موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ الأوَّلُ: وَضْعُ الخبَرِ مَوضِعَ الإنْشاءِ


قد يَسْتخدمُ المُتكلِّمُ الأسْلوبَ الخبَريَّ في مَوضِعِ الأسْلوبِ الإنْشائيِّ، وذلك لأغْراضٍ؛ منها:
1- التَّفاؤلُ: تقولُ للمُسافِرِ أوِ الطَّالِبِ ونحْوِهما: وفَّقَك اللهُ لِما فيه الخيْرُ؛ فاسْتِخدامُ الفِعلِ الماضي بدَلًا مِنَ الأمرِ الَّذي يُفيدُ الدُّعاءَ: "اللَّهمَّ وفِّقْه" كأنَّه يَتفاءلُ أنَّ التَّوفيقَ حصَل له بالفِعلِ؛ ولِهذا اسْتعملَ الفِعلَ الماضي الَّذي يُفيدُ التَّحقُّقَ.
ومنه قولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لها، وأسلَمُ سالَمَها اللهُ )) [139] أخرجه البخاري (1006) من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه. وأخرجه البخاري (3513)، ومسلم (2518) مطولاً من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما .
ومنه قولُ النَّابِغةِ الذُّبْيانيِّ: الطويل
أتاني -أبيْتَ اللَّعنَ- أنَّك لُمتَني
وتلك الَّتي أهتمُّ منها وأنصَبُ
فجُملةُ "أبيْتَ اللَّعنَ" دُعائيَّةٌ جاءت بلفْظِ الخبَرِ، والمَقْصودُ منها الدُّعاءُ له بألَّا يَنالَه اللَّعنُ، غيرَ أنَّه أخْرجَها في صُورةِ الخبَرِ تفاؤلًا أيضًا، كأنَّ دُعاءَه اسْتُجيبَ وتَحقَّق.
2- الاحْترازُ عن صُورةِ الأمرِ تأدُّبًا واحْترامًا، كما يقولُ الرَّجلُ للأميرِ: يَنظُرُ مولاي في حاجَتي، بدَلًا مِن "انْظُرْ"؛ لئلَّا يكونَ في كَلامِه أمرٌ للأميرِ.
3- التَّنْبيهُ على تَيْسيرِ المَطْلوبِ لكَمالِ العُدَّةِ ووَفرةِ الأسْبابِ، كما يقولُ القائِدُ لجُندِه: تَفتِكونَ بالأعْداءِ وتُنزِلونهم مِن حُصونِهم وتُذيقونَهم الرَّدى، بدَلًا من: افْتِكوا وأنْزِلوهم وأذِيقوهم.
4- إظْهارُ الرَّغْبةِ في حُصولِ المَطْلوبِ، كقولِك لغائِبٍ: جمَعني اللهُ بك ورزَقني لِقاءَك.
5- التَّنْبيهُ على لُزومِ سُرْعةِ الامْتِثالِ للأمرِ، وأنَّه يَنْبغي ألَّا يمُرَّ زمنٌ إلَّا والمَطْلوبُ مُتَحقِّقٌ، كقَولِه تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ [البقرة: 84] ؛ فالأصْلُ: أخَذنا مِيثاقَكم لا تَسْفِكوا دِماءَكم ولا تُخْرِجوا أنفُسَكم، فعبَّر بالخبَرِ للإشْعارِ بلُزومِ فَوريَّةِ الامْتثالِ.
6- حَمْلُ المُخاطَبِ على الفِعلِ بألطَفِ أسْلوبٍ؛ فإنَّك إذا قلتَ لرجُلٍ: تَجيءُ غدًا؛ فإنَّه ألطَفُ مِن أمرِه بفِعلِ الأمرِ، كما أنَّه أدْعى للإجابةِ؛ لأنَّه إنْ خالَف أمرَك كان مُكَذِّبًا لك [140] ينظر: ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 146)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حبنكة (1/ 512). .

انظر أيضا: