موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الخامِسُ: وَقَفاتٌ حَولَ القَلْبِ المَكانيِّ


الخِلافُ حَولَ وُجودِ القَلْبِ المَكانيِّ في اللُّغةِ:
دار حَولَ وُجودِ ظاهِرةِ القَلْبِ المَكانيِّ خِلافٌ بينَ أهْلِ اللُّغةِ؛ فهُناك مِنَ اللُّغَوِيينَ مَنْ أنكَر ظاهِرةَ القَلْبِ المَكانيِّ، وزعَموا أنَّه ليس ثَمَّةَ قلْبٌ، إنَّما هي لُغاتٌ وارِدةٌ عنِ العَربِ، ومِن هؤلاءِ ابنُ دُرُسْتَوَيْهِ؛ الَّذي أفرَد كِتابًا كَامِلًا -لم يَصِلْ إلينا- في إنْكارِ القَلْبِ، والحُجَّةِ في ذلك، وسمَّاه: "إبطالَ القَلْبِ"؛ قال ابنُ دُرُسْتَوَيهِ: (وأمَّا البِطِّيخُ ففاكِهةٌ مَعْروفةٌ... وفيها لُغةٌ أخْرى، وهِيَ الطِّبِّيخُ، بتَقْديم الطَّاء، وليس عندنا على القَلْبِ كما يَزعُم اللُّغويونَ، وقد بيَّنَّا الحُجَّةَ في ذلك في "إبطالِ القَلْبِ") [1904] يُنظر: ((تصحيح الفصيح وشرحه)) لابن درستويه (ص: 313). ، لكنَّ مَذْهبَه مُتهافِتٌ؛ فقد أجْمَع العُلَماءُ على وُجودِ ظاهِرةِ القَلْبِ المَكانيِّ، قال ابنُ دُريدٍ في بابِ القَلْبِ: (بابُ الحُروفِ الَّتي قُلِبتْ: وزعَم قَومٌ مِنَ النَّحويِّينَ أنَّها لُغاتٌ، وهذا القَولُ خِلافٌ على أهلِ اللُّغةِ، يُقالُ: جَبَذ وجَذَب، وما أطْيبَه وأيْطَبه...) [1905] يُنظر: ((الجمهرة)) لابن دريد (3/ 1254). .
اخْتلافُ البَصْرِيِّينَ والكُوفِيِّينَ حَولَ القَلْبِ:
الكُوفِيُّونَ: ومن تَبِعهم مِنَ اللُّغويينَ، كابنِ دُريدٍ وابنِ قُتَيبةَ وابنِ فارسٍ، يَتوسَّعون في إطْلاقِ القَلْبِ على كلِّ كَلِمتَينِ تَتَّحدانِ في المَعْنى معَ وُجودِ اخْتلافٍ بينَهما في تَقْديمِ بعضِ الحُروفِ على بعضٍ، حتَّى معَ وُجودِ مَصْدَرٍ لكِلا الفِعلَين، مِثْلُ: جَذَب وجَبَذ.
البَصْرِيُّونَ: لا يرَون القَلْبَ إنْ وُجِد لِكِلتا الكَلِمتَين مَصْدَرانِ، إنَّما يَعُدُّونَهما أصْلَينِ قائِمَيْنِ بذاتِهما، ويُدخِلون ذلك في بابِ اللُّغاتِ، ففي "جَذَب وجَبَذ" -مَثلًا- يَرونَ أنَّه ليس ثَمَّةَ قلْبٌ مَكانيٌّ، فكلٌّ مِنَ اللَّفظَينِ أصْلٌ بنفْسِه؛ لأنَّه لا يَختصُّ واحِدٌ منهما بشيءٍ دُونَ الآخَرِ [1906] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 381)، ((المنصف)) لابن جِنِّي (2/ 105). .
الخِلافُ حولَ كَونِ القَلْبِ المَكانيِّ قِياسيًّا أم لا:
لِلعُلَماءِ في هذه المَسألةِ مَذْهبانِ:
مَذْهبُ الخليلِ:
يَذهَبُ الخَليلُ إلى كَونِ القَلْبِ المَكانيِّ قِياسيًّا إذا كان القَلْبُ تَلافيًا لاجْتِماعِ هَمْزتينِ في ثَلاثِ مَسائِلَ؛ هي: اسمُ الفاعِلِ مِنَ الأجْوفِ المَهْموزِ، مِثْلُ: جاءٍ مِن جاءَ، وجَمْعُه على فَواعِل (جَوَاءٍ) جَمْعُ (جائِيَة)، وفي الجَمْعِ الأقْصى (جَمْعُ الجَمْعِ) للمُفْرَدِ الَّذي لامُه هَمْزةٌ قبلَها حَرْفُ مدٍّ، مِثْلُ: خَطِيئة جَمْعُها خَطايا.
مَذْهبُ الجُمْهورِ:
يَرى الجُمْهورُ أنَّ القَلْبَ كلَّه اعْتباطيٌّ بابُه السَّماعُ لا قِياسَ فيه [1907] يُنظر: ((الممتع في التصريف)) لابن عصفور (ص: 392). ؛ قال الرَّضيُّ: (وليس شيءٌ مِن القَلْبِ قِياسيًّا إلَّا ما ادَّعى الخَليلُ فيما أدَّى تَرْكُ القَلْبِ فيه إلى اجْتِماعِ الهَمْزتين، كجاءٍ وسَواءٍ، فإنَّه عندَه قِياسيٌّ) [1908] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (1/ 24). .

انظر أيضا: