موسوعة اللغة العربية

الفَرْعُ الثَّاني: أقْسامُ الكِنايةِ عن مَوْصوفٍ


تَنقسِمُ الكِنايةُ عن مَوْصوفٍ إلى نَوعَينِ:
أ- كِنايةٍ عن مَعْنًى واحِدٍ: وهِي ما كانتِ الكِنايةُ عبارةً عن صِفةٍ واحِدةٍ، يُعرَفُ بها المَوْصوفُ، وهِي خَصِيصةٌ تُميِّزُه مِن غَيرِه، كقَولِ حافِظ إبراهيم: الخفيف
وبُناةُ الأهْرامِ في سالِفِ الدَّهـ
رِ كَفَوْني الكَلامَ عندَ التَّحدِّي
فقولُه: "بُناةُ الأهْرامِ" كِنايةٌ عنِ المِصريِّينَ القُدَماءِ، فهُم الَّذينَ بنَوا الأهْراماتِ المَشْهورةَ، وقد أتى الشَّاعرُ بصِفةٍ واحِدةٍ تدُلُّ على المُتَّصِفينَ بها.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الكامل
الضَّارِبينَ بكُلِّ أبْيضَ مِخْذَمٍ
والطَّاعِنينَ مَجامِعَ الأضْغانِ
فقولُه: "مَجامِعَ الأضْغانِ" كِنايةٌ عنِ القُلوبِ، فهِي الَّتي تَجمَعُ الأضْغانَ والأحْقادَ، وهِي كِنايةٌ مِن صِفةٍ واحِدةٍ دلَّت على المَوْصوفِ بها.
ومنه قولُ البُحْتُريِّ: الطويل
فأتْبعتُها أُخرى فأضْللْتُ نَصْلَها
بحيثُ يكونُ اللُّبُّ والرُّعبُ والحِقدُ
يصِفُ البُحْتُريُّ كَيفيَّةَ قتْلِه ذِئبًا، وهُو أنَّه رَماه بسهْمٍ ثمَّ أتْبعَه بآخَرَ اخْترَق قلْبَه، وعجُزُ البيْتِ فيه ثَلاثُ كِناياتٍ مُفرداتٍ، وهُو قَولُه: اللُّبُّ والرُّعبُ والحِقدُ؛ فهِي كلُّها كِنايةٌ عنِ القلْبِ؛ ففيه اللُّبُّ، وهُو العَقْلُ، وهُو مَحلُّ الرُّعبِ والخَوفِ، ومَبعَثُ الحِقدِ والكَراهيةِ والضَّغينةِ. وهذه الكِناياتُ ليست كِنايةً مَجْموعةً مِن عدَّةِ صِفاتٍ، وإنَّما كِناياتٌ مُخْتلِفةٌ؛ إذْ تَصلُحُ الواحِدةُ منْها أنْ تَقومَ بذاتِها.
ب- ما هي مَجْموعُ مَعانٍ: بحيثُ تُؤخَذُ صفةٌ فتُضَمُّ إلى صفةٍ أخرى، ثمَّ إلى ثالِثةٍ ورابِعةٍ، ونحْوِ ذلك، فتقولُ: حيٌّ مُسْتوي القامَةِ يَمشي على رِجْلَين عَريضُ الأظْفارِ... فهذه كلُّها بمَجْموعِها كِنايةٌ عنِ الإنْسانِ؛ إذْ ليست كلُّ واحِدةٍ منها بمُفردِها خاصَّةً به، وإنَّما لا يتَّصفُ بها جميعًا غيرُه [355] ينظر: ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 304)، ((بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة)) لعبد المتعال الصعيدي (3/ 540). .
3- الكِنايةُ عن نِسبةٍ:
وهِي الَّتي يُرادُ بها نِسبةُ شيءٍ لشيءٍ آخَرَ، كأنْ تُريدَ أنْ تَنسُبَ الجُودَ إلى شخْصٍ، أو البُخلَ إلى آخَرَ، ونحْوِ ذلك، كقَولِهم: "الجُودُ في رِكابِه"؛ فهِي كِنايةٌ عنِ اتِّصافِ هذا الشَّخصِ بالكَرمِ ونِسبتِه إليه. ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الكامل
اليُمْنُ يَتبَعُ ظِلَّه
والجُودُ يَمْشي في رِكابِهْ
ففي الشَّطرِ الأوَّلِ كِنايةٌ يُرادُ بها نِسبةُ اليُمْنِ إلى المَمدوحِ، وفي الشَّطرِ الثَّاني كِنايةٌ عن نِسبةِ الجُودِ إليه.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الكامل
إنَّ السَّماحَةَ والمُروءَةَ والنَّدى
في قُبَّةٍ ضُرِبتْ على ابنِ الحَشرَجِ
ففي هذا البيْتِ كِنايةٌ يُرادُ بها نِسبةُ السَّماحةِ والمُروءةِ والنَّدى إلى المَمدوحِ، وهُو ابنُ الحَشرَجِ.
وقد يكونُ الَّذي تُنسَبُ إليه تلك الصِّفةُ غيرَ مَذْكورٍ، كقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المُسلمُ مَنْ سلِمَ المُسلمونَ مِن لِسانِه ويدِه، والمُهاجِرُ مَنْ هجَر ما نهَى اللهُ عنه )) [356] أخرجه البخاري (10) واللفظ له، ومسلم (40) من حَديثِ عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللهُ عنهما. ؛ فهذا الحَديثُ وإنْ كان في نِسبةِ الإسْلامِ إلى مَن سَلِم المُسلمونَ مِن أذاه، ونِسبةِ الهِجرةِ إلى مَن هجَر المَعاصيَ، فهو كِنايةٌ عن نفْيِ الإسْلامِ عمَّن آذى المُسلمينَ، ونفْيِ صِفةِ الهِجرةِ عمَّن اقْترَف المَعاصيَ وانْتَهك حُرُماتِ اللهِ، وهُو ما يُعرَفُ بمَفهومِ المُخالَفةِ، وهُو هنا كِنايةٌ عن نِسبةِ صِفةٍ إلى مَوْصوفٍ غيرِ مَذْكورٍ [357] ينظر: ((عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح)) لبهاء الدين السبكي (2/ 214)، ((الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم)) لعصام الدين الحنفي (2/ 351). .

انظر أيضا: