موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ الأوَّلُ: عَدَمُ العُكوفِ على إدمانِ أُسلوبٍ واحِدٍ


ينبغي على المتعَلِّمِ أن يُجرِيَ قَلَمَه على سائِرِ أساليبِ الكِتابةِ، فلا يكتفي بالجَرْيِ على مَقاماتِ الحَريريِّ، أو رسائِلِ ابنِ الخَطيبِ، أو غَيرِهما، حتَّى لا يرتَسِمَ في ذِهْنِه إلَّا ذلك؛ فإنَّ آفةَ ذلك أنَّه إذا أراد أن يكتُبَ بَعْدَ ذلك لم يستَطِعْ أن يَعْدوَ ذلك الأُسلوبَ، مع اختِلافِ الأغراضِ والموضوعاتِ الَّتي قد تَعْدِلُ بنا عن أُسلوبٍ إلى غَيرِه، فإنْ لم يَعرِفِ الكاتِبُ جَميعَ الأساليبِ كانت كِتابتُه قاصِرةً مَعيبةً [77] يُنظر: ((أصول الإنشاء والخطابة)) لابن عاشور (ص: 59). .
بل ينبغي على الكاتِبِ أن يُمَرِّنَ يَدَه في كافَّةِ أغراضِ الكِتابةِ؛ مِن مَدْحٍ وفَخْرٍ، وهِجاءٍ ورِثاءٍ، ووَصْفٍ وغَزَلٍ، وغَيرِ ذلك، فلا يَقصُرَ باعُه عن غَرَضٍ دونَ غَرَضٍ.
كما أنَّه لا يجوزُ له أيضًا أن يقتَصِرَ على مُطالَعةِ آثارِ كاتبٍ واحِدٍ، سَواءٌ كان ناظِمًا أو ناثِرًا؛ فإنَّ ذلك يجعَلُه مُقَلِّدًا له، أو مُتأثِّرًا به أكثَرَ ممَّا يجِبُ، فلا يستطيعُ أن يخرُجَ مِن عَباءةِ التَّقيُّدِ بأُسلوبِه في اللَّفظِ أو المعنى، ولا بُدَّ للكاتِبِ أن يكونَ له سَمْتٌ أُسلوبيٌّ محدَّدٌ؛ فأُسلوبُ الرَّافِعيِّ يخالِفُ أُسلوبَ العَقَّادِ، وكُلٌّ مِنهما بَعيدُ الشَّبَهِ عن أُسلوبِ الجاحِظِ مَثَلًا، وهكذا.

انظر أيضا: