْفٍ مِن حَرْفٍ.
ب- زيادةُ حَرْفٍ.
ج- نُقْصانُ حَرْفٍ.
د- إبْدالُ حَرَكةٍ بحَرَكةٍ.
ه- إسْكانُ مُتحَرِّكٍ.
و- تَحْريكُ ساكِنٍ.
ز- تَغْييرُ البِناءِ إلى بِناءٍ عَربيٍّ [108] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 94). .
وهذا الاجْتِراءُ مِنهم على تَغْييرِ الاسمِ المُعرَّبِ إنَّما يَرجِعُ إلى أنَّه ليس مِن كَلامِهم؛ قالَ الجَواليقيُّ: (وإذا حُكِيَ لك في الأعْجَميَّةِ خِلافُ ما العَلامةُ عليه، فلا تَرَيَنَّه تَخْليطًا؛ فإنَّ العَربَ تُخَلِّطُ فيه، وتَتَكلَّمُ به مُخلَّطًا؛ لأنَّه ليس مِن كَلامِهم ... وكانَ الفَرَّاءُ يَقولُ: يُبْنى الاسمُ الفارِسيُّ أيَّ بِناءٍ كانَ، إذا لم يَخرُجْ عن أبْنِيةِ العَربِ) [109] ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 99). .
القِسْمُ الأوَّلُ: التَّعْريبُ دونَ تَغْييرٍ
وهذا النَّوْعُ قَليلٌ، والأكْثَرُ ما وَقَعَ فيه التَّغْييرُ؛ مِثلُ: بَخْت، وهو الحَظُّ، وخُراسانَ [110] يُنظر: ((المُعرَّب)) للجواليقي (ص: 98)، ((التَّعْريب في القديم والحديث)) لمحمد حسن عبد العزيز (ص: 64). .
القِسْمُ الثَّاني: التَّعْريبُ معَ التَّغْييرِ
أوَّلًا: إبْدالُ الحُروفِ
أ- إبْدالٌ غيْرُ لازِمٍ:
وهو أن يُبْدِلوا حَرْفًا عَربيًّا في الكَلِمةِ بحَرْفٍ آخَرَ عَربيٍّ، وقدْ أشارَ سيبَوَيْهِ إلى هذا الإبْدالِ فقالَ: (فأبْدَلوا مَكانَ الحَرْفِ الَّذي هو لِلعَربِ عَربيًّا غيْرَه) [111] ((الكتاب)) لسيبَوَيْهِ (4/ 304). ، ومِن أمْثِلةِ ذلك:
أبْدَلوا الهَمْزةَ عَيْنًا في مِثلِ: عُرْبونٍ [112] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 456). وعُمْروسٍ [113] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 457). .
أبْدَلوا التَّاءَ طاءً في مِثلِ: طاجَن وطابَق [114] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 435). .
أبْدَلوا الخاءَ حاءً في مِثلِ: حُبٍّ [115] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 267). .
أبْدَلوا السِّينَ صادًا في مِثلِ: صَنْجة [116] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 425). وصابون [117] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 427). .
أبْدَلوا الكافَ قافًا في مِثلِ: قَيْرَوان [118] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 493). وقُسْطار [119] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 504). .
أبْدَلوا الألِفَ والواوَ والياءَ هَمْزةً في مِثلِ: نأرجيل، وجُؤْذَر [120] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 246). ، ونِئْفِق [121] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 608). .
أبْدَلوا الشِّينَ سينًا في مِثلِ: إسْماعيلَ [122] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 105). ودَسْت [123] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 288). [124] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 66). .
ب- إبْدالٌ لازِمٌ:
قد يَتَكوَّنُ الدَّخيلُ مِن حُروفٍ لا توجَدُ في العَربيَّةِ، وهنا يكونُ إبْدالُ هذه الحُروفِ أحْرُفًا عَربيَّةً إبْدالًا لازِمًا؛ وذلك حتَّى لا يُدخِلوا في كَلامِهم ما ليس مِن حُروفِهم، وقدْ يُحوِّلون الحَرْفَ إلى حَرْفٍ قَريبٍ مِنه في المَخرَجِ، ورُبَّما حَوَّلوه إلى ما بَعُدَ مَخرَجُه [125] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 94). ، ومِن تلك الحُروفِ:
الباءُ الأعْجَميَّةُ: وهي الَّتي يُرمَزُ لها في الكِتابةِ الصَّوْتيَّةِ الدَّوْليَّةِ بـ(p)، وتُكتَبُ بالفارِسيَّةِ بثَلاثِ نُقَطٍ (پ)، وهي مِن النَّاحيةِ الصَّوْتيَّةِ الباءُ المَهْموسةُ، وقدْ سمَّاها سيبَوَيْهِ [126] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبَوَيْهِ (4/ 306). وابنُ دُرَيْدٍ [127] يُنظر: ((الجمهرة)) لابن دُرَيْدٍ (1/ 41، 42). (الحَرْفَ الَّذي بيْنَ الباءِ والفاءِ)، وتلك الباءُ يُبدِلُها العَربُ فاءً؛ مِثلُ: الفِرِنْد والفُنْدق [128] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 468، 469). ، وقدْ يُبدِلونها باءً؛ كما قالوا في الفِرِنْد: البِرِنْد [129] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبَوَيْهِ (4/ 306)، ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 473، 474). .
الجيمُ الأعْجَميَّةُ: وهي الَّتي تُوجَدُ في الفارِسيَّةِ وتُكتَبُ جيمًا بثَلاثِ نُقَطٍ (چ)، وهي مِن النَّاحيةِ الصَّوْتيَّةِ الجيمُ المَهْموسةُ، يُبْدِلونَها صادًا في الغالِبِ؛ مِثلُ: صَنْج، وهي آلةٌ ذاتُ أوْتارٍ، وأصْلُها: چـنگ [130] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 424، 425)، ((الألْفاظ الفارِسيَّة المعربة)) لأَدِّي شِير (ص: 108). ، وصارُوج، وهو أحْجارُ الكِلْسِ، أصْلُها: چـاروك [131] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 421). ، وقدْ يُبْدِلونها شينًا؛ مِثلُ: شَوذَر وهو الإزارُ، وأصْلُها: چـادِر [132] يُنظر: ((لسان العَرب)) لابن منظور (4/ 400). .
الزَّايُ الأعْجَميَّةُ: ولا تُوجَدُ إلَّا في الفارِسيَّةِ، وتُكتَبُ زايًا بثَلاثِ نُقَطٍ (ژ)، وهي مِن النَّاحيةِ الصَّوْتيَّةِ الشِّينُ المَجْهورةُ، وهم يُبْدِلونَها زايًا عنْدَ التَّعْريبِ؛ مِثلُ: زون، وهو الصَّنَمُ، أصْلُها: ژون [133] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 340،341). .
الكافُ الأعْجَميَّةُ: وتُوجَدُ في جَميعِ اللُّغاتِ الَّتي أخَذَ مِنها العَربُ، وتُكتَبُ بالفارِسيَّةِ (گ)، ويُرمَزُ لها في الكِتابةِ الصَّوْتيَّةِ الدَّوْليَّةِ (g)، وهي مِن النَّاحيةِ الصَّوْتيَّةِ الكافُ المَجْهورةُ، ويُسمِّيها سيبَوَيْهِ: (الحَرْفَ الَّذي بيْنَ الكافِ والجيمِ) [134] ((الكتاب)) لسيبَوَيْهِ (4/ 305). ، ويُبْدِلونَها عنْدَ التَّعْريبِ جيمًا أو قافًا، ورُبَّما عَرَّبوا الكَلِمةَ بالحَرْفَينِ معًا؛ مِثلُ: قُرْبُز وجُرْبُز، وهو الرَّجُلُ الخَبيثُ، أصْلُهما: گربز [135] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 235)، ((لسان العَرب)) لابن منظور (5/ 318)، ((الألْفاظ الفارِسيَّة المعربة)) لأَدِّي شِير (ص: 39). ، وإبْدالُها جيمًا أكْثَرُ، مِثلُ: جُؤْذَر [136] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 246)، ((المُعجَم المفصل في المعرب والدَّخيل)) لسعدي ضناوي (ص: 167). .
وقدْ يُبْدِلونَها كافًا؛ مِثلُ: كَرْد، وهو العُنُقُ، أصْلُها: گردن [137] يُنظر: ((جمهرة اللُّغة)) لابن دُرَيْدٍ (2/ 638)، ((قصد السبيل فيما في اللُّغة العَربيَّة من الدَّخيل)) لمحمد الأمين المحبي (ص: 390). ، أو يُبْدِلونَها غَيْنًا كما في: غِرْبال وأصْلُها: گربال [138] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 68 – 70). .
هاءُ السَّكْتِ المُتَطرِّفةُ: تلك الَّتي يُسمِّيها سيبَوَيْهِ: (الحَرْفَ الَّذي لا يَثبُتُ في كَلامِهم إذا وَصَلوا) [139] ((الكتاب)) لسيبَوَيْهِ (4/ 305). ، وتُسمَّى تلك الهاءُ في الفارِسيَّةِ بالهاءِ الرَّسْميَّةِ؛ إذ تُرسَمُ (تُكتَبُ) ولا تُنطَقُ، وتلك الهاءُ يُبدِلُها العَربُ في التَّعْريبِ جيمًا؛ مِثلُ: كَوْسَه ومَوْزَه، يَقولونَ في تَعْريبِها: كَوْسَج، وهو ناقِصُ الأسْنانِ [140] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 540، 541). ، ومَوْزَج، وهو الخُفُّ [141] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 575). ، أو قافًا؛ مِثلُ: جَوْسَه وباشه، يَقولونَ في تَعْريبِها: جَوْسَقٌ، وهو القَصْرُ [142] يُنظر: ((الألْفاظ الفارِسيَّة المعربة)) لأَدِّي شِير (ص: 48). ، وباشِقٌ، وهو الصَّقْرُ [143] يُنظر: ((لسان العَرب)) لابن منظور (10/ 21)، ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص: 868)، ((الألْفاظ الفارِسيَّة المعربة)) لأَدِّي شِير (ص: 16). .
وإذا كانَ قبْلَ الهاءِ تاءٌ قُلِبَتِ التَّاءُ دالًا، وقُلِبَتِ الهاءُ قافًا؛ مِثلُ: بوته، قالوا في تَعْريبِها: بَوْدَقةٌ [144] يُنظر: ((قصد السبيل)) لمحمد الأمين المحبي (ص: 309)، ((الألْفاظ الفارِسيَّة المعربة)) لأَدِّي شِير (ص: 30). [145] يُنظر: ((التقريب لأصول التَّعْريب)) للشيخ طاهر الجزائري (ص: 8، 9، 12 – 15)، ((التَّعْريب في القديم والحديث)) لمحمد حسن عبد العزيز (ص: 67). .
ثانيًا: إبْدالُ الحَرَكاتِ
يُبدِلُ العَربُ الحَرَكاتِ بعضَها مِن بعضٍ، وقدْ تكونُ الحَرَكاتُ مَوْجودةً في لُغتِهم، وهنا يكونُ الإبْدالُ غيْرَ لازِمٍ، وقدْ تكونُ الحَرَكاتُ غيْرَ مَوْجودةٍ في لُغتِهم، وهنا يكونُ الإبْدالُ لازِمًا.
الحَرَكاتُ الَّتي لا تُوجَدُ في العَربيَّةِ (الإبْدالُ لازِمٌ):
1- الحَرَكةُ الأماميَّةُ الوُسْطى، ويُرمَزُ لها في الكِتابةِ الدَّوْليَّةِ بحَرْفِ (e)، وهي كالإمالةِ، وتُبدِلُها العَربُ في التَّعْريبِ ياء؛ مِثلُ: ديباجٍ مِن depak، ورُبَّما أبْدَلوها فَتْحةً متبوعة بياء كما في ديماس، وتُنطَقُ بكَسْرِ الدَّالِ وفَتْحِها.
2- الحَرَكةُ الخَلْفيَّةُ الوُسْطى، ويُرمَزُ لها في الكِتابةِ الصَّوْتيَّةِ الدَّوْليَّةِ بحَرْفِ (o)، وتُسمَّى الضَّمَّةَ غيْرَ المُشْبَعةِ أو الضَّمَّةَ المُمالةَ، وفي التَّعْريبِ يُبدِلُها العَربُ فَتْحة متبوعة بواو؛ كما في جَوْهَر مِن gohar، وجَوْرَب مِن gorab.
3- الكَسْرةُ معَ تَدْويرِ الشَّفتَينِ، ويُرمَزُ لها في الكِتابةِ الصَّوْتيَّةِ الدَّوْليَّةِ بحَرْفِ (y)، وهي مِن حَرَكاتِ اللُّغةِ اليونانيَّةِ، وفي التَّعْريبِ يُبدِلونَها كَسْرةً خالِصةً أو ضَمَّةً خالِصةً؛ ففي أنْقِرةَ أبْدَلوها كَسْرةً خالِصةً، وأصْلُها: .
ولَفْظُ قِبْطيٍّ عَرَّبوه بالضَّمِّ والكَسْرِ معًا؛ جاءَ في التَّهْذيبِ: (فالإنْسانُ قِبْطيٌّ، والثَّوْبُ قُبْطيٌّ) [146] ((تهذيب اللُّغة)) للأزهري (9/ 33). [147] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 70، 71). .
وقدْ مَثَّلَ سيبَوَيْهِ [148] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبَوَيْهِ (4/ 306). للحَرَكةِ الَّتي تُبدَلُ بكَلِمةِ (زُور) بالضَّمَّةِ، وهي القُوَّةُ، مُعرَّبةٌ مِن (زور) بضَمَّةٍ مَشوبةٍ بالفَتْحةِ، وهنا يكونُ الإبْدالُ لازِمًا؛ لأنَّ الضَّمَّةَ المَشوبةَ بالفَتْحةِ غيْرُ مَوْجودةٍ في لُغةِ العَربِ [149] يُنظر: ((التقريب لأصول التَّعْريب)) للشيخ طاهر الجزائري (ص: 4). .
الحَرَكاتُ المَوْجودةُ في العَربيَّةِ (الإبْدالُ غيْرُ لازِمٍ):
مِن أمْثِلةِ إبْدالِ العَربِ الحَرَكاتِ بعضَها مِن بعضٍ كَلِمةُ (سَوْسَن)، وهو نَبْتٌ، وهي في الفارِسيَّةِ مَضْمومةُ السِّينِ [150] يُنظر: ((درة الغواص)) للحريري (ص: 150، 151). ، وكَلِمةُ (شِطْرَنْج)، وهي في الفارِسيَّةِ مَفْتوحةُ الشِّينِ [151] يُنظر: ((درة الغواص)) للحريري (ص: 156). ، وكَلِمةُ (دُسْتور)، وهي في الأصْلِ مَفْتوحةُ الدَّالِ [152] يُنظر: ((درة الغواص)) للحريري (ص: 120). ، وهذا الإبْدالُ غيْرُ لازِمٍ لوُجودِ هذه الحَرَكاتِ في العَربيَّةِ [153] يُنظر: ((التَّعْريب في القديم والحديث)) لمحمد حسن عبد العزيز (ص: 65). ، والسَّبَبُ في تَغْييرِ الحَرَكاتِ أنَّهم أرادوا إلْحاقَها بأبْنِيةِ العَربِ.
ثالِثًا: تَغْييرُ بِناءِ الكَلِمةِ:
أشارَ إلى ذلك التَّغْييرِ سيبَوَيْهِ بقولِه: (لمَّا أرادوا أن يُعَرِّبوه ألْحَقوه ببِناءِ كَلامِهم كما يُلْحِقونَ الحُروفَ بالحُروفِ العَربيَّةِ) [154] ((الكتاب)) لسيبَوَيْهِ (4/ 304). ؛ فقدْ غيَّرَ العَربُ في تَعْريبِهم الأبْنِيةَ الَّتي لا تُوافِقُ الأبْنِيةَ العَربيَّةَ، واسْتَبْدَلوا بها أبْنِيةً عَربيَّةً، وذلك عن طَريقِ:
إبْدالِ حَرَكةٍ بحَرَكةٍ:
هِنْداز، وهِنْدام، وأصْلُه: هَنْداز، بالفَتْحِ؛ فقدْ كَسَروا أوَّلَه؛ لأنَّ بِناءَ فَعْلال نادِرٌ في غيْرِ المُضاعَفِ [155] يُنظر: ((تهذيب اللُّغة)) للأزهري (ص: 524). .
فُنْدُق: ضَمُّوا أوَّله؛ كي يُلْحِقوه بـ(فُعْلُل)، وأصْلُه: فَنْدُق.
زِيادةِ حَرْفٍ:
ومِنه تَشْديدُ الأسْماءِ الثُّنائيَّةِ لتَلحَقَ بالثُّلاثيِّ؛ مِثلُ: مِسٍّ، وهو النُّحاسُ؛ قالَ الجَواليقيُّ: (هو فارِسيٌّ، وأصْلُه: مِسْ؛ شُدِّدَتِ السِّينُ عنْدَ التَّعْريبِ لإلْحاقِه بالثُّلاثيِّ) [156] ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 595). ، وبَمٌّ، وهو أحَدُ أوْتارِ العُودِ الَّذي يُضرَبُ به، وأصْلُه: بَمْ [157] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 195). .
وزادوا حَرْفًا في (هاوُن) فصَيَّروه: هاوُون، وهو الَّذي يُدَقُّ فيه؛ وذلك ليَلحَقَ ببِناءِ (فاعول)؛ قالَ الجَواليقيُّ: (والهاوُونُ: أعْجَميٌّ مُعرَّبٌ، مِثلُ فاعول، ولا تَقُلْ: هاوُن؛ لأنَّه ليس في الكَلامِ اسمٌ على فاعُلٍ مَوضِعُ العَيْنِ مِنه واوٌ) [158] ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 630). .
حَذْفِ حَرْفٍ:
مِثلُ: سابور، أصْلُه: شَاه بور، وهو اسمُ عِدَّةِ مُلوكٍ مِن بَني ساسانَ [159] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 386). ، حَذَفوا الهاءَ وألْحَقوه بـ(فاعول)، وبُسْتان، وهو الحَديقةُ، أصْلُه: بوستان [160] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 166). .
تَحْريكِ السَّاكِنِ:
مِثلُ: زَرَجون، وهو الخَمْرُ [161] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 338). ، أصْلُه: زَرْكون بسُكونِ الزَّايِ، حَرَّكوها كحَلَزون؛ لتَلحَقَ بـ(فَعَلول).
تَسْكينِ المُتَحرِّكِ:
مِثلُ: ألْماس، أصْلُه: من الإغريقية admas أدَماس، سَكَّنوا اللام المنقلبة عن الدَّالَ، ليُلحِقوه بـ(أفْعال) [162] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 70، 71). .
رابِعًا: التَّغْييرُ بالزِّيادةِ والحَذْفِ
1- التَّغْييرُ بالزِّيادةِ:
وقدْ تكونُ الزِّيادةُ:
زِيادةَ مَقْطعٍ (صامِت + حَرَكة): مِثلُ: أرنْدج، أصْلُه الفارِسيُّ: رَنْدَه، وهو جِلْدٌ أسْوَدُ، زادوا الهَمْزةَ، وأبْدَلوا الهاءَ جيمًا.
وقدْ تكونُ الزِّيادةُ تَضْعيفَ حَرْفٍ؛ مِثلُ: مِسٌّ، وهو النُّحاسُ، أصْلُه: مِسْ.
وقدْ تكونُ الزِّيادةُ في وَسَطِ الكَلِمةِ؛ مِثلُ زِيادةِ اللَّامِ في (صَوْلَجان)، وهو عَصا المَلِكِ، وأصْلُه: جَوْكان.
وقدْ تكونُ الزِّيادةُ في آخِرِ الكَلِمةِ؛ مِثلُ: صاروج، وهو أحْجارُ الكِلْسِ، وأصْلُه الفارِسيُّ: چارو، أُبدِلَتِ الجيمُ الفارِسيَّةُ صادًا، وزادوا في آخِرِها جيمًا [163] يُنظر: ((التقريب لأصول التَّعْريب)) للشيخ طاهر الجزائري (ص: 45)، ((التَّعْريب في القديم والحديث)) لمحمد حسن عبد العزيز (ص: 65، 66). .
2- التَّغْييرُ بالحَذْفِ:
قد يكونُ الحَذْفُ في أوَّلِ الكَلِمةِ؛ مِثلُ: بَهْرَج، أصْلُه الفارِسيُّ: نَبَهْره، بمَعْنى الباطِلِ [164] يُنظر: ((لسان العَرب)) لابن منظور (2/ 217). .
وقدْ يكونُ في وَسَطِ الكَلِمةِ؛ مِثلُ: (سابور)، وأصْلُه الفارِسيُّ: شاه بور، وهو اسمُ عَظيمٍ مِن عُظَماءِ الفُرْسِ [165] يُنظر: ((لسان العَرب)) لابن منظور (1/ 717). .
وقدْ يكونُ في آخِرِ الكَلِمةِ؛ مِثلُ: (فِهْرِس)، وهو الكِتابُ الَّذي تُجمَعُ فيه الكُتُبُ، حَذَفوا التَّاءَ مِن (فِهْرِسْت) [166] يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (16/ 349). ، ومِثلُ: بَريد، وأصْلُه الفارِسيُّ: بريده دم، و(بريده) يَعْني المَقْطوع، و(دُم) يَعْني الذَّنَب، وكانَت بِغالُ البَريدِ مَقْطوعةَ الذَّنَبِ، فحَذَفَ العَربُ في التَّعْريبِ الشَّطْرَ الثَّانيَ، وقالوا: بَريدٌ [167] يُنظر: ((لسان العَرب)) لابن منظور (3/ 86)، ((التقريب لأصول التَّعْريب)) للشيخ طاهر الجزائري (ص: 47). .
وقدْ يَحذِفُ العَربُ في التَّعْريبِ:
الألِفَ والنُّونَ: إذ تَوَهَّموا زِيادةَ الألِفِ والنُّونِ، في مِثلِ: دَيْدَبان -وهو حِمارُ الوَحْشِ-، وبَهْرَمان -وهو العُصْفُرُ- فقالوا في تَعْريبِهما: دَيْدَب [168] يُنظر: ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص: 83). ، وبَهْرم [169] يُنظر: ((لسان العَرب)) لابن منظور (12/ 60). .
الواوَ والنُّونَ: فقدْ تَوَهَّموا زِيادةَ الواوِ والنُّونِ للجَمْعِ في مِثلِ: أرتمون بمَعْنى الشِّراعِ، وهو تَعْريبٌ لـ (أرْدَمون) جَمْعُ الأرْدَم، وهو المَلَّاحُ [170] يُنظر: ((لسان العَرب)) لابن منظور (12/ 236). .
ويُشبِهُ ذلك قَوْلُهم في سِرْجِين -وهو ما تُدمَلُ به الأرْضُ [171] يُنظر: ((لسان العَرب)) لابن منظور (13/ 208). -: سِرْجُون، وفي فِلَسْطين: فِلَسْطون [172] يُنظر: ((لسان العَرب)) لابن منظور (7/ 372). ؛ ظَنًّا مِنهم أنَّ الياءَ والنُّونَ للجَمْعِ، وفَعَلوا عَكْسَ ذلك في مَنْجَنون -وهو البَكَرةُ- وأصْلُه: مَنْكَنون؛ إذ ظَنُّوا أنَّ الواوَ والنُّونَ للجَمْعِ، فقالوا: مَنْجَنين [173] يُنظر: ((لسان العَرب)) لابن منظور (13/ 423، 424). .
الألفَ واللَّامَ: حيثُ تَبدَأُ بعضُ الكَلِماتِ الدَّخيلةِ بالألِفِ واللَّامِ، فاعْتَبَرَهما العَربُ أداةَ التَّعْريفِ، فحَذَفوهما عنْدَ التَّعْريبِ؛ مِثلُ: كَلِمةِ: (الماس) وهي كَلِمةٌ يونانيَّةٌ، عَرَّبوها فقالوا: (ماس)؛ قالَ الفَيْروزاباديُّ: (ولا تَقُلْ: ألْماسُ؛ فإِنه لَحْنٌ) [174] ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص: 576). ، وقالَ ابنُ الأثيرِ: (وأظُنُّ الهَمْزةَ واللَّامَ فيه أصْلِيَّتَينِ، مِثلَهما في: إلْياس) [175] ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (4/ 289). .
ومِن ذلك أيضًا: كَلِمةُ إسْكَنْدَر، وأصْلُه: ألَكْسَنْدَر باليونانيَّةِ، وَقَعَ فيه قَلْبٌ مَكانيٌّ ثُمَّ اعْتَبَروا "أل" أداةَ التَّعْريفِ فحَذَفوا، ثُمَّ اجْتُلِبَتِ الهَمْزةُ؛ لأنَّه لا يُبْتَدَأُ بساكِنٍ في العَربيَّةِ، فقالوا: إسْكَنْدَر [176] يُنظر: ((لسان العَرب)) لابن منظور (4/ 376). .
حَذْفُ الباءِ: حيثُ تَوَهَّمَ العَربُ زِيادةَ الباءِ في بعضِ الكَلِماتِ الدَّخيلةِ ظَنًّا مِنهم أنَّها للجَرِّ؛ مِثلُ: كَلِمةِ بِيمَارِسْتان (المُسْتَشْفى)، عَرَّبوها فقالوا: مارِسْتان [177] يُنظر: ((المُعجَم المفصل في المعرب والدَّخيل)) لسعدي ضناوي (ص: 119). ، ومِن هذا القَبيلِ كَلِمةُ: بِطاقة، لم يَحذِفوا الباءَ، لكنِ اعْتَبَرَها بعضُهم باءَ الجَرِّ؛ جاءَ في التَّهْذيبِ: (البِطاقةُ رُقْعةٌ صَغيرةٌ، وهي كَلِمةٌ مُبْتذَلةٌ بِمِصْرَ وما والاها، يَدْعون الرُّقْعةَ الَّتي تكونُ في الثَّوْبِ وفيها رَقْمُ ثَمنِه بِطاقةً، وكأنَّها سُمِّيَتْ بِطاقةً؛ لأنَّها تُشَدُّ بِطاقةٍ مِن الثَّوْبِ) [178] ((تهذيب اللُّغة)) للأزهري (9/ 33). ، وأصْلُ الكَلِمةِ يونانيٌّ (pittàkion)، ومَعْناه الرُّقْعةُ والرِّسالةُ [179] يُنظر: ((اصطلاحات يونانية)) لبندلي جوزي (ص: 241). .
حَذْفُ "أبو": حيثُ يَتَوهَّمونَ زِيادةَ كَلِمةِ "أبو"، فيَحذِفونَها، مِثلُ: أبو قَلَمون، وهو نَوْعٌ مِن الثِّيابِ يَتَلوَّنُ ألْوانًا، وأصْلُه يونانيٌّ (هبوكلمون) [180] يُنظر: ((تكملة المعاجم العَربيَّة)) لدوزي (1/ 76). ، عُرِّبَ فقالوا: أبو قَلَمون، فظَنُّوا أنَّ الجُزْءَ الأوَّلَ مُضافٌ إلى الجُزْءِ الثَّاني، ورُبَّما حَذَفوا الجُزْءَ الأوَّلَ فقالوا: قَلَمون فقط [181] يُنظر: ((تهذيب اللُّغة)) للأزهري (9/ 312)، ((لسان العَرب)) لابن منظور (12/ 491). .
حَذْفُ شَطْرِ الكَلِمةِ: حَذَفوا شَطْرًا مِن بعضِ الكَلِماتِ الدَّخيلةِ تَخْفيفًا، مِثلُ: النَّشَاسْتَج: قالوا في تَعْريبِه: نَشَا [182] يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (6/ 2510). ، والنَّرْدَشِير، قالوا في تَعْريبِه: نَرْد [183] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 605)، ((لسان العَرب)) لابن منظور (3/ 421)، ((التقريب لأصول التَّعْريب)) للشيخ طاهر الجزائري (ص: 25). ، وجاءَ بتَمامِه في حَديثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((مَن لَعِبَ بالنَّرْدَشِيرِ فكأنَّما صَبَغ يَدَه في لَحمِ خِنزيرٍ ودَمِه )) [184] أخرجه مسلم (2260) من حديثِ بُرَيدةَ بنِ الحُصَيبِ الأسلَميِّ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وحَذَفوا الشَّطْرَ الثَّاني مِن أَرِسْطُوطالِيسَ، فقالوا في تَعْريبِه: أَرِسْطُو.
وثَمَّةَ مِثالٌ طَريفٌ على ذلك، وهو الأُدْرَةُ، والقَيْلَةُ، وهما بمَعنًى واحِدٍ في المَعاجِمِ، وهو انْتِفاخُ الخُصْيةِ؛ قالَ ابنُ مَنْظورٍ: (ورَجُلٌ آدَرُ: بَيِّنُ الأَدَرةِ، بفَتْحِ الهَمْزةِ والدَّالِ، وهيَ الَّتي تُسَمِّيها النَّاسُ القَيْلةَ) [185] ((لسان العَرب)) لابن منظور (4/ 15). ، وأصْلُ الكَلِمتَينِ واحِدٌ، وهما مِن اليونانيَّةِ: (هدوركيله)؛ فالشَّطْرُ الأوَّلُ (هدور) يَعْني الماءَ، والثَّاني (كيله) أي: الخُصْيةُ، ومَعْناه: وَرَمٌ في الخُصْيةِ بسَبَبِ نُزولِ الماءِ فيها، فتُكوَّنُ مِن الكَلِمةِ الواحِدةِ كَلِمتانِ، ولم يُشِرْ إلى عُجْمتِه أحَدٌ مِن اللُّغَويِّينَ [186] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 75 – 80). .
خامِسًا: التَّغْييرُ لإزالةِ الْتِقاءِ السَّاكِنَينِ
الْتِقاءُ السَّاكِنَينِ غيْرُ جائِزٍ في العَربيَّةِ، وجائِزٌ في غيْرِها مِن اللُّغاتِ؛ ومِن ثَمَّ فإذا الْتَقى ساكِنانِ في الدَّخيلِ، فإنَّ العَربَ -المُتَقدِّمينَ مِنهم- في التَّعْريبِ يُزيلونَ هذا الالْتِقاءِ إمَّا بحَذْفِ أحَدِ السَّاكِنَينِ أو بتَحْريكِه.
ومِن الحَذْفِ:
بُوسْتان، قالوا في تَعْريبِه: بُسْتان [187] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 166). ، ورُوسْتاق -وهو السَّوادُ والقُرى- قالوا في تَعْريبِه: رُسْتاق [188] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 325). .
ومِن التَّحْريكِ:
(نارَجيل) وهو الجَوْزُ الهِنْديُّ، أصْلُه بسُكونِ الرَّاءِ، ففَتَحوها لالْتِقاءِ السَّاكِنَينِ، و(زِنْفيلَجة) وهو وِعاءُ أدَواتِ الرَّاعي، أصْلُها: زِنْبيلْجة، فَتَحوا اللَّامَ لالْتِقاءِ السَّاكِنَينِ.
وقدْ تَرَكَ العَربُ المُتأخِّرونَ كَلِماتٍ على حالِها، ولم يُزيلوا الْتِقاءَ السَّاكِنَينِ فيها؛ مِثلُ: (البارْجاه)، وهو مَوضِعُ انْتِظارِ الإذْنِ لدُخولِ السُّلْطانِ [189] يُنظر: ((المُعجَم المفصل في المعرب والدَّخيل)) لسعدي ضناوي (ص: 61). ، و(الشَّاهْدانِج)، وهو بِزْرُ القِنَّبِ [190] يُنظر: ((المُعجَم المفصل في المعرب والدَّخيل)) لسعدي ضناوي (ص: 300). [191] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 80، 81). .
سادِسًا: التَّغْييرُ لإزالةِ البَدْءِ بالسُّكونِ
لا يُبْتدَأُ بساكِنٍ في اللُّغةِ العَربيَّةِ، وهذا جائِزٌ في كَثيرٍ مِن اللُّغاتِ؛ لِذا فإنَّ العَربَ في التَّعْريبِ يُزيلونَ سُكونَ الحَرْفِ الأوَّلِ مِن الدَّخيلِ؛ إمَّا بزِيادةِ هَمْزةٍ مُتَحرِّكةٍ في أوَّلِه، وإمَّا بتَحْريكِ السَّاكِنِ.
فمِن زِيادةِ الهَمْزةِ المُتَحرِّكةِ:
كَلِمةُ (أُسْطول)، وأصْلُها يونانيٌّ (Stolos) [192] يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (29/ 199)، ((المُعجَم الوسيط)) الصادر عن مجمع اللُّغة العَربيَّة (1/ 17)، ((اصطلاحات يونانية)) لبندلي جوزي (ص: 340). ، وكَلِمةُ (اخْوان)، أصْلُها فارِسيٌّ: (خْوان).
ومِن تَحْريكِ السَّاكِنِ: كَلِمةُ خِوان، أصْلُها الفارِسيُّ: خْوان [193] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 81). .
سابِعًا: التَّغْييرُ بسَبَبِ القَلْبِ المَكانيِّ
القَلْبُ المَكانيُّ هو تَغْييرُ تَرْتيبِ حُروفِ الكَلِمة، ومِن أمْثِلةِ ذلك في التَّعْريبِ:
دِمَقْس، وهو مَقْلوبُ مِن مِدَقْس حسَبَ أصْلِه اليونانيِّ (مِتكسا)، وهو الدِّيباجُ أو الحَريرُ، وفيه لُغةٌ أُخرى، وهي دِقَمْس، وهي أيضًا مَقْلوبةٌ [194] يُنظر: ((التهذيب)) للأزهري (9/ 292)، ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 311). .
فالُوذ، لُغةٌ في فولاذٍ [195] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 480). .
رَطْلٌ، أصْلُها: لطر، حسَبَ الأصْلِ اليونانيِّ، ومِنه litre بالفَرَنسيَّةِ وغيْرِها مِن اللُّغاتِ [196] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 83). .
ثامِنًا: التَّغْييرُ بسَبَبِ الإدْغامِ
مِثلُ كَلِمة (زِنْبِيل)، وهو القُفَّةُ، قالوا فيه: زَبِّيلٌ [197] يُنظر: ((المُعجَم المفصل في المعرب والدَّخيل)) لسعدي ضناوي (ص: 249). ، بإدْغامِ النُّونِ في الباءِ.
وكَلِمةُ (تُنْبان)، وهو سَراويلُ صَغيرٌ مِقْدارَ شِبْرٍ يَستُرُ العَوْرةَ، قالوا فيه: تُبَّان، وأصْلُه مِن الفارِسيَّةِ: تُن، أي: جِسْم، وبان، أي: حارِس [198] يُنظر: ((المُعجَم المفصل في المعرب والدَّخيل)) لسعدي ضناوي (ص: 249). [199] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 84). .
تَنْبيهاتٌ:
- كَثيرًا ما يَتَنوَّعُ التَّغْييرُ في الكَلِمةِ الواحِدةِ؛ مِثلُ: كَلِمةِ (سُدَّر) وهي لُعبةٌ للصِّبْيانِ، فإنَّها مُعرَّبةٌ مِن (سه در)، أُبدِلَتْ فيها فَتْحةُ السِّينِ المُمالةِ إلى الكَسْرةِ كَسْرةً خالِصةً، وزيدَت بعْدَها دالٌ ساكِنةٌ؛ فصارَت (سُدَّر).
- دَخَلَ العَربيَّةَ كَثيرٌ مِن الكَلِماتِ الفارِسيَّةِ المُركَّبةِ؛ مِثلُ:
(الزَّرْكَشةُ)، وأصْلُها: زر: ذَهَب، وكش: الرَّاسِم.
(الجُلَّنارُ): وأصْلُها: كل بالكافِ الفارِسيَّةِ: زَهْر، ونار: الرُّمَّانُ.
(السِّرْدابُ): وأصْلُها: سرد: بارِدٌ، وآب: ماءٌ، أي: ذو الماءِ البارِدِ [200] يُنظر: ((التَّعْريب في القديم والحديث)) لمحمد حسن عبد العزيز (ص: 67). .
مَسألةٌ: التَّعْريبُ على غيْرِ أوْزانِ العَربِ
الاسمُ المُعرَّبُ -كما يَتَّضِحُ مِن كَلامِ سيبَوَيْهِ [201] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبَوَيْهِ (4/ 303، 304). وكَلامِ الخَليلِ في مُعجَمِه العَيْنِ [202] يُنظر: ((العين)) للخليل (5/ 182). - لا يَقْتصِرُ على الاسمِ الَّذي ألْحَقَتْه العَربُ بأبْنِيتِها، إنَّما يَشمَلُ أيضًا ما عُرِّبَ ولم تُلحِقْه العَربُ بأبْنِيتِها.
على أنَّ تلك النَّظْرةَ لا نَجِدُها عنْدَ الجَوْهريِّ الَّذي أعْطى تَعْريفًا للاسمِ المُعرَّبِ يَقصُرُه على ما جاءَ على أوْزانِ العَربِ؛ قالَ: (وتَعْريبُ الاسمِ الأعْجَميِّ: أن تَتَفوَّهَ به العَربُ على مِنْهاجِها، تقولُ: عَرَّبَتْه العَرَبُ وأعْرَبَتْه) [203] ((الصحاح)) للجوهري (1/ 179). ، وهو مَنهَجٌ يُخالِفُ ما كان عليه الخَليلُ وسيبَوَيْهِ، ولعلَّ السَّبَبَ في ذلك أنَّ اللُّغةَ كانت فَصيحةً قَويَّةً إلى عَهْدِ الخَليلِ وسيبَوَيْهِ، ولم تكُنِ العُجْمةُ قد نالَت مِنها بَعْدُ، وكانَ مَقصَدُ الخَليلِ تَسْجيلَ ما عَرَّبَتْه العَربُ والاسْتِشْهادَ عليه، وكانَ مَقصَدُ سيبَوَيْهِ وَصْفَ السُّلوكِ اللُّغويِّ للعَربِ وَصْفًا مُحكَمًا؛ فجاءَ مَوقِفُهما مُتَماشيًا معَ مَرْحلةٍ مِن مَراحِلِ الفُصْحى وانْعِكاسًا للرُّوحِ السَّائِدةِ آنَذاك، ثُمَّ إنَّ العُجْمةَ قد اسْتَفْحَلَتْ وصارَ اللُّغويُّونَ والنُّحاةُ -وغايتُهم المُحافَظةُ على اللُّغةِ العَربيَّةِ- أكْثَرَ تَمَسُّكًا بالقَواعِدِ، وفي هذا الإطارِ نُفسِّرُ مَنهَجَ الجَوْهَريِّ (ت: 393 هـ)، ومُخالَفتَه لمَنهَجِ سيبَوَيْهِ، ونَلمَحُ عنْدَ ابنِ جِنِّي شيئًا كهذا الَّذي ذَهَبَ إليه الجَوْهَريُّ؛ قالَ البَطَلْيَوسيُّ: (ورأيْتُ ابنَ جِنِّي قد قالَ في بعضِ كَلامِه: الوَجْهُ عندي أن تُكْسَرَ الشِّينُ مِن شِطْرَنج، ليكون على مِثالِ جِرْدَحْل) [204] ((الاقتضاب في شرح أدب الكاتب)) للبطليوسي (2/ 220). ، ويَرُدُّ عليه البَطَلْيَوسيُّ بأنَّ هذا الكَلامَ لا وَجْهَ له؛ لأنَّ ما وَرَدَ مِن الألْفاظِ الأعْجَميَّةِ المُخالِفةِ لأوْزانِ كَلامِ العَربِ لا يُحْصى كَثْرةً [205] يُنظر: ((الاقتضاب في شرح أدب الكاتب)) للبطليوسي (2/ 220). .
وقدْ بانَ هذا المَنهَجُ بجَلاءٍ عنْدَ الحَريريِّ (ت: 516)، في كِتابِه "دُرَّة الغَوَّاصِ"؛ الَّذي خَصَّصَه لتَتَبُّعِ الأخْطاءِ اللُّغويَّةِ الَّتي وَقَعَ فيها الخاصَّةُ مِن النَّاسِ؛ فهو يُوجِبُ إخْضاعَ اللَّفْظِ المُعرَّبِ للأوْزانِ والصِّيَغِ العَربيَّةِ؛ فأوْجَبَ الكَسْرَ في (شِطْرَنْج) ليَلحَقَ بـ(جِرْدَحْل) [206] يُنظر: ((درة الغواص)) للحريري (ص: 156). ، وأوْجَبَ الكَسْرَ في (سِرْداب) ليَلحَقَ بـ(شِمْراخ) [207] يُنظر: ((درة الغواص)) للحريري (ص: 58). ، وأوْجَبَ الضَّمَّ في (دُسْتور) ليَلحَقَ بـ(بُهْلول) [208] يُنظر: ((درة الغواص)) للحريري (ص: 120). .
وقد خَطا الشِّهابُ الخَفاجيُّ (ت: 1096) خُطوةً في سَبيلِ تَدْعيمِ نَهْجِ سيبَوَيْهِ، وتَعقَّبَ الحَريريَّ في كَثيرٍ ممَّا ذَهَبَ إليه؛ فذَكَرَ أنَّ المَشْهورَ عنْدَ أئِمَّةِ اللُّغةِ الفَتْحُ في (شَطْرَنج) [209] يُنظر: ((شرح درة الغواص)) للشهاب الخفاجي (ص: 481). ، ولم يُخطِّئْ مَن قالَ: (دَستور) بالفَتْحِ [210] يُنظر: ((شرح درة الغواص)) للشهاب الخفاجي (ص: 395). .
ومِن هنا يَتَّضحُ أنَّ العَربَ تُعرِّبُ الألْفاظَ الأعْجَميَّةَ بصَقْلِها على أوْزانِها وبغيْرِ صَقْلِها؛ كما قالَ أبو عَليٍّ الفارِسيُّ: (لأنَّ الأعْجَميَّ إذا أُعْرِبَ لا يُوجِبُ تَعْريبُه أن يكونَ مُوافِقًا لأبْنِيةِ العَربيِّ) [211] ((المخصص)) لابن سيده (4/ 65). [212] يُنظر: ((التقريب لأصول التَّعْريب)) للشيخ طاهر الجزائري (ص: 16 – 18)، ((التَّعْريب في القديم والحديث)) لمحمد حسن عبد العزيز (ص: 71 – 74). .

انظر أيضا: