موسوعة اللغة العربية

مُقَدِّمة


الحمدُ للهِ الذي أنزل على عبده الكِتَاب ولم يَجعَلْ له عِوَجًا، وأودعَ فيه مِن طَرائفِ البلاغةِ ودُرَرِ التَّعبير جَواهرَ بُلجًا، وتحدَّى بنَظْمِه الأقحاحَ فنَكَصوا على أعقابِهم عُميًا وبُكمًا وصُمًّا وعُرجًا.
والصَّلاةُ والسَّلامُ على مَن آتاهُ اللهُ لَآلئَ البيانِ وجَوامِعَ الكَلِم، فتَفجَّرت مِن لسانِه يَنابيعُ الحِكمة، وجَرَت مِن فَمِهِ أفانينُ القولِ ومُعْجِزُ الكلامِ.
وبعدُ فإنَّ الكتابةَ الأدبيةَ وحُسنَ التَّعبيرِ عن الدَّوافنِ الشُّعوريةِ، مِنَّةٌ عَظيمةٌ أنعَمَ اللهُ سُبحانه بها على خَلْقِه، فآتاهُم ثَروةً لُغويةً هائلةً، ورَزَقهم قُدرةً على سَبكِ الألفاظِ بعضِها إلى بعضٍ، بحيث تَنتظِمُ كخَرَزاتٍ في عِقدٍ لا يَشِذُّ منها شَيءٌ. وإنَّ المُطالِعَ لكُتبِ البلاغيِّين مِن قَديمٍ أو حَديثٍ يَتيقَّنُ حقيقةَ ذلك حِين يَرى أعذبَ المعاني قد صِيغَت في أبسَطِ الألفاظِ في سُهولةٍ ومِن غَيرِ تَعقيدٍ أو تكلُّفٍ.
وكَمْ هيَّجت تلك المَقطوعاتُ الأدبيَّةُ قارئيها على مُحاكاةِ تلك الأساليبِ البيانيَّةِ، فأقعَدَتْهم قِلَّةُ الخبرةِ وضعفُ الموهبةِ وانعدامُ الدِّرايةِ بهذا الفَنِّ عمَّا طَمَحوا إليه واشْرَأَبَّت نفوسُهم نحوه، فضلًا عمَّن أقْحَموا أقلامَهم ذلك المجالَ وتمرَّسُوا فيه، فتَراهم كالغريقِ يَأخذُه الموجُ تارةً ويُدنيه بَطْشُ يدهِ في الماءِ إلى النَّجاةِ أُخرى، ويَتجرَّعُ الماءَ الأُجَاجَ ثالثةً.
فأردْنا أن يكونَ تلك المُدَوَّنَةُ خيرَ عَونٍ لِمن طَلَب تَحصيلَ تلك الموهبةِ، وذلك ببَيانِ مَبادئِ ذلك الفنِّ واحتياجاتهِ، وذِكر مُقَوِّماتِه وما لا غِنًى عنه مِن آلاتهِ، وبيانِ أهمِّ القضايا الأدبيَّةِ التي تَشغَلُ البلاغيِّينَ والأدباءَ، ثمَّ عَرضِ أبرزِ أنواعِ الكتابةِ الأدبيَّةِ مِن الرَّسائلِ والقصصِ والرِّواياتِ والمقاماتِ ونحْوِها، وبيانِ عَناصرِها الرَّئيسةِ وقَواعدِها العامَّةِ.
ويَهدُف ذلك الفرعُ مِن الموسوعةِ إلى إيصالِ كلِّ ذلك بصُورةٍ مُبَسَّطةٍ مَدعومةٍ بالشَّرحِ والتَّمثيل والتحليل، حتى يتهيَّأَ للقارئِ استيعابُ تلك المعلوماتِ والاستفادةُ منها عَمَلِيًّا في التَّمَرُّنِ على الكتابةِ الأدبيَّةِ وتَقويةِ المَلَكةِ البَلاغيَّةِ.

انظر أيضا: